Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 5-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : وجه تعلق هذه الآية بما قبلها أن المشركين كانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، ويقولون : إن كان غرضك من هذا الذي تدعيه طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سبق إلى وهمه أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لكونه فقيراً حقيرًا عندهم ، فعدد الله تعالى عليه مننه في هذه السورة ، وقال : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 1 ، 2 ] أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية ، ثم وعده بالغنى في الدنيا ليزيل عن قلبه ما حصل فيه من التأذي بسبب أنهم عيروه بالفقر ، والدليل عليه دخول الفاء في قوله : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } كأنه تعالى قال لا يحزنك ما يقول وما أنت فيه من القلة ، فإنه يحصل في الدنيا يسر كامل . المسألة الثانية : قال ابن عباس : يقول الله تعالى : خلقت عسراً واحداً بين يسرين ، فلن يغلب عسر يسرين ، وروى مقاتل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " " لن يغلب عسر يسرين " " وقرأ هذه الآية ، وفي تقرير هذا المعنى وجهان الأول : قال الفراء والزجاج : العسر مذكور بالألف واللام ، وليس هناك معهود سابق فينصرف إلى الحقيقة ، فيكون المراد بالعسر في اللفظين شيئاً واحداً . وأما اليسر فإنه مذكور على سبيل التنكير ، فكان أحدهما غير الآخر ، وزيف الجرجاني هذا وقال : إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً ، إن مع الفارس سيفاً ، يلزم أن يكون هناك فارس واحد ومعه سيفان ، ومعلوم أن ذلك غير لازم من وضع العربية الوجه الثاني : أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى ، كما كرر قوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } [ المطففين : 10 ] ويكون الغرض تقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب ، كما يكرر المفرد في قولك : جاءني زيد زيد ، والمراد من اليسرين : يسر الدنيا وهو ما تيسر من استفتاح البلاد ، ويسر الآخرة وهو ثواب الجنة ، لقوله تعالى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } [ التوبة : 52 ] وهما حسن الظفر وحسن الثواب ، فالمراد من قوله : « لن يغلب عسر يسرين » هذا ، وذلك لأن عمر الدنيا بالنسبة إلى يسر الدنيا ، ويسر الآخرة كالمغمور القليل ، وههنا سؤالان . الأول : ما معنى التنكير في اليسر ؟ جوابه : التفخيم ، كأنه قيل : إن مع اليسر يسراً ، إن مع العسر يسراً عظيماً ، وأي يسر . السؤال الثاني : اليسر لا يكون مع العسر ، لأنهما ضدان فلا يجتمعان الجواب : لما كان وقوع اليسر بعد العسر بزمان قليل ، كان مقطوعاً به فجعل كالمقارن له .