Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 47-47)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الله تعالى قد كرّر الخطاب معهم ، وأعاد هذا الكلام عليهم مرّة أُخرى توكيداً للحجّة ، وتفصيلاً بعد الاجمال ، لأنّه أوقع في النفوس ، وتذكيراً لنعمة التفضيل الذي هو أجلّ النعم على الخصوص ، وتحذيراً من ترك اتّباع محمّد ( صلى الله عليه وآله ) . قال القفّال : النّعْمَة - بكسر النون - صفةُ المنعِم . أي ما ينعم به الرجُل على صاحبه . قال تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا } [ الشعراء : 22 ] . - وأمّا النَّعْمَة - بفتح - النون - فهو بمعنى ما يتنعم به في العيش . قال تعالى : { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } [ الدخان : 27 ] . وقوله : { أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ } منصوبُ المحل عطفاً على { نِعْمَتِي } أي اذكروا نعمتي وتفضيلي إيّاكم على العالَمين . ولا يلزم أن يكونوا أفضل من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) لوجوه : أحدها : ما ذكر في الكشّاف : " إنّ المراد به التفضل على الجمّ الغفير من الناس ، كقوله تعالى : { بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 71 ] وكما تقول : " رأيتُ عالماً من الناس " والمراد منه الكثرة لا الكلّ . واعترض عليه في التفسير الكبير بأنّ هذا ضعيف ، لأن لفظ " العالَم " مشتقّ من العلم . وهو الدليل . فكلّ ما كان دليلا على الله أو كان عالماً فكان من العالَم . وهذا تحقيق قول المتكلمين : " إنّ العالَم كلّ موجود سوى الله " وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالَم ببعض المحدَثات . أقول : وهذا غير وارد ، إذ ليس مراد الزمخشري أنّ مدلول لفظ " العالَم " حقيقةٌ مختصٌّ ببعض المحدَثات ، بل إنّه اريد به كثير من العالَم مجازاً ، أو بحسب العرف الطارئ . وثانيها : ما قاله ابن عباس : إنّه أراد به عالمي زمانهم ، لأنّ امّتنا أفضل الأمم بالاجماع ، كما انّ نبيّنا أفضل الأنبياء . وبدليل قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] . وثالثها : أنّ المراد تفضيلهم في أشياء مخصوصة ، وهو إنزال المنّ والسلوى وما أرسل الله فيهم من الرسل ، وأنزل عليهم من الكتب - إلى غير ذلك من النِّعَم العظيمة - كإغراق فرعون ، والآيات الكثيرة التي يسهل معها الاستدلال ، ويهون بها المشاقّ . وتفضيل الله إيّاهم في أشياء مخصوصة لا يوجب أن يكونوا أفضل الناس على الإطلاق . وهاهنا وجه آخر لا يبعد القول به : وهو أنّ هذا التفضيل من جملة النّعم العامّة عليهم وعلى غيرهم من أفراد نوعهم والتي جاءت من بعد النِّعم الخاصّة لهم ، فيكون إشارة على فضيلة البشريّة كما في قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 70 ] . غاية الأمر ، أن كان المراد من العالَمين غير الملائكة والأشخاص الكريمة العلويّة ليكون على وفاق قوله : { كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا } . واعلم أنَّه قال في التفسير الكبير : إنّ قوله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } يدلّ على أنّ رعاية الأصلح لا تجب على الله تعالى - لا في الدنيا ، ولا في الدين - لأن قوله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } يتناول جميع نِعم الدنيا والدين ، فذلك التفضيل إن كان واجباً لم يجز جعله مِنَّة عليهم ، لأنّ من أدّى واجباً فلا منَّة له على أحد . وإن لم يكن واجباً مع أنّه قد خصّص البعض بذلك دون البعض فهذا يدلّ على أنّ رعاية الأصلح غير واجبة لا في الدنيا ، ولا في الدين . أقول : فيه نظر لأنّ الوجوب من وجه لا ينافي عدمه من وجه آخر . ثمّ إنّا لا نسلم أنّ المؤدي للواجب إلى أحد لا يجوز له المنّة على المؤدّى إليه . فإنّ الأب يجب عليه تأديب الولد ، ونفقته ، وكسوته ، ورعاية أحواله ، ومع ذلك لو مَنَّ عليه بها لم يكن هذا قبيحاً منه . وكذا المعلّم لأحد في المعارف الإلهيّة لو منَّ على من خرج بهدايته من ظلمة الضلالة ، وعمَه الحيرة ، وجهنّم الجهالة ، إلى نور الهدى ، وبصيرة اليقين ، وجنّة العرفان ، لكانت المنَّة له عليه عظيمة . على أنّ الحق في هذه المسألة ما ذهب إليه المحقّقون ، من أنّ الأشياء إنّما تجب بإيجاب الله تعالى ، لأنّ الأشياء وجبت عليه ، أو أوجبت شيئاً آخر عليه .