Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 59-59)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل : الرِجْز - بكسر الراء - : العذاب في لغة أهل الحجاز ، وهو غير الرجس . لأنّ الرجس : النتن . وقال الزجّاج : " إنّ الرِّجز والرجس معناهما واحد " . والظاهر أنّ الرجز قد يجيء بمعنى العذاب ، كما في قوله تعالى : { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ } [ الأعراف : 134 ] . يعني : العقوبة . وكذا قوله : { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } . وهو نجاسة معنويّة . كما أنَّ التوبة طهارة قلبيّة . والرجْس في الأصل ما يعاف عنه . والمعنى خالَفوا الأمر وبدّلوا ما أمروا به من التوبة والاستغفار ، فلم يفعلوا ولم يقولوا قولاً دالاًّ على التوبة طلباً لما اشتهوا من أغراض الدنيا ودواعي النفس والهوى . فقالوا غير ذلك ، فاستحقّوا العذاب . فأنزلنا عليهم العقوبة من السماء بظلمهم وفِسقهم . ومن هاهنا علم أنّ المأمور به لم يكن لفظاً بعينه ، وهو لفظ " الحطّة " فجاؤوا بلفظ آخر ، وذلك لأنّه لو فُرض أنّهم جاؤوا بلفظ آخر يفيد هذا المعنى مستقلاًّ بمعنى ما أُمروا به لم يستحقّوا المؤاخذة والعذاب ، ولم يكونوا ظالمين بوضع لفظ في غير موضعه . كما لو قالوا مكان لفظ " حطّة " : " نستغفرُك ونتوبُ إليك " أو : " اللَّهم اغفر لنا ذنوبَنا واعفُ عنّا سيّئاتِنا " وما يجري مجراه . واختُلف في ذلك الغير ، فقيل : إنّهم قالوا بالسريانية : " هطا شمقاتا " . في تفسير مولانا الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) : إنّهم دخلوها مستقبليها بأستاهم وقالوا : " هيطا شمقاتا " أي حنطة حمراء نتقوّتها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا الأمر . وقيل : قالوا : " حنطة " تجاهُلاً واستهزاء . وقيل : كانوا قد أُمروا أن يدخلوا الباب سجّداً ، وقد صغّر لهم الباب توطئة لذلك ، فدخلوه راجعين على أستاهم ، فخالَفوا في القول والدخول جميعاً . وهمٌ ومن الناس من يحتجّ بهذه الآية على وجوب التوقيف في الأدعية الواردة ، وعدم تبديلها بلفظ آخر . والجواب : إنّهم إنّما استحقّوا العذاب لتبديلهم القول إلى قول آخر مضادّ له في المعنى ، فمَن بدّل لفظاً بلفظ آخر مع بقاء المعنى ، لم يظهر من هذه الآية استحقاقه للذمّ . فصل واعلم أنّ هاهنا سؤالات : الأول : لِمَ قال في سورة البقرة : { إِذْ قُلْنَا } وقال في الأعراف : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } ؟ [ الأعراف : 161 ] . الثاني : لِمَ قال هاهنا : { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ } وفي الأعراف : { ٱسْكُنُواْ } ؟ [ الأعراف : 161 ] الثالث : لِمَ قال هاهنا : { فَكُلُواْ } بالفاء ، وفي الأعراف : { وَكُلُوا } بالواو ؟ والرابع : لِمَ قال هاهنا : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } وفي الأغراف : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ } ؟ [ الأعراف : 161 ] والخامس : لِمَ ذكر قوله : { رَغَداً } هاهنا ، وحذَفه في الأعراف ؟ السادس : لِمَ ذكر هاهنا : { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [ البقرة : 58 ] وفي الأعراف قدم المؤخر ؟ السابع : لِمَ قال هاهنا : { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ البقرة : 58 ] مع الواو . وفي الأعراف بدونها ؟ الثامن : قال في الأعراف : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً } وهاهنا بدون لفظ { مِنْهُمْ } فما الفائدة في هذه الزيادة ؟ التاسع : لِمَ قال هاهنا : { فَأَنزَلْنَا } عليكم { رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } وفي الأعراف : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } ؟ [ الأعراف : 162 ] العاشر : لِمَ قال هاهنا : { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } وفي الأعراف : { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } ؟ [ الأعراف : 162 ] والجواب عن الأوّل : إنّ الله تعالى صرّح في أوّل القرآن بأنّ قائل هذا القول هو الله إزالة للإبهام . ولأنّه ذكر في أوّل الكلام : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 40 ] فالمناسب بهذا المقام أن يقول : { وَإِذْ قُلْنَا } [ البقرة : 58 ] وأمّا في الأعراف فلا يبقى إبهام هناك بعد التصريح المقدّم . وعن الثاني : إنّ الدخول مقدّم على السكون ولا بدّ منه ، فذكر " الدخول " في السورة المتقدّمة و " السكون " في المتأخّرة . وعن الثالث : إنّ كل فعْل عطفَ على شيء وكان الفعل بمنزلة الجزاء ، وذلك الشيء بمنزلة الشرط عطف بالفاء دون الواو ، وأمّا إذا لم يكن مشروطاً به فعُطف بالواو . ولمّا كان الأكل منها هاهنا قبل الدخول فيها ، مشروطاً بحدوثه ، وبعده غير مشروط بحدوثه - بل بالكون فيها - لا جرم للإشعار بالمعنيين تارة عطف بالفاء ، وتارةً بالواو . كما في قوله تعالى : { ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا } [ البقرة : 35 ] فإنّه عطف في البقرة بالواو ، وفي الأعراف بالفاء . فإنّ " اسكُن " قد يقال لمن لم يدخل داراً فيراد منه الدخول ، ويقال لمن دخل فيراد منه اللزوم والبقاء . وعن الرابع : انّ الخطايا جمع الكثرة - دون الخطيئات لأنّها جمع السلامة - ففي البقرة لما أضاف القول إلى نفسه قرن به ما يناسب جودَه وكرمَه . وعن الخامس : مثل ما ذكرناه . وعن السادس : إنّ الواو للجمع المطلق ، والمخاطبون يحتمل أن يكون بعضهم مذنبين وبعضهم غير مذنبين ، والمذنب لا بدّ وأن يكون اشتغاله بحطّ الذنب مقدّماً على اشتغاله بالعبادة ، لأنّ التخلية مقدّمة على التحلية ، فلا جرم كلَّف المذنبين أن يقولوا أوّلاً : " حطّة " ثمّ يدخلوا الباب سجّداً . وأمّا غير المذنب ، فالأولى به أن يشتغل بالعبادة ساجداً لله أوّلاً ، ويقول " حطّة " ثانياً . فلمّا احتمل كون أولئك المخاطبين على هذين النوعين ، لا جرم ذكرَ حكم كل منهما في سورة أخرى . وعن السابع : إنّ هاهنا أمران التوبة والعبادة - أعني مفادي لفظتي السجدة والحطّة - وذكر بأزائهما جزاءان : المغفرة والزيادة . فقوله : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بأزاء التوبة التي هي الحطّة . وقوله : { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } بأزاء العبادة التي هي السجدة . فتركُ الواو يفيد كون كل واحد من الجزاءين متوزّعاً على واحد من الشرطين كما في الأعراف ، وإيرادها يفيد كون المجموع جزاءً واحداً لمجموع الفعلين . وعن الثامن : إنّ في الأعراف لمّا وقع في أول القصّة ما يدلّ على التخصيص والتبعيض ، حيث قال : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] . فعُلم أنَّ منهم مَن هو على هذه الصفة . فلما عدّ صنوف إنعامه عليهم ، وأوامره لهم قال في آخر القصّة : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 159 ] فذكر لفظ " مِن " التبعيض . كما ذكره في أوّل القصّة ، ليكون الآخر مطابقاً للأوّل ، فيكون الهادون من أمّة موسى ( عليه السلام ) غير الظالمين منهم . وهاهنا لم يذكر في الآيات السابقة ما يدلّ على التخصيص ، ولم يذكر إلاّ الأُمّة الجائرة ، فلا حاجة إلى هذا التبعيض . وعن التاسع : إنّ الإنزال يفيد حدوثه في أوّل الأمر دفعة ، والارسال يفيد الدوام والاستمرار ، ويشير إلى الاستيلاء عليهم والسلطنة الموجبة لاستئصالهم بالآخرة .