Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا من قبيل قولك : كانت الكاينة وحدثت الحادثة ، والمراد القيامة وساعتها . والناظرون في علم الكتاب بعين الاحتجاب ، يظنّون أنّ زمان الآخرة وساعتها من جنس أزمنة الدنيا وساعتها ، حتّى أنّهم يتوهّمون أنّ يوم القيامة يوم مخصوص متّصل أوّله بآخر أيّام الدنيا ، فيشكل عليهم وقوع الإخبار عن وقوعه ووقوع حالاته بالفعل كما في هذه الآية . وقد تكرّرت الأخبار عن وقوع القيامة وحالاتها في القرآن بألفاظ دالّة على ثبوتها وتحقّقها بالفعل ، مثل قوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] . وقوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الأعراف : 43 ] - الآية - { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ … } [ الأعراف : 44 ] ، { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ … } [ الأعراف : 50 ] ، { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ … } [ الأعراف : 48 ] - الآيات - وأشباهها كثيرة ، فوقعوا في تكلّف أرباب المجاز والمبالغة كما قيل في الكشّاف وغيره : " إنّها وُصفت بالوقوع لأنّها تقع لا محالة " ولم يتفكّروا بمعنى قوله تعالى : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] فنسبة البعث إليه كنسبة الخلق . فكما أنّ ايجاد الخلائق في أزمنتها وأوقاتها المتكثّرة المتجدّدة إنّما هو من قِبَل الله تعالى ، وبالقياس إلى مجاوريه ومقرّبيه من ذوات الملائكة المقرّبين ، وعقول أوليائه الصِدّيقين في دفعة واحدة - وإليه أشير بقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " جُفَّ القلمُ بما هو كائن " ، مع أنّه تعالى كل يوم هو في شأن ، إذ له تعالى شأن واحد في شؤون كثيرة ، حيث لا يشغله شأن عن شأن وزمان عن زمان ، ولا مكان عن مكان ، لتعاليه عن هذه الأشياء مع انبساط نور وجوده عليها ، وارتفاعه عن الانحصار في عالم الأرض والسماء ، مع شمول علمه ونزول رحمته إلى ما تحت الثرى - ، فكذلك بعث الخلائق كلّهم من أجداثهم في لحظة واحدة من جهته لقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] . ومن خواصّ يوم القيامة ، أنّ مقداره بالقياس إلى طائفة خمسون ألف سنة لقوله تعالى : { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] . وبالقياس إلى طائفة أخرى : { كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] . { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ المعارج : 6 - 7 ] . وكذلك من خواصّ الساعة أنّها منتظرَةُ الوقوع بالقياس إلى طائفة : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] . { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } [ الحج : 55 ] وهي بالقياس إلى طائفة أخرى : { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] . فقوله : " ليس " مع ما في حيّزه صفة " الواقعة " . ويحتمل أن يكون عاملاً في الظرف كما تقول : " اليوم ليس لي عمل " ، ولا يحتاج إلى تأويل " ليس " بـ " لا يكون " - كما في بعض التفاسير - بناء على أنّه لنفي الحال ، فلا يكون عاملاً في ظرف لم يقع بعد لِما وقعت الإشارة إليه . وعلى الأوّل : إذا منصوبة بفعل مضمر - مثل أذكر ونحوه - ، أو بمحذوف يعني إذا وَقَعَتْ كان كذا وكذا . وفي الكشّاف : فسّرت كاذبة " بنفس كاذبة " ، وذكر في المعنى : أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله في تكذيب الغيب ، لأنّ كلّ نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدّقة ، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذّبات ، كقوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] . { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ الشعراء : 201 ] . { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ } [ الحج : 55 ] . ولا يخفى انّ القول بنفي وقوع الكذب على الله ، والتكذيب للغيب مطلقا من نفس أصلاً ، ممّا يناقضه قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } [ الروم : 55 ] . وقوله : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [ الإسراء : 72 ] . وأيضاً : الحكم بأنّ كلّ نفس عند قياس الساعة مؤمنة صادقة مصدّقة ، كلام ناشىء ممّن لا بصيرة له في إدراك المعارف الإيمانيّة ، بل بناء معرفته على ظواهر المنقولات وما اشتهر في المتداولات ، وذلك لأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر هو غاية كمال النفس الإنسانيّة ، لأنّه عبارة عن نور من أنوار الله يقذفه في قلب من يشاء من عباده ، وهذا النور يطفي نار جهنّم ، فكيف تتنوّر به نفوس الكفّار والمنافقين ؟ وما ورد من الآيات في باب إيمانهم عند نزول العذاب ، فبعضها محمول على ظهور الشقاوة عليهم يومئذ ، ومشاهدتهم آثار السيّئات ونتائج الكفر والعناد ، وتبعات المعاصي والفسوق ، وأضداد ما كانوا يحتسبون ، كما في قوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } [ الزمر : 47 ] . وبعضها ممّا لا يُفهم منه أزيد من اعترافهم باللسان ، ودعواهم الإيمان ، كما في قوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] . وربّما كانوا كاذبين في هذه الدعوى يومئذ ، كما كذّبوا في قولهم للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كما قال الله تعالى حكاية عنهم حيث قال : { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] لا أنهم يصيرون بعد الموت عرفاء بالله وآياته ، موحّدين ، وإلاّ فكيف يعذّبهم الله عذاباً أبديّا ؟ إذ البراهين العقليّة والسمعيّة ناهضة على خروج أهل التوحيد عن النار ، فالقول بأنّ كلّ نفس يوم القيامة غير كاذبة في محلّ المنع . نعم ، منشأ الكذب والغلط ومبدأ الشر والوبال لا يكون إلاّ في هذا العالَم الذي هو منبع الشرور والعاهات ، ومعدن النقايص والآفات ، - كما بُيّن في مقامه - ، والنفس الشقيّة الكذوبة ، لا تكتسب مادّة الكذب والبهتان ، والكفر والعصيان ، ومنشأ التعذيب بالنيران ، إلاّ بواسطة كونها مدّة في هذا العالم ، ولأجل تعلّقها بالأبدان ، فهي حمّالة حطب نيرانها من ها هنا ، والآخرة دار العدل والحساب والقضاء بمؤدّى الشهود والكتاب : - { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 17 ] . والأوْلى أن تحمل الكاذبة على المصدر ، كالعاقبة ، أي : ليس لمجيئها وظهورها كذب ، ومعناه - كما في مجمع البيان - إنّها واقعة حقّا وصدقاً ، وليس فيها ولا في الإخبار عن وقوعها كذب ، واللام على الأوّل مثل ما في قوله تعالى : { يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [ الفجر : 24 ] وعلى ما ذكرناه مثل .