Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 81-82)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أفأنتم بهذا الحديث الذي جاء من الغيب إلى الشهادة متهاونون . وتقديم الظرف على عامله للاهتمام به والإعتناء بأمره للمبالغة في أنّ المداهنة - أي لين الجانب وعدم التصلّب في مثله - ، ممّا يستغرب ويتعجّب منه ، بخلاف غيره من الأحاديث التي تنشأ أوّلاً من عالَم المحسوس إلى السمع ، ثمّ ترتقي إلى الباطن ، فإنّ أكثر الناس متخيّلهم يتبع محسوسهم ، وكذا معقولهم يتبع متخيّلهم ، ولذا قيل : " مَن فقد حسّا فقد فقَدَ عِلماً " وذلك لعكوف أكثر النفوس في عالم المحسوس ، وليس كذلك نفوس الأنبياء ، فهم كما مر يرون ويسمعون في باطنهم أوّلاً من عالَم الغيب ، ثمّ يتكلّمون بما شاهدوه . والرزق ما يتغذّى ويتقوّى به العبد سواء كان حراماً أو حلالاً ، محسوساً أو غير محسوس . وما قيل : " إنّ الحرام ليس من الرزق " ، معناه : إنّه لا يحصل به البقاء على السعادة الأخرويّة . فكما أنّ الملائكة غذاؤهم التسبيح والتقديس ، وأهل السعادة من الناس غذاؤهم العلم وزادُهُم التقوى ، فكذلك الشياطين وأهل الشقاوة ، غذاؤهم تكذيب الحقّ والإبعاد عنه ، وترويج الباطل وإبطال الحقايق بالشبهات والتمويهات ، لأنّهم بهذه الأفاعيل المزخرفة يتظاهرون ويتطاولون على الناس ، ويترسّخ في باطنهم نار الجحيم ، ويشتدّ بزيادة الفظاظة والغلظة عذابهم الأليم . كما قال تعالى : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [ البقرة : 10 ] . وفي الكشّاف : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } على حذف المضاف ، أي : وتجعلون شكر رزقكم التكذيب . أي : وضعتم التكذيب موضع الشكر . وقيل : نزلت في الأنوار ونسبة المنافقين السقيا إليها ، والرزق : المطر . وعن ابن عبّاس : أصاب الناس عطش في بعض أسفاره ( ص ) فدعا ، فسقوا فسمع رجلاً يقول : مطرنا بنوء كذا . فنزلت الآية . أي : وتجعلون شكر ما رزقكم الله من الغيث ، إنّكم تكذبون بكونه من الله ، حيث تنسبونه إلى النجوم . وعن الحسن : معناه : وتجعلون حظكم من القرآن الذي رزقَكم التكذيب به . وقرئ : تكْذبون . لأنّهم كذبوا في قولهم القرآن سحر وشعر وافتراء ، أو قولهم : المطر من الأنواء . وكذا في تكذيبهم لما هو حق ، فإنّ كلّ مكذّب بالحق كاذب .