Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-13)
Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات } سماهنّ مؤمنات لصدقهن بالنبيين ونطقهن بكلمة الشهادة { مهاجرات فامتحنوهن } فابتلوهن بالحلف والنظر في الإِمارات ليغلب على ظنكم صدق إيمانهن ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول للممتحنة : " بالله الذي لا إله إلاَّ هو ما خرجت من بغض زوج ، بالله ما خرجت رغبة في أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلاَّ حبّاً لله ورسوله " { الله أعلم بإيمانهن } منكم { فإن علمتموهن مؤمنات } العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإِمارات { فلا ترجعوهن إلى الكفار } فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين لأنه حلَّ بين المؤمنة والمشرك { وآتوهم ما أنفقوا } وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور ، وذلك الصلح الحديبيَّة كان على أن من آتاهم من أهل مكة رد اليهم ومن اتى مكة منكم لم يرد إليكم ، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه فجاءت سيفه بنت الحارث الأسلميَّة مسلمة والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديبيَّة ، فأقبل زوجها مسافر المخزومي ، وقيل : صيفي بن الراهب فقال : يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد لنا من أتاك وهذه طينة الكتاب لم تجفّ ، فنزلت بياناً لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء ، وعن الضحاك : كان بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبين المشركين عهد أن لا يأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا ، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن ترد إلى زوجها الذي أنفق عليها وللنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الشرط مثل ذلك ، وعن قتادة : ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد ببراءة فاستحلفها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فحلفت ، فأعطى زوجها ما أنفق وزوّجها عمر { ولا جناح عليكم } أيها المؤمنون { أن تنكحوهن } يعني النساء المهاجرات وإن كان لهن أزواج في دار الكفر لأن الإِسلام فرق بينهما { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي بعقد الكوافر ، فمن كانت له امرأة بمكة فقد انقطعت عصمتها عنه ، والتمسك بعصم : الأخذ بالأيدي ، وذلك عبارة عن التزويج ، وقيل : يفرق بينهما الإِسلام { واسألوا ما أنفقتم } عليهن من الصداق { وليسألوا ما أنفقوا } يعني الكفار ما أنفقوا من الصداق ، فرد المهر من الجانبين منسوخ ، وإذا جاءت امرأة مهاجرة وجاء زوجها وقد وقع الصلح على الرد لا ترد ولا مهرها وهو قول الهادي { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } يعني إذا لحقت امرأة منكم بالكفار { فعاقبتم } أي أصبتم الغنيمة { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } من المهر وكان رد الصداق على الزوج من الغنيمة فنسخ ذلك { يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً } لا يعبدن غيره { ولا يسرقن } وهو أخذ مال الغير { ولا يقتلن أولادهن } وهو ما كانت العرب عليه من دفن البنات ، وقيل : هو قتل الأولاد في الأرحام { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } يعني لا يأتين بكذب في مولود وجد بين أيديهن وأرجلهن ، وقيل : هو السحر والسعي بالنميمة ، وقيل : كانت المرأة تلتقط الولد وتقول لزوجها هذا ولدي منك ، فهذا هو البهتان المفترى ، وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا ، وعمر أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه ، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لئلا يعرفها ، فقال ( عليه السلام ) : " أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً " فرفعت هند رأسها وقالت : والله عندنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمراً ما أراك أخذته على الرجال ، تبايع الرجال على الاسلام والجهاد ، فقال ( عليه السلام ) : { ولا يسرقن } ، فقالت : ان أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله هيات فما أدري أتحلّ لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت في مضى وفيما عبر فهو لك ، فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعرفها فقال : " وإنك لهند بنت عتبة " فقالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفى الله عنك ، فقال : { ولا يزنين } ، فقالت : أوتزني الحرة ؟ وفي رواية ما زنت منهن امرأة قط ، فقال : { ولا يقتلن أولادهن } ، فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتيلاً يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { ولا يأتين ببهتان } ، فقالت : والله ان البهتان لأمر قبيح وما يأمر إلا بالرفق ومكارم الأخلاق ، فقال : { ولا يعصينك في معروف } ، فقالت : والله ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء فإن قيل : كيف بايعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قيل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعا بقدح من ماء فغمس يده ثم غمس أيديهن ، وقيل : صافحهن وكان على يده ثوب ، وقيل : كان عمر يصافح عنه ، وروي أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فقيل لهم : { لا تتولوا قوماً } مغضوباً { عليهم قد يئسوا من الآخرة } انه يكون لهم حظاً فيها لعنادهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم يعلمون أنه الرسول المنعوت في التوراة { كما يئس الكفَّار من أصحاب القبور } أي من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء ، وقيل : من أصحاب القبور بيان للكفار ، أي كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة تبيّنوا حالهم وقبح منقلبهم .