Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 100-102)

Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ } أي : نقضه { فَرِيقٌ مِّنْهُم } يعني اليهود . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } كقوله : { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 88 ] . قوله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } يعني محمداً عليه السلام { نَبَذَ } أي نقض { فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي كأنهم ليس عندهم من الله فيه عهد ، وعندهم من الله فيه العهد ، يعني من كفر منهم . قوله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } . ذكر بعض المفسرين أن الشياطين ابتدعت كتاباً فكتبت فيه سحراً وأمراً عظيماً ، ثم أفشته في الناس وعلَّموهم [ إياه ] . فبلغ ذلك سليمان فتتبع تلك الكتب ، فدفنها تحت كرسيه كراهة أَن يتعلَّمها الناس . فلما قبض الله سليمان عمدت الشياطين فاستخرجوها من مكانها وعلّموها الناس ، وقالت : هذا علم كان سليمان يستأثر به ويكتمه . فعذر الله سليمان ، وأخبر أن الشياطين هي التي كتبت تلك الكتب . فقال : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } . أي من الكهانة والسحر ، { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ . وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } . أي : وما كان ذلك عن مشورته ولا عن أمره ، ولا عن رضى منه ، ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه ، ولكن الشياطين الذين افتعلوا ذلك هم الذين كفروا يعلّمون الناس السحر . قال الكلبي : إن سليمان كان أصاب ذنباً فأَحبّ الله أن يعجِّل عقوبتَه في الدينا . فابتلاه بما كان من أمر الشيطان الذي كان خَلَفَه ، وذهب ملك سليمان . فلما انقضت المُدَّة ونزلت رحمة الله عليه ألقى الله في نفس الناس استنكار الشيطان ، فمشوا إلى أصف ، أحدِ الثلاثة خزان بيت المقدس ، فقالوا : يا أصف ، إنا قد أنكرنا قضاء الملك وعِلمَه ، فلا ندري أنكرت ما أنكرنا أم لا . فقال نعم . ولكني سوف أدخل على نسائه ، فإن كُنَّ أنكرن منه مثل الذي أنكرنا فذلك أمر عمّ الناس ، فاصبروا حتى يكشف الله عنكم ، وإن لم ينكرن منه مثل الذي أنكرنا فهو أمر خُصِصنا به ، فادعوا الله لملكِكم بالصلاح والعافية . فانطلق أصف فدخل على نسائه ، فسألهن عنه ، فقلن : إن كان هذا سليمانَ فقد هلكنا وهلكتم . فخرج أصف إلى الناس فأخبرهم ، فدعوا الله ربهم أن يكشف عنهم . فلما رأت الشياطين الذي فيه الناس من الغفلة كتبوا سحراً كثيراً على لسان أصف ، ثم دفنوه في مصلّى سليمان وفي بيت خزانته وتحت كرسيه وضربوا عنه . وفشا الاستنكار من الناس للشيطان وانقضت أيامه ، ونزلت الرحمة من الله لسليمان . فعمد الشيطان إلى الخاتم فألقاه في البحر . فأخذه حوت من حيتان البحر . وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن ، ينقل السمك من السفن إلى البَرِّ ، على أن له سمكتين كل يوم . فأخذ سليمان في أجرته يوماً سمكتين فباع إحداهما برغيفين ، وشقَّ بطن الأخرى ، فجعل يغسلها ، فإذا هو بالخاتم . فأخذَه ، والتفت إليه الملاّحون فعرفوه ، فأقبلوا إليه فسجدوا له . وتفسير السجود في سورة يوسف . فقال : ما أحمدكم الآن على السجود ، ولا ألومكم على ما كنتم تفعلون . وذلك أنه كان إذا أصابه الجهد استطعم وقال : أنا سليمان بن داود فيكذبونه ويستخِفّون به . فأقبل سليمان إلى ملكه فعرفه الناس واستبشروا به ، وأخبرهم أنه إنما فعله به الشيطان . فاستغفر سليمان ربه فقال : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَِحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ } [ ص : 35 ] . فسخَّر الله له الريح والشياطين ، وسخّر له الشيطان الذي فعل به ذلك الفعل ، واسمه صخر ، فأخذه سليمان فجعله في تخت من رخام ، ثم أطبق عليه ، وسدّ عليه بالنحاس ، ثم ألقاه في عرض البحر . فمكث سليمانُ في ملكه راضياً مطمئنّاً حتى قبضه الله إليه حميداً ، صلّى الله عليه وسلم . ثم أتت الشياطين إلى أوليائهم من الأنس فقالوا : ألا ندلكم على ما كان سليمان يملك به الأنس ، وتدين له به الجن ، وتُسخَّر له الرياح ؟ فقالوا : بلى . قالوا : احفروا في مصلاّه وبيت خزائنه وتحت كرسيه . ففعلوا . فاستخرجوا كتباً كثيرة مكتوباً [ عليها ] : " هذا ما عمل آصف للملك سليمان . فلما قرأوها إذا هي الشرك بالله . وقال صلحاء بني إسرائيل : معاذ الله أن نتعلمه ! ولئن كان سليمان يعمل بهذا ويدين الله به فقد هلك سليمان . فتعلَّمه سفلةُ الناس من بني إسرائيل وقالوا : الملك خير منا يتعلم ما كنا نتعلم . وفشت اللائمة والقالة السيئة لسليمان في بني إسرائيل حتى عذره الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ } . قوله : { وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } . وهذا الكلام موصول بما قبله . يقول : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } واتبعوا { وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ } يعني الفرقة بين المرء وزوجه . قال بعض المفسرين : إن السحر سحران : سحر تعلِّمه الشياطين ، وسحر يعلِّمه هاروت وماروت . وقال الحسن : إن المَلَكَين ببابل إلى يوم القيامة . وإن من عزم على تعلُّم السحر ثم أتاهما سمع كلامهما من غير أن يراهما ويلقاهما بالنظر . ذكر مجاهد أن الملائكة عجبت من ظلم بني آدم وقد جاءتهم الرسل بالكتب فقال لهم ربهم : اختاروا منكم اثنين أنزلهما يَحكُمَان في الأرض ، فكانا هاروتَ وماروتَ . فحكما فعدلا حتى نزلت عليهما الزُّهرة في صورة أحسن امرأة تخاصم . فقالا لها : ائتينا في البيت . فكشفا لها عن عوراتهما وافتتنا بها . فطارت الزهرة فرجعت حيث كانت . ورجعا إلى السماء فزُجِرا فاستشفعا برجل من بني آدم ، فقالا له : سمعنا ربَّك يذكرك بخير [ فاشفع لنا ] . فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء ؟ ثم واعدهما يوماً يدعو لهما فيه . فدعا لهما . فخيِّرا بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة . فنظر أحدهما إلى الآخر فقال : ألم تعلم أن أفواج عذاب الله في الآخرة كذا وكذا وفي الخلد أيضاً ؟ فاختارا عذاب الدنيا . فهما يعذَّبان ببابل . ذكروا عن علي بن أبي طالب أنه قال : كانت الزهرة امرأة جميلة معجبة ؛ فخاصمت إلى الملكين فراوداها فقالت : لا أفعل حتى تعلِّماني الاسمَ الذي إذا تُكُلِّم به عُرِجَ إلى السماء . فعلَّماها إياه . فعرجت ، فمسخها الله كوكباً . ذكروا عن ابن عباس في هاروت وماروت أنه قال : أتتهما امرأة تخاصم إليهما ، فافتتنا بها ، فأراداها على نفسها ، فقالت : لا أمكنكما من نفسي حتى تشربا هذا الخمر ، وتعبدا هذا الصنم ؛ وجاءهما رجل فقتلاه مخافة أن يقول عليهما . ذكروا عن صفوان بن سليم أنه قال : ما نهض ملك من الأرض إلى السماء حتى يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ذكروا عن ابن عمر أنه كان يقول إذا رأى الزهرة : لا مرحباً بك ولا أهلاً . ذكرواعن ابن عباس أنه قال : أتدرون ما كانت تسمّى هذه الكوكب الحمراء في قومها ؟ يعني الزهرة ، كانت تسمى بيدخت . ذكروا عن علي أنه قال : كان يقال لها أناهيذ . قوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } . قال بعض المفسرين : كان أخذ عليهما ألا يعلما أحداً حتى يقولا له : إنما نحن فتنة ، أي بلاء ، فلا تكفر . قال : { فَيَتَعَلََّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } وهو أن يُؤَخَّذَ كل واحد منهما عن صاحبه ، ويُبَغَّضَ كلُّ واحد منهما إلى صاحبه . قوله : { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ } قال الحسن : من شاء الله سلّطهم عليه ، ومن شاء مَنَعهم منه ، وقال بعضهم : إلا بأمر الله . قوله : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ } أي : لمن استحبه ، أي اختاره على التوراة { مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } . قال بعض المفسرين : قد علم أهل الكتاب في عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة عند الله يوم القيامة . وقال الكلبي : ما له في الآخرة من خلاق ، أي ما له من نصيب . قال وهو مثل قوله : { وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] أي من الجنة . { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ } أي : باعوا به أنفسهم . وكل شيء في القرآن شروا وشروه فهو بيع . وكل شيء فيه اشترى واشتروا فهو الشراء إلا قوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ } [ البقرة : 90 ] فإنه يعني بئسما باعوا به أنفسهم . قوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } قال الحسن : لو كانوا علماء أتقياء ما اختاروا السحر .