Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-54)
Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } أي : شدة العذاب ، وتفسير يسومونكم أي : يذيقونكم سوء العذاب { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } فلا يقتلونهن { وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } أي نعمة من ربكم عظيمة إذ نجاكم منهم . قوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } يَعني حين جازوا البحر { فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } يعني أَوَّليهم . وقال بعضهم : وأنتم تنظرون كأنَّمَا عهدكم بهم أمس . قوله : { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ } أي لأنفسكم . { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : لكي تشكروا . يعني التوبة التي جعلها الله لهم ، فقتل بعضهم بعضاً فغلَّظ عليهم في المتاب . قوله : { وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ } الكتاب التوراة ، والفرقان حلالها وحرامها . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . يقول : لكي تهتدوا بالكتاب وبالحلال والحرام . قوله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ } أي : إلى خالقكم { فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ } أي خالقكم { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } . ذكروا أن موسى عليه السلام لما قطع البحر ببني إسرائيل ، وأغرق الله آل فرعون ، قالت بنو إسرائيل لموسى : يا موسى ، ايتنا بكتاب من عند ربنا كما وعدتنا ، وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر . فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً لينطلقوا معه . فلما تجهّزوا قال الله لموسى : أخبر قومك أنك لن تأتيهم إلى أربعين ليلة ، وذلك حين أتممت بعشر ، وهي ثلاثون من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة . قال الحسن : كانت أربعين من أوّل ؛ يقول : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } [ الأعراف : 142 ] وبعدها عشراً ، كقوله : { فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [ البقرة : 196 ] . قال الكلبي : فلما خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروا في أسفل الجبل . وصعد موسى الجبل فكلّمه ربه ، وكتب له في الألواح . ثم إن بني إسرائيل عدّوا عشرين يوماً وعشرين ليلة فقالوا : قد أخلَفَنَا موسى الوعد . وجعل لهم السامري العجل { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } [ طَهَ : 88 ] فعبدوه . قال الكلبي : فبلغنا والله أعلم أن الله قال عند ذلك : يا موسى إن قومك قد عبدوا من بعدك عجلاً جسداً له خوار . فرجع موسى إلى قومه ومعه السبعون ، ولم يخبرهم موسى بالذي أحدثت بنو إسرائيل من بعده بالذي قال له ربه . فلما غشي موسى محلّة قومه سمع اللغط حول العجل ، فقال السبعون : هذا قتال في المحلَّة . فقال موسى ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة . فلما دخل موسى ونظر ما يصنع بنو إسرائيل حول العجل غضب ، وألقى الألواح فانكسرت ، فصعد عامة ما فيه من كلام الله . { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [ الأعراف : 150 ] فقال له هارون : { يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِيَ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [ طه : 94 ] . فأرسله موسى وأقبل على السامري وقال : ما خطبك يا سامري ؟ ولم صنعت ما أرى ؟ قال : بصرت بما لم يبصروا به ، يعني بني إسرائيل . قال : وما الذي بصرت به ؟ قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة ، فما ألقيت عليه من شيء كان له روح ودم . فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلهاً فكذلك سوّلت لي نفسي أن أصنع إلهاً ، ثم ألقي عليه القبضة فيصير ربّاً لبني إسرائيل ، فيعبدونه بين ظهرانيهم . فغضب موسى فأمر بالسامري أن يخرج من محلّة بني إسرائيل ولا يخالطهم في شيء ، فأمر بالعجل فذبح ثم أحرقه بالنار . فمن قرأ { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } [ طه : 97 ] فهو يريد لنبردنه ومن قرأها { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } فهو يريد لنحرّقنه بالنار . وهي أعجب القراءتين إلي ، لأن الحريق للذهب الذي لا تحرقه النار آية عجيبة لموسى . فسلّط الله عليه النار فأحرقته فلما أحرقته النار ذراه موسى في اليم ، وهو البحر . ثم أتاهم موسى بكتاب ربهم فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض . فلما نظروا إليه قالوا : لا حاجة لنا فيما أتيتنا به ، فإن العجل الذي حرّقته كان أحبّ إلينا مما أتيتنا به ، فلسنا قابليه ولا آخذين ما فيه . فقال موسى : يا رب ، إن عبادك بني إسرائيل ردّوا كتابك ، وكذّبوا نبيّك ، وعصوا أمرك . فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل ، فغشوا به بني إسرائيل ، حتى أظلوا به عسكرهم ، فحال بينهم وبين السماء . فقال موسى : إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه ، وإما أن يلقى عليكم الجبل فيشدخكم . فقالوا : سمعنا وعصينا . أي : سمعنا الذي تخوّفنا به ، وعصينا الذي تأمرنا به . ثم أخذوا الكتاب ، ولم يجدوا بداً من أخذه . ورفع عنهم الجبل . فنظروا في الكتاب ، فبين راض وكاره ، ومؤمن وكافر . يقول الله : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : لكي تشكروا . فندم القوم على ما صنعوا وعاتبهم موسى وعيَّرهم بالذي صنعوا ، وقال : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتِّخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم ، أي إلى خالقكم . فقالوا : كيف التوبة يا موسى ؟ قال : فاقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم بعضاً . ذلكم ، أي : المتاب ، خير لكم عند خَالِقكم . قالوا : قد فعلنا يا موسى . فأخذ عليهم العهد والميثاق : لتصبرنَّ للقتل ولترضَوُنَّ به . قالوا : نعم . قال : فأَصبِحوا في أفنية بيوتكم ، كل بني أب على حدتهم ، ففعلوا . فأمر موسى السبعين الذين لم يكونوا عبدوا العجل من بني إسرائيل أن يأخذوا السيوف ثم يقتلون من لقوا . ففعلوا ، فمشوا في العسكر ، فقتلوا من لقوا . فبلغنا والله أعلم أن الرجل من بني إسرائيل كان يأتي قومه في أفنية بيوتهم جلوساً فيقول : إن هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حل حبوته ، أو قام من مجلسه ، أو أحدَّ إليهم طرفاً ، أو اتَّقاهم بيد أو رجل ، فيقولون : آمين . فجعلوا يقتلون من لَقُوا . ثم نزلت الرحمة من الله فرفع عنهم السيف وتاب الله عليهم . [ وذلك قوله ] : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } . وكانت قتلاهم فيما بلغنا ، والله أعلم سبعين ألفاً . وقال بعض المفسرين : أمروا أن ينتحروا بالشِّفار . فلما بلغ الله فيهم نقمته سقطت الشفار من أيديهم ، فكان للمقتول شهادة ، وللحي توبة .