Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 34-34)

Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } أي : ابتلينا سليمان { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثًمَّ أَنَابَ } يعني الشيطان الذي خلفه في ملكه تلك الأربعين ليلة . قال بعضهم : كان اسمه صخراً . وقال بعضهم : كان اسمه آصف ، اسم وافق اسم الذي عنده علم من الكتاب ، كان يحسن الاسم الأكبر . وتفسير قوله ( جَسَداً ) عند الحسن أن الشيطان لما أخذ خاتم سليمان صعد على كرسيه ، وهو سرير المملكة لا يأكل ولا يشرب ، ولا يأمر ولا ينهى . وهو قول الله ( جَسَداً ) كقول الرجل للرجل : ما أنت إلا جسد . وأذهب الله ذلك من أذهان الناس ، أي أصابتهم غفلة ، فلا يرون إلا أن سليمان في مكانه ، يرون أنه يصلّي بهم ، ويجمع ويقضي بينهم ، ولا يرى الناس إلا أنه على منزلته الأولى فيما بينه وبينهم . فأذهب الله ذلك من أذهانهم كما أذهب من أذهانهم موته سنة ، وهو متكئ علىعصاه ، لا يرون إلا أنه يصلي بهم ويجهز عذابهم ويحكم بينهم . وهي في قراءة ابن مسعود : ولقد كانوا يعملون له حولاً . قال الكلبي : إن سليمان أصابَ ذنباً فأراد الله أن يجعل عقوبته في الدنيا . قال الحسن : كان قارب بعض نسائه في المحيض . قال الكلبي : كانت له امرأة من أكرم نسائه عليه وأحبّهن إليه ، فقالت : إن بين أبي وبين رجل خصومة ، فزيّنت حجة أبيها . فلما جاءا يختصمان جعل يحب أن تكون الحجة لختنه . فابتلاه الله بما كان من أمر الشيطان الذي خلفه ، وذهب ملك سليمان . وذلك أنه كان إذا أراد أن يدخل الخلاء دفع خاتمه إلى امرأة من نسائه كان يثق بها ، فدفعه إليها يوماً ثم دخل الخلاء . فجاءها ذلك الشيطان في صورة سليمان ، فأخذ الخاتم منها . فلما خرج سليمان من الخلاء طلب الخاتم منها فقالت : قد أعطيتكه . فقال : أنشدك بالله أن تخونيني . وذهب الخبيث فقعد على كرسي سليمان ، وألقى عليه شبهه وهيئته . فخرج سليمان فإذا هو بالشيطان قاعد على كرسيه . فذهب في الأرض وذهب ملكه . وجعل يستطعم إذا أصابه الجهد ويقول : أنا سليمان بن داوود ، فيكذبونه ويستخِفّون به ويطردونه حتى كاد أن يموت من الجوع . وقال مجاهد : كان يقول : لو عرفتموني لأطعمتموني ، أنا سليمان ويكذّبونه . قال الكلبي : لما انقضت المدة ، ونزلت الرحمة عليه من الله ، ألقى الله في أنفاس الناس استنكار الشيطان . فمشوا إلى آصف ، أحد الثلاثة خزان بيت المقدس ، فقالوا : يا آصف ، إنا أنكرنا قضاء الملك وعمله ، فلا ندري أنكرت مثل الذي أنكرنا أم لا . قال نعم ، ولكن سوف أدخل على نسائه ، فإن كن أنكرن مثل الذي أنكرنا فذلك أمر عام في الناس ، فاصبروا حتى يكشف الله عنكم ، فإن لم ينكرن منه مثل الذي أنكرنا فهو أمر خصصنا به ، فادعوا الله لملككم بالصلاح . فانطلق آصف فدخل على نساء سليمان ، فسألهن عنه ، فقلن : إن كان هذا سليمان فقد هلكنا وهلكتم ، وقال مجاهد فأنكرته أم سليمان . قال الكلبي : فخرج آصف إلى الناس فأخبرهم ، فدعوا الله ربهم أن يكشف عنهم . فلما رأى الشيطان الذي فيه الناس من الغفلة كتبوا سحراً كثيراً على لسان آصف ، ثم دفنوه في مصلّى سليمان وبيت خزائنه وتحت كرسيه ، ثم أضربوا عنه . وفشا الاستنكار من الناس للشيطان ، وانقضت أيامه ، ونزلت الرحمة من الله لسليمان . فعمد الشيطان إلى الخاتم فألقاه في البحر ؛ فأخذه حوت من حيتان البحر . وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن بنقل السمك من السفن إلى البر على سمكتين كل يوم . فأخذ في حقه يوماً سمكتين ، فباع إحداهما برغيفين ؛ وأما الأخرى فشق بطنها وجعل يغسلها ، فإذا هو بالخاتم ، فأخذه ، فالتفت إليه الملاحون فعرفوه ، فأقبلوا إليه ، فسجدوا له . وكذلك تحية من كان قبلكم ، كانت تحيتهم السجود ، وجعل الله تحية هذه الأمة السلام ، وهي تحية أهل الجنة . قال الكلبي : فقال سليمان : فما آخذكم الآن على السجود ، ولا ألومكم على ما تفعلون ؛ وذلك الفعل هو أنه كان إذا أصابه الجوع استطعم فقال : أنا سليمان بن داوود ، لو عرفتموني لأطعمتموني ، أنا سليمان ، فيكذبونه ويستخفون به . وقال مجاهد : إن سليمان قال لآصف ، الشيطان الذي خلفه ، وكان يقول : كان اسمه آصف ، كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه خاتمه نبذه في البحر ، فساح سليمان وذهب ملكه ، وقعد الشيطان على كرسيّه ، ومُنِع أن يقرب نساء سليمان . قال الكلبي : فأقبل سليمان إلى ملكه فعرفه الناس واستبشروا به ، وأخبرهم أنه إنما فعله به الشيطان ، فاستغفر سليمان ربه .