Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 59-60)

Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَو أَنَّهُمْ رَضُوا مَا ءَاتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ } أي ما أعطاهم الله ورسوله { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } وهي تقرأ على وجه آخر بالنصب : سيوتينا الله ورسوله ، أي : ويؤتي رسوله { إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ } . وفيها إضمار . أي : لكان خيراً لهم من النفاق الذي كفروا به . قوله : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . فالفقير : الذي به زمانة ، أي عاهة في بعض جسده ، وهو محتاج . والمسكين : الذي ليست به زمانة وهو محتاج . والعاملون عليها ، أي على الصدقات الذين يسعون في جمعها . والمؤلفة قلوبُهم : قوم كانوا يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم ليُسلِموا ؛ منهم أبو سفيان ابن حرب ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية ابن خلف ، وسهيل بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ؛ أعطى أبا سفيان ورهطاً معه مائة مائة من الإِبل ، وأعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن خمسين خمسين من الإِبل . وفي الرقاب ، يعني المكاتَبين ، والغارمون : قوم عليهم دين [ أو غرم ] من غير فساد . وفي سبيل الله ؛ يُحمل من ليس له حملان ويعطى منها . وابن السبيل : الضيف والمسافر إذا قُطع به وليس له شيء جعل الله له فيها نصيباً . قال بعضهم : ويُحمل في سبيل الله من الصدقة ، ويعطى إذا كان لا شيء له ، ثم يكون له سهم مع المسلمين . ذكروا أن علياً وابن عباس قالا : إنما هو عَلَم جعله الله ، ففي أي صنف منهم جعلتها أجزأك . ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن الذي لا يجد ما يغنيه ولا يسأل الناس إلحافاً " ذكروا عن الحسن قال : ليس للعاملين عليها ولا للمؤلفة قلوبهم اليوم شيء ، إلا ما جعل الإِمام للعاملين عليها . وكان يقول : ليست بسهام تقرع ، ولكن على ما يرى الإِمام ، فربما كان بنو السبيل قليلاً والفقراء كثيراً . وربما كان الفقراء كثيراً والمساكين كثيراً . وكذلك المكاتَبون والغارِمون . وإنما هو على ما يرى الإِمام من كثرتهم وقلّتهم وفقرهم . قال : { وَفِي سَبِيلِ اللهِ } إذا لم يسعهم الفيء رُضِخَ لهم من الصدقة . { وَابْنِ السَّبِيلِ } : الرجل المنقطع به في الأرض ، فإنه يُرضخ له من الصدقة ، وإن كان في أرضه ذا مال كثير ، ولا يكون ذلك ديناً عليه . ذكر بعض السلف قال : إن حقاً على الناس إذا جاءهم المصدّق أن يرحِّبُوا به ، وأن يُطعموه من طعامهم ، فإن أخذ الصدقة على وجهها فسبيلٌ ذلك ، وإن تعدّى لم يضرّ إلا نفسه ، وسُيخلِف الله عليهم . ذكروا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المتعدي في الصدقة كمانعها " ذكروا أن عقبة بن عامر الجهني قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ، فاستأذنته أن نأكل من الصدقة فأذن لنا . ذكروا عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ساعياً فأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيجعلها في فقرائنا ؛ وكنت غلاماً فأعطاني منها قلوصاً . ذكروا أن أول مكاتب كوتب في الإِسلام أبو مؤمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعينوا أبا مؤمل " فأعطي حتى فضل منه فضلة من مكاتبته ، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنفقتها في سبيل الله " . ذكروا أن مكاتباً قام إلى أبي موسى الأشعري فقال : إني رجل مكاتب ، فَحُثَّ عليَّ الناسَ . قال : فَحَثَّ أبو موسى عليه الناس . فألقى إليه من الدراهم والثياب حتى قال ، حسبي . فانطلق إلى منزله فوجد معه فضلة ثلاثمائة درهم . فسأل عن ذلك أبا موسى الأشعري ، فأمره أن يجعلها في مثله من الناس . ذكروا أن مكاتباً كان في عهد علي تُصُدِّقَ عليه ، ففضل عن مكاتبته فضل ، فأمره علي أن يجعله في المكاتَبين . قال : وكذلك الغارمون الذين لزمهم دين من غير فساد ، يجمع لهم من الصدقة ويأخذون منها كفاف ديونهم . فإن أعطوا أكثر من ذلك حتى تفضل في أيديهم منه فضلة ردوا تلك الفضلة على مثلهم في مثل حالهم . وسئل بعض السلف عن الرجل العالم الفقيه الذي قد اتخذه المسلمون سلفاً وإماماً ، فاستقل بأمور المسلمين والنظر في حوائجهم ، وهو فقير ، هل ينظر المسلمون له نظراً يُغْنونه عن المسألة ، ويفضِّلونه على من سواه ممن لم يحتمل من أمور المسلمين ما احتمل ؟ فقال نعم . وهل ينبغي للمسلمين إلا هذا ؟ وهل يجوز لهم أن يحتاج فيهم مثل هذا ؟ وقد كان عمر بن الخطاب يفضل أهل الفضل في الإِسلام ، ويخصُّهم من الصدقة والفيء بما لا يخص به غيرهم لما يحتملون من أمور المسلمين ، ويشغلون أنفسهم بحوائج المسلمين عن حوائجهم . فأهل أن يُفضّلوا ، وأهل أن يُشرَّفوا ، وأهل أن ينظر لهم المسلمون بما يسعهم ويقوتهم ويقوت عيالهم . قوله : { فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ } أي : لهؤلاء الذين سمّى في هذه الآية . وذلك في جميع الزكاة ، في الذهب والفضة والماشية والثمار والحبوب والزروع . { وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } عليم بخلقه ، حكيم في أمره .