Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 92-92)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فاليَوْم نُنَجيكَ } مما وقع فيه قومك من قعر البحر ، ونجعلك فوق الماء ، وقرأ يعقوب ننجيك بالتخفيف ، ومعناهما واحد ، ويجوز أن يكونا مأخوذين من النجوة وهى المكان المرتفع ، أى نلقيك على نجوة من الأرض ، وقرئ ننحيك بالحاء المهملة ، من أنحاه بمعنى ألقاه فى ناحية ، قيل ألقى بجانب البحر ، قال كعب رماه الماء إلى الساحل قصيرا أحمر كأنه ثور . { بِبَدنكَ } بمجرد جسدك لا روح فيه ، أو بجسدك لم ينقص منه شئ ، ولم يتغير ، أو بمجرد جسدك لا لباس عليه ، أو بدرعك ، وكانت عليه درع من ذهب مرصعة بالجوهر يعرف به ، وقرأ أبو حنيفة بأبدانك ، أى بأجزاء بدنك ، وقد ورد نثرا ونظما هوى بأجرامه ، أى بأحزاء بدنه ، أو بدروعك ، وكانت له دروع يلبسها بعضا على بعض ، والباء متعلقة بمحذوف حال من كاف ننجيك ، وهى للتعدية العامة فى حروف الجر فى تفسير البدن بالجسد ، وللمصاحبة فى تفسيره بالدرع بمعنى مع ، إلا أن بعضا ذكر أن المصاحبة بمعنى تكون ابتداء ، وبالياء تكون مستدامة ، وليس ذلك بشئ ، وقيل إن الباء سببية على التفسير بالجسد ، والتفسير بالدرع ، أى بسبب جسدك ، أو درعك لتعرف بهما كما قال . { لتَكونَ لمَنْ خَلْفك آيةً } على موتك ، أى لمن كان حى بعدك ، وهم بنو إسرائيل ، كان فى نفوسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق ، بل قيل قالوا ما مات ولا يموت أبدا ، حتى روى أن موسى عليه السلام أخبرهم بموته فلم يصدقوه ، وألقاه الله على الساحل ، وعليه درعه حتى عرفوه ، روى أنهم قالوا خُلِق خَلْق من لا يموت ، ألا ترى أنه يلبث كذا وكذا يوما لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الإنسان ، وقيل معنى { لمن خلفك } أنه كان مطروحا على مصر بنى إسرائيل ، وقيل لمن يأتى بعدك من القرون يعلمون أنه عبد مهان يراه من يراه فيخبر به من بعده ، فيزدجروا عن الطغيان ، أو يعلمون أن الإنسان وإن بلغ ما بلغ بعيد عن الربوبية ، وقرئ لمن خلقك بفتح اللام بعدها قاف مفتوحة ، أى آية خالقه كسائر آياته ، يعلم منها أنه عامد لذلك إهانة لك بمعصيتك ، وإزالة لشبهة عدم موتك ، وإظهارا لقدرته ، وهذا المعنى صحيح أيضا فى قراءة { لمن خلفك } بإسكان اللام بعده فاء . { وإنَّ كثيراً مِنَ النَّاس عَنْ آياتنا لغَافِلُون } لا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون ، وهى على عمومه ، وقيل أراد المشركين مطلقا ، وقيل مشركى مكة . مبحث ورد من طرق كثيرة ، بألفاظ مختلفة ، وبزيادة ونقص ، أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو رأيتنى وأنا آخذ من طين البحر أدسه فى فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة ، أو قال خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله ، أو لئلا تدركه الرحمة ، وذكر ذلك العلامة البرادى وأقره . وفى عرائس القرآن يا محمد ما أبغضت أحدا من الخلق مثل ما أبغضت رجلين أحدهما من الجن وهو إبليس ، حين أمر بالسجود فلم يسجد ، والآخر من الإنس وهو فرعون حين قال أنا ربكم الأعلى ، ولو رأيتنى يا محمد وأنا آخذ من طين البحر ، وأدسه فى فيه مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها . وذلك مشكل ، من حيث إن المنع من كلمة الإخلاص بسد الفم إعانة على الكفر ورضا به ، والله سبحانه لا يأمر بذلك ، فأما جار الله فهجم على القوم ، بأن قولهم خشية أن تدركه الرحمة ، أى ونحوه مما هو من زيادة الباهتين لله وملائكته ، فإن الرضا بالكفر كفر ، وإن الإيمان فى القلب يكفى ، ولا يشترط له النطق ، وإلى هذا كنت أذهب ، وإنما النطق إخبار بالتوحيد الذى فى القلب لا توحيد . وأما أنا فأقول إن صح الحديث فإن لله أن يفعل ما شاء فعله ، أمر جبريل أن يسد فمه لئلا يقول ذلك مرة أخرى فيرحم ، وجعل الله سده عن قول ذلك كالطبع على القلب بالخذلان ، وأنه لو أعاده لأثر من قلبه كما هو فى لسانه ، وأما المرة الأولى فقاله من لسانه فقط ، فكأن جبريل يخاف أن يدرك ما أمر الله به من سده فمه ، هذا ما يتعلق بنحو قوله مخافة أن تدركه الرحمة ، وأما مجرد سد الفم مع إسقاط تلك الزيادة ، فلأن الله أمره ، ولأنه لا ينفعه الإيمان والقول ، فيكون كقوله لأهل النار { اخسئوا فيها } ولصون اسم الله عن لسانه جزاء بكفره وليعذبه بذلك .