Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 113-114)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولا تَرْكنُوا } لا تميلوا بقلوبكم محبة ، وقرئ بضم الكاف ، وقرئ تركنوا بكسر التاء وفتح الكاف على لغة تميم فى كسر حرف المضارعة غير الياء فيما كان من باب علم يعلم ، وهو رواية عن أبى عمرو وقرأ ابن أبى عبلة بالبناء للمفعول من أركنه إذا أماله ، أى احذروا أن يميلكم أحد أو أمر . { إلَى الَّذينَ ظَلمُوا } ظلم شرك أو نفاق ، وقيل ظلم شرك ، ويدخل النفاق بالحمد والمعنى ، وقال ابن العالية الركون إليهم الرضا بأعمالهم ، وقال السدى ، وابن زيد مداهنتهم ، وقال عكرمة طاعتهم . والتحقيق أن النهى متناول للانحطاط فى هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ومجالستهم ، وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزيى بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وتأمل كيف عظم أمر الركون إذ قال { ولا تركنوا } فإن أدنى ميل يسمى ركونا ، وإذ قال { إلى الذين ظلموا } فعبر بالفعل ولم يقل الظالمين ليدل على أدنى ظلم صدر من الإنسان ولو مرة واحدة ، ولو عبر بالظالمين لتبادر الرسوخ فى الظلم ، فإذا كان الركون إلى من وجد منه أدنى ظلم ولو مرة حراما ، فكيف الركون إلى الراسخ فى الظلم ؟ وكيف الميل إليه كل الميل ؟ فكيف الظلم الراسخ نفسه . صلى الموفق خلف إمام فقرأ هذه الآية فغشى عليه ، ثم أفاق فقيل له ، فقال هذا فى من ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم ، وعن الحسن جعل الله الدين بين لاءين لا تطغوا ، ولا تركنوا ، ولا يبعد أن الآنة أبلغ نهى فى الظلم إذ حرم أدنى ميل إلى أدنى ظلم ، وأوجب عليه النار إذ قال { فتمسَّكُم } تصيبكم وقرأ أبو عمرو فى رواية بكسر التاء { النَّارُ } والنهى عنه تثبيت على الاستقامة ، قال ابن مسعود رضى الله عنه إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه ، فيخرج ولا دين له ، لأنه يرضيه بسخط الله . قال بعضهم ما دخلت أبداً على السلطان إلا وحاسبت نفسى بعد الخروج ، فأرى عليها الدرك ، وأنا أغلظ عليه وأخالف هواه ، ولوددت أنى أنجو من الدخول كفافا ، مع أنى لا آخذ منهم شيئا ، ولا أشرب لهم شربة ماء . وأول من خالط السلاطين من العلماء الزهرى ، وكتب إليه أخ له فى الدين عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن ، فقد أصبحت بحال ينبغى لمن عرفك أن يدعو لك الله أن يرحمك ، أصبحت شيخا كبيرا ، وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك من كتابه ، وعلمك من سنة نبيِّه ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء ، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } لو أعلم أن أيسر ما ارتكبت ، وأخف ما احتملت ، أنك آنست وحشة الظالم ، وسهلت سبيل الغنى بذنوبك ممن لم يؤد حقا ، ولم يترك باطلا حين أدناك ، اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم ، وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم ، يدخلون الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهلاء ، فما أيسر ما عمروا لك فى جنب ما خربوا عليك ، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك ، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلٰوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا } فإنك تعامل من لا يجهل ، ويحفظ عليك من لا يغفل ، فداو دينك فقد دخله سقم ، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد ، وما يخفى على الله من شئ فى الأرض ولا فى السماء ، والسلام . انتهى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العلماء أمناء الرسل على عباد الله تعالى ما لم يخالطوا السلاطين ، فإذا خالطوهم فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلواهم " وعن عبادة بن الصامت حب القراء الناسك للأمراء نفاق ، وحبه للأغنياء رياء ، وعن الأوزاعى ما من شئ أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا . وعنه صلى الله عليه وسلم " شرار العلماء الذين يأتون الأمراء ، وخيار الأمراء الذين يأتون العلماء " وعن مكحول من تعلم القرآن وتفقه فى الدين ، ثم صحب لسلطان تملقا إليه وطمعا لما فى يده ، خاض فى جهنم بعدد خطاه . قال بعض ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد ، فيسأل عنه فيقال إنه عند الأمير ، وعن محمد بن سلمة الذباب على العذرة أحسن من قراء على باب هؤلاء ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله فى أرضه " . وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك فى برية هل يسقى شربة ماء ؟ فقال لا ، فقيل له يموت ؟ فقال دعه يمت ، وذكر بعضهم أن الراكن يهلك قبل المركون إليه ، ووجهه أنه إذا أراد باطلا فسوغه له وأعانه فقد كفر بذلك ، بخلاف المركون إليه فإنه لا يكفر بالإرادة ، بل بالفعل فلا يكفر حتى يفعل ، أو معنى القبلية أن ذنب الراكن أعظم إذا كان سببا لذنب المركون إليه وعمدة له . { ومَا لكُم مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أولياءَ } أنصار يمنعونكم من النار ، والجملة حال من كاف تمسكم { ثمَّ لا تُنْصرونَ } أى لا ينصركم الله إذ قضى بتعذيبكم ، والعطف على الحال ، وثم لبعد النصر ، شبه امتناعه بشئ بعيد لا يتوصل إليه ، وأجاز بعضهم أن تكون ثم للسببية والترتيب باتصال ، لأنه يتولد من كونهم لا يقدر على نصرهم إلا الله ، وهو قضى بعدم نصرهم أنهم لا ينصرون أصلا . ذكر بعض أن أبا اليسر كعب بن عمرو بن غزية الأنصارى قال " أتتنى امرأة تبتاع منى تمرا بدرهم فاعجبتنى ، فقلت إن فى البيت تمرا أطيب من هذا ، فدخلت معى البيت ، فقبلتها وضممتها إلى نفسى ، فقالت لى اتق الله فتركتها وندمت ، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ، ولا تخبر أحدا ، فلم أصبر ، فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال كذلك سواء ، فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " أخلفت غازيا فى سبيل الله فى أهله بمثل هذا ؟ وأطرف عنى وظننت أنى من أهل النار ، وأن الله لا يغفر لى أبدا ، وتمنيت لو أسلمت حينئذ ، فنزل بعد الإطراق الطويل . { وأقِم الصَّلاةَ } إلى قوله { للذاكرين } " . وروى أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر فنزلت ، قال فأتيته فقرأها علىَّ ، وروى أن عمر ، وقيل معاذ بن جبل قال ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال " بل للناس عامة " وقيل فاعل ذلك رجل اسمه عباد ، وقيل إن فاعل ذلك قال يا رسول الله ألَى هذه الآية ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لأمتى كافة " . " وروى عن معاذ بن جبل أنه أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد عنده فقال يا رسول الله أريت رجلا لقى امرأة ليس بينهما معرفة ، فأتى منها كل ما يأتى الرجل امرأته إلا الجماع ، فنزلت وأمره أن يتوضأ وضوءاً حسنا ، ويصلى ركعتين ، فقال معاذ يا رسول الله أله خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ قال " بل للمؤمنين عامة " . وفى رواية " أن فاعل ذلك أتى عمر أولا فقال له استر على نفسك ، فقلق فجاء أبا بكر فقال له كذلك ، فقلق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه ثم أخبره وقال اقض فىَّ ما شئت ، فقال " لعلها زوجة غاز فى سبيل الله ؟ " قال نعم فوبخه النبى صلى الله عليه وسلم وقال " ما أدرى " فنزلت فدعاه فتلاها عليه " . وفى رواية ابن عباس " أنه أتى عمر فقال ان امرأة جاءتنى تبايعنى فأدخلتها فأصبت منها كل شئ إلا الجماع ، فقال ويحك ، بعلها مغيب فى سبيل الله ؟ قال أجل ، قال أتيتَ أبا بكر ؟ فأتاه وقال له مثل عمر وقال أتيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأتاه فقال له مثلهما ، ولما قال بعلها مغيب فى سبيل الله ؟ سكت فنزلت ، فقال الرجل ألى خاصة يا رسول الله أم للناس عامة ؟ فضرب به عمر فى صدره فقال لا ولانعمت عين ، ولكن للناس عامة ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صدق عمر " " وانظر كيف اعتبر عمر عموم اللفظ لا خصوص السبب كما هو مذهبنا فى مثل ذلك ، وقيل نزلت الآية قبل فعله الرجل واستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه . { طَرَفىِ النَّهارِ } طرفى ظرف زمان لإضافته لاسم الزمان ، والطرفان الغدوة والغشية ، وصلاتهما الفجر وهو فى الطرف الأول ، والظهر والعصر وهما فى الطرف الثانى ، لأن ما بعد الزوال عشى . { وزُلَفاً } جمع زلفة كغرفة وغرف ، وقرأ أبو جعفر بضم الراء واللام كبسرة وبسر بضمتين ، ويقال بسر بالإسكان وقرأ بإسكان اللام كبسر بالإسكان ، والمراد ساعات متقاربة بعضها إلى بعض ، أو متقاربة إلى النهار ، وقرأ زلفى كقربى ، وبمعنى زلفة كقربة وهو مصدر مؤنث بالألف . { مِنَ اللَّيلِ } وصلاة زلف من الليل المغرب والعشاء ، لتقارب ساعاتهما بعضهما إلى بعض ، أو قربهما من النهار ، وذلك هو الذى ظهر لى فى تفسير الآية ، وبه قال مجاهد ، وفى الحديث ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى المغرب والعشاء " إنهما زلفتا الليل " " واستحسنه عياض ، وقال الحسن ، وقتادة طرف الأول الصبح ، والثانى العصر ، والزلف المغرب والعشاء ، واختاره الفخر . وقال ابن عباس وغيره طرف الأول الصبح ، والثانى المغرب ، والزلف العشاء ، وفى هذين القولين ضعف لعدم عمومهما الصلوات ولأن المغرب ليس من النهار ، واختار الطبرى قول ابن عباس ، وقال مقاتل الطرف الأول الصبح والظهر ، والطرف الثانى العصر والمغرب ، والزلف العشاء ، وفيه ما مر فى قول ابن عباس أن المغرب ليس من النهار ، إلا أن يقال فيهما إنه طرف لتلوه للنهار . { إنَّ الحَسَناتِ } الفرائض والنوافل من الصلاة والصدقة ، والصوم والاستغفار وغير ذلك { يُذْهِبْنَ } يكفرن ويمحون { السَّيئاتِ } الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، وثبت فى الحديث " الصلاة إلى الصلاة ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بين ذلك لمن اجتنب الكبائر " وفى رواية " إذا اجتنب الكبائر " وفى رواية " ما لم تغش الكبائر " وفى الكبائر وفى الحديث " إن الصلوات الخمس كنهر جار عم على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، أيبقى من درنه ، أى وسخه ، شئ ؟ قالوا لا " وكنى به عن الصغائر . وذكر أبو عثمان النهرى ، " أنه كان مع سلمان الفارسى تحت شجرة ، فأخذ غصنا منها فهزه حتى تساقط ورقه أنى كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فأخذ غصنا منها فهزه حتى تساقط ورقه ، ثم قال " إن الرجل المسلم إذا توضأ ثم صلى صلاة الخمس ، تحاتت عنه ذنوبه كما تحاتت هذا الورق " ثم تلى هذه الآية " على سبيل التمثيل ، وذلك هو الذى ظهر عندى . وقال الجمهور من الصحابة والتابعين المراد فى الآية الصلوات الخمس ، وبه قال عثمان ، ومالك ، وابن المسيب ، ومجاهد فى رواية عنه ، والضحاك ، ونسب لابن مسعود ، وابن عباس ، والقرطبى ، وقال مجاهد فى رواية هن سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وعن عياض أن هذا وقول الجمهور تمثيل . { ذَلكَ } إشارة إلى قوله { استقم } وما بعده ، وقال الطبرى ما ذكر فى السورة من الأوامر والنواهى والقصص ، وقيل القرآن ، وقيل الصلوات المشار إليها بالحسنات ، فإن الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الإخبار بالحسنات يذهبن السيئات . { ذِكْرى للذَّاكرينَ } وعظ وتنبيه لمن سبق العلم أنه يتذكر ، وخص لأنه المنتفع ، أو وعظ وتنبيه متأثر فيمن رأيتموه قد اتعظ وتنبه ، يعنى أن تذكره من ذلك .