Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 40-40)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حتَّى إذا جاءَ أمرُنا } حتى هذه ابتدائية عائدة إلى يصنع ، وليست الابتدائية خارجة عن الغاية بالكلية ، كما قد يتوهم ، بل هى بمنزلة فاء السببية ، المتفرع ما بعدها على ما قبلها ، ففى ذلك رائحة الغاية فافهم ، وقد أوضحته فى النحو ، وقيل الداخلة على إذا جارة ، وذكر القاضى أنها غاية ليصنع وما بينهما حال من ضميره ، أو ابتدائية انتهى . والأمر واحد الأمور ، أو مصدر أى أمرنا للماء بالفوران . { وفَارَ } أى نبع بالماء وغلى كالقدر { التَّنُّور } الذى يخبز فيه عند الحسن ، ومجاهد ، والشعبى ، وأكثر المفسرين ، وابن عباس فى الرواية الصحيحة عنه ، وهو الصحيح ، لأن اللفظ حقيقة فيه ، جعل الله نبع الماء منه علامة لنوح يركب هو وما ومن معه عندها فى السفينة ، وقال لامرأته إذا رأيته يفور فأخبرينى فأخبرته . قال مقاتل كان تنور لآدم فى الشام فى موضع يقال له عين ورد ، من ناحية الجزيرة ، وعن ابن عباس أنه بالهند ، وعن مجاهد ، عن الشعبى اتخذ السفينة فى جوف مسجد الكوفة ، وكان التنور مما يلى باب كندة على يمين الداخل ، وكان يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة ، رواه السدى عنه ، وهو من حجارة تخبز فيه حواء ، ثم صار إلى نوح قاله الحسن ، وأل للعهد ، وكان فى بيت نوح معهودا عنده . ويجوز أن لا يكون المراد حقيقة نبع الماء من التنور ، بل المراد الكناية عن شدة الأمر ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الآن حمى الوطيس " وهو لفظ فارسى جاء فى القرآن ، وقيل كان قبل ذلك فى لسان العرب من لغة العجم ، ولا تعرف لمسماة العرب اسما غير ذلك ، ولذلك جاء فى القرآن ، وقيل ذلك اسمه فى كل لغة ، وقال على بن أبى طالب فار التنور ، طلع الفجر ، شبه طلوع نور الصبح بفوران نار التنور ، وقال ابن عباس فى رواية ، وعكرمة ، والزهرى فار التنور انبجس الماء على وجه الأرض ، وقيل فار عليه ، وقيل فار على أعلى موضع فيها . { قُلْنا احْمِل فِيها مِنْ كلٍّ زوْجَيْن } أى من كل نوع ذكر ونوع أنثى { اثْنيْنِ } فردين اثنين ، فرد ذكر ، وفرد أنثى ، وهو مفعول احمل فى الفلك ، وقرأ حفص تنوين كل فيكون زوجين مفعول لاحمل ، واثنين توكيد أو نعت مؤكد ، فيكون الزوجان الفرد الذكر والفرد الأنثى ، وكذا قرأ فى " سورة المؤمنون " . قال فى عرائس القرآن وغيره حشر الله إليه الدواب والطيور ، من البر والبحر ، والسهل والجبل ، لئلا ينقطع نسلها ، قال ابن عباس أرسل الله المطر أربعين يوما وليلة ، وأقبلت الوحوش والطير والدواب إلى نوح ، حين أصابها المطر ، وأول ما حمل الدرة ، وآخره الحمار ، وتعلق إبليس بذنبه ، فيأمره نوح بالدخول فينهض فلا يستطيع ، حتى قال له نوح ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك ، كلمة زل بها لسانه ، فخلاه إبليس فدخل ، ودخل إبليس فقال له ما أدخلك يا عدو الله اخرج ؟ قال لا أخرج ألم تقل للحمار ادخل وإن كان الشيطان معك ، ولا بد من حملى ، فإنى من المنظرين وكان على ظهر الفلك ، وقيل على ذنبها ، واشترط عليه أن لا يوسوس فيها أحدا ما دام فيها . وروى أنه قال له ادخل يا ملعون ، فخلاه الشيطان فدخل ودخل بعده ، فقال له من أدخلك ؟ فقال ألم تقل ادخل يا ملعون ، وذكر التلاتى أنه قال ادخل يا شيطان فدخل بعده ، فقال له من أدخلك ؟ قال أنت حين قلت يا شيطان ، ولا بأس بقوله ذلك ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن الله العقرب " ولو لم يجزلنا أن نقول ذلك للعقرب ، ومثلها مما ورد فيه عنه لعنة ، فإن العقرب والحمار سواء فى عدم التكليف ، وقال له ادع ربك أن يتوب علىَّ ، فقال الله له قل له تسجد لآدم فأتوب عليه ، فقال له فقال لم أسجد له حيا فكيف أسجد له ميتا ؟ قيل أتت الحية والعقرب نوحا ليحملهما ، فقال إنكما سبب الضرر لا أحملكما ، قالتا احملنا نحن لا نضر أحدا ذكرك ، فمن قرأ حين يخاف مضرتهما { سلام على نوح فى العالمين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين } لم تضراه . قال وهب لما أمر نوح أن يحمل من كل زوجين اثنين ، قال كيف أصنع بالأسد والبقر ؟ وكيف أصنع بالعناق والذئب ؟ وكيف أصنع بالحمار والهر ؟ قال الله تعالى من ألقى بينهم العداوة ؟ قال أنت يا رب ، قال فإنى مؤلف بينها حتى لا يتضاروا ، وألقى على الأسد الحمَّى وأشغله ، وجعل فى البطن الأول الوحوش والسباع والهوام ، وفى الأسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه فى البطن الأعلى ، لئلا يملهم شئ ، وقيل حمل الناس فى الأوسط ، والطير فى الأعلى ، وغير ذلك فى الأسفل . وقال التلاتى حمل الرجال فى الطبقة الأولى ، والنساء فى الثانية ، والوحوش والطير فى الثالثة ، والحية فى الرابعة ، وكانت عظيمة فضربها جبريل فأسقط أنيابها ، والعقرب والهوام فى الخامسة ، وكانت العقرب عظيمة ، فضربها وأسقط ذنبها ، والسباع ، وكل ذى ناب فى السادسة ، وكان الأسد كالفيل فضربه بجناحه وقال لا زلت محموما . وحمل معه ما يحتاج إليه من الزاد وغيره ، وحمل معه جسد آدم معترضا بين الرجال والنساء ، وروى أنه حمل معه من أولاد آدم من بقى منهم إلى ذلك الحين ، وهم ثمانون بين رجل وامرأة ، ولما كانوا فى السفينة نزل الماء الأكبر ، أمطرت السماء كأفواه القرب ، وفجرت الأرض ، وكانت بين إرسال الماء واحتمال الفلك أربعون ليلة ، ثم احتملها . وعن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال الحواريون لعيسى عليه السلام لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدثنا عنها ، فانطلق بهم حتى أتى كثيبا من رمل ، فأخذ كفا من ذلك التراب وقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا الله أعلم ، قال هذا كعب بن حام بن نوح ، قال فضرب الكثيب بعصاه وقال قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه ، قال له عيسى هكذا هلكت ، قال لا مت وأنا شاب ، ولكنى ظننت أنها الساعة ، فمن أجل ذلك شبت ، قال له حدثنا عن سفينة نوح ، قال كان طولها ألف ذراع ومائة ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات طبقة فيها الدواب والوحوش ، وطبقة فيها الطير ، وطبقة فيها الإنس ، فلما كثرت أرواث الدواب ، أوحى الله إلى نوح أن اغمر ذنب الفيل فغمره ، فخرج منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث . وتوالد الفأر فى السفينة ، فجعل يقرضها فأوحى الله إليه أن اضرب بين عينى الأسد ، فضرب فخرج منه سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر ، وقالوا يا روح الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا يحدثنا ، فقال كيف يتبعكم من لا رزق له ، ثم قال عد بإذن الله فعاد ترابا انتهى . وأمر نوحا أن لا يقرب الذكر الأنثى ، وأصاب حام امرأته فى السفينة فدعا عليه أن يغير نطفته فجاء بالسودان ، وقال الكلبى وثب الكلب على الكلبة فدعا عليه وقال اللهم اجعله عسرا ، وقيل سبب تغيير نطفة حام أنه رأى عورة نوح كشفها الريح وهو نائم فضحك ، فدعا عليه . وروى أنه لما حشر الله الدواب إليه ، جعل يضرب بيديه فى كل جنس ، فتقع اليمنى على الذكر ، واليسرى على الأنثى ، فيجعلها فى السفينة . وقيل أمره الله أن ينادى بإتيان زوجين اثنين من كل جنس بالقرعة إليه ، فأتاه من أصابته القرعة ، وعن الحسن لم يحمل معه إلا ما يبيض أو يلد ، وأما ما سوى ذلك مما يتوالد من الطير من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منه شيئا . قال الفخر وأما الذى يروى أن إبليس دخل السفينة فبعيد ، لأنه من الجن وهو جسم نارى وهوائى ، فكيف يفر من الغرق ، وأيضا فإن كتاب الله لم يدل على ذلك ، ولم يرد خبر صحيح ، فالأولى ترك الخوض فيه ، قلت كونه مركبا من نار يناسب الفرار من الغرق . وذكر الشيخ هود أنه مسح ذنب الفيل فخرج منه خنزيران يعنى يعنى خنزير وخنزيرة ، يأكلان الزبل ، وعطس الأسد فخرج من منخريه سنوران يغنى سنور وسنورة يأكلان الفأر . { وأهْلَك } الواو عاطفة ، وأهل معطوف على مفعول احمل ، والكاف مضاف إليه ، والمراد ولده وأزواجهم ، وامرأته المؤمنة { إلاَّ مَنْ سَبَق عَليْه القَوْل } القضاء بالهلاك كامرأته الكافرة واعلة ، وابنه كنعان وهو ابنها { ومَنْ آمَنَ } عطف على الأهل ، أو مفعول حمل وهو أولى . { ومَا آمنَ مَعَه إلاَّ قَليلٌ } سام وحام ويافث ونساؤهم الثلاث ، وزوجته المؤمنة ، واثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة ، فجملتهم تسعة وسبعون إنسانا بنوح عليه السلام ، وقيل ثمانون نصفهم ذكور ونصفهم إناث ، وعن ابن عباس كل من فيها من الرجال ثمانون ، أحدهم جرهم ، وذكرت خلافا غير هذه السورة ، قال القرطبى الصواب الوقف عن عددهم ، إذ لم يرد فى الكتاب ولا فى خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والوصف بالقلة كما وصفهم الله تعالى .