Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 78-78)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وجاءَه قَومُه يُهرعُون إليْه } يسرعو بالبناء للمفعول من أهرعه بمعنى أسرعه ، كأن دافعا دفعهم وعجل بهم لعمل الفاحشة بضيفه النازل به ، لما علموا بنزوله عنده ، وقال مجاهد إهراعه الدابة لهرولة بها { ومِنْ قَبْل } قبل ذلك الوقت ، أو قبل مجيئهم ، أو قبل مجئ الضيف ، أو قبل نزوله ، أو متعلق بقوله { كانُوا } لأن التحقيق أن الأفعال الناقصة دالة على الحديث ، فصح التعليق بها أو متعلق بقوله { يعْمَلونَ } والمعنى أنهم من قبل ذلك كانوا يعملون { السَّيِّئات } متعودين لها غير مستقبحين لها ، وهى جماع الذكور فى الإدبار ، ولذلك جاءوا مجاهرين معلنين ، لا يكفهم حياء ، والجملة مستأنفة ، أو حال ماضية ، وعلى الوجهين يجوز أن يكون المراد أنهم كانوا على عهد لوط وعلمه من قبل ، يعملون السيئات ، ولا مانع من العطف ، وإنما جمع السيئة لتكرار الجماع ، أو لأن المراد بالسيئات الجماع والضرط فى النادى ، وتطريف الأصابع بالحياء ، والحذف بالحصى ونحو ذلك ، وكانوا ألا يجامعون إلا الغرباء . { قالَ } لوط { هؤلاء } إشارة إلى الإناث { بنَاتى } فتزوَّجوهن ، ودعوا لى أضيافى ، فدى أضيافه ببناته كرماً وحفظا لهم ، وقد طلبوه من قبل ذلك أن يزوجهم بهن ، فامتنع لكفرهم وفسقهم ، وعدم كونهم أكفاء لهنَّ ، ولما تعرضوا لأضيافه سمح بهن سترا لهم ، وكان حلا فى شرعه تزويج المؤمنة بالكافر ، والمؤمن بالكافرة ولو صنمية ، كما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنته من عتبة بن أبى لهب ، وأبى العاص بن وائل فى أول الإسلام ، ثم نزل تحريم ذلك { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وذلك تفسير الحسن . ولا يقال إن للوط بنتين فقط ، ولا تكفيان الجماعة فى التزوج ، وأنه ليس من المروءة أن يعرض الرجل بناته على أعدائه ليتزوجوهن ، فكيف يليق بنبى أن يعرض بناته على كفار ؟ لأنا نقول إن الحق أنهن أكثر من اثنتين كما هو ظاهر الجمع واسمه ، وأنه لا مروءة أعظم من أن يمنع أضيافه ببناته ، ولا كرامة فوق ذلك ، وقد حل تزوج الكافر بالمؤمنة فى شرعه ، وأن المهرعين إليه كانوا على عدد بناته ، أو أقل كما هو ظاهر الذى لا يعدل عنه إلا لدليل ، والقوم يجوز إطلاقه على ثلاثة فصاعدا ، أو يطلق على اثنين مجازا مع أنه يحتمل أن يقول ذلك على سبيل الدفع لقومه ، لا على التحقيق . سلمنا أن له بنتين فقط ، والجمع واقع عليهما كما قيل ، لكن فى المهرعين إليه سيدان مطاعان ، فلو زوجهما بهما لمنعا الباقين عن أضيافه كما قيل . وقال الحسن بن الفضل كان شرعه نكاح المؤمنة بالكافر ، وإنما عرض عليهم بناته بشرط الإسلام ، ولم يذكر الشرط فى الآية ، أو لم يذكره لهما حينئذ استغنى بما جرى بينهم وبينه من طلبهم له أن يزوجهم بهن ، وامتناعه إلا أن يسلموا ، فلما عرضهن عليهم علموا أنه بشرط الإسلام . ويجوز أن يكون عرض البنات عليهم مبالغة فى تواضعه ، وإظهارا لشدة غضبه ، والمشقة عليه فى فعل الفاحشة بأضيافه ، طمعا فى أن يستحيوا ويرقوا له فيتركوهم ، ولم يرد التزويج على التحقيق ، وقد علموا أنه لا مناكحة بينه وبينهم . وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير أراد بالبنات نساء قومه ، فإن كل نبى أبو أمته من حيث الشفقة ، ويأتى كلام فى هذا فى الأحزاب إن شاء الله ، وصححه بعضهم . { هُنَّ أطْهرُ } أحل { لَكُم } من الذكور ، وكانت الذكور طاهرة عندهم أيضا ، فجاء التفضيل على معتقدهم ، أو أراد أنهن أطيب وأنظف من الذكور ، أو أظهر خارج عن التفضيل بمعنى طاهرة ، أو باق عليه على تقدير هن أطهر من الذكور إن كانوا طاهرين ، هذا ما ظهر لى من الأوجه ، وقرأ ابن مروان بنصب أطهر ، وضعفه سيبويه ، وعن بعضهم أن مروان اختبأ فى لحنه ، وقال أبو عمرو بن العلاء من قرأهن أطهر بالنصب فقد تربع فى لحنه ، قال ابن هشام يشترط فى ضمير الفصل كونه مبتدأ فى الحال أو فى الأصل ، وأجاز الأخفش وقوع ضمير الفصل بين الحال وصاحبه ، كجاء زيد هو ضاحكا ، وجعل منه { هؤلاء بناتى هن أطهر لكم } فيمن نصب أطهر ، ولحن أبو عمرو من قرأ بذلك ، وقد خرجت على أن { هؤلاء بناتى } جملة وهن إما توكيد لضمير مستتر بالخبر ، أو مبتدأ ولكم الخبر ، وعليهما فأطهر حال ، وفيهما نظر . أما الأول فلأن بناتى جامد غير مؤول بالمشتق ، فلا يحتمل ضميرا عند البصريين . وأما الثانى فلأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفى عند أكثرهم انتهى . وهذا على أن أطهر حال من المستتر فى لكم ، ولا مانع من جعله حالا من بناتى على حد ما مر فى { وهذا بعلى شيخاً } فيتعلق لكم بأظهر كما فى قراءة الرفع ، ويجوز كون بناتى خبرا ، وهن مبتدأ وبالعكس ، والجملة خبر هؤلاء فإنه يجوز هذا اخى هو على ، إن أخى مبتدأ خبره هو راجعا إلى هذا وعكسه ، فيكون أظهر حالا من الخبر فى الجملة المخبر بها على الإشارة ، ويجوز كون بناتى بدلا من هؤلاء ، وهؤلاء مفعول لمحذوف أى خذوا أو تزجوا ، وأظهر حال منصوب بذلك المحذوف ، وهن ضمير فصل على طريق الأخفش فى إجازته بين الحال وذى الحال ، والجمهور على خلافه . { فاتَّقُوا اللهَ } باختيار النساء ، أو بناتى على الذكور أو الأضياف ، أو بترك الفواحش كإتيان الذكور ، والكفر ، والمعاصى { ولا تُخْزون فى ضَيْفى } لا تهينونى ولا تفضحونى فى شأنهم وحقهم ، وأخزأ ضيف الرجل أو جاره إخزاءة كما قال وظلم الجار إذلال المجير ، ولا تخجلونى فيهم من الخزية بمعنى الحياء ، وذلك من بليغ الكرم والمروءة وأصالتهما ، وقرأ أبو عمرو بإثبات الياء فى تخزونى فى الوصل . { أليسَ منْكُم رجُلٌ } واحد { رَشيدٌ } مؤمن أو صالح ، أو ذو مروءة ، يأمر بالحق ، وينهى عن القبيح ، أو يهتدى إلى الحق ويكف عن القبيح ، أى ليس فيكم ولو واحد ، والاستفهام توبيخ .