Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 57-57)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولأجْر الآخرةِ خَيرٌ } من أجر الدنيا لعظمه ودوامه ، وفى الآية إشارة إلى أن ليوسف فى الآخرة ما يستحقر دونه ملكه فى الدنيا { للَّذينَ آمنُوا وكانُوا يتَّقونَ } الشرك والمعصية ، عم القحط سائر البلاد فى السبعة العجاف حتى الشام ونواحيه ، وقصد الناس مصر من كل مكان لشراء الطعام ، وكان يوسف لا يبيع لأحد شريف أو وضيع أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، ووصل يعقوب وأهله ما وصل الناس من القحط وهو بأرض كنعان من الشام ، وكانت زليخا تحب أهل الشام حبا شديدا ، وإذا أتى أحد منهم تأمر بإكرامه ، وكانت مغرمة بيعقوب وأولاده ، وكان أهل الشام إذا رجعوا من مصر نزلوا تحت بيت الأحزان ، ويذكرون محاسن سلطان مصر معهم ، وكيف أضافهم وأعطاهم ، وكيف يحبهم وما سيرته ويعقوب يسمع ويقول والله هذه علامة العارفين ، ولم يعلم أن بمصر أو غيرها نبيا سواه ، وكان يقول ليت لى قوة أمضى إليه على أجد عنده ، يوسف . وكان تحت نفقته ستون رجلا وامرأة وشكوا إليه وسألوه أن يدعو الله لهم حتى يفرج عنهم ، ودخل عليه أولاده يوما باكين ، قالوا يا آبانا منذ أربعين سنة ما كلمتنا ولا التفت إلينا ، ولا دعوت لنا ، ولا تبسمت فى وجها ، فهب أنا قد عصيناك وقد آتيناك مضطرين مفترين مستغيثين . قد أصابنا ما أصاب الناس من الجوع ، فادع لنا ربك أن يرزقنا وأن يتفضل علينا ، فقال لهم يعقوب عليه السلام ، أدلكم على من عنده النعم والكرم ، ومن تقصده العرب والعجم ، ويثنون عليه بأحسن الشيم ؟ وجهه صبيح ، وكلامه فصيح ، ودينه صحيح ، قريب من الناس ، ذو حشمة وباس ، له العز والجلال ، والخزائن والأموال ، أخلاقه سنية ، وأصافه بهية ، أكرم الملوك وأسخاهم ، ، وأنصحهم لعباد الله وأحسنهم خلقا ، وعنده طعام كثير ، وقد استخرت الله أن أوجهكم إليه . فقالوا من أين عرفت ذلك ؟ قال من النازلين تحت بيتى إذا رجعوا قصدوه فإنه كريم ، وسلموا عليه أفضل التسليم . قالوا يا أبانا نحن حفاة عراة حقراء فقراء ، ما عندنا شئ يصلح لحضرة الملك ، فإن الناس يحملون إليه الجواهر واليواقيت ، والذهب والفضة ، والزمرد الأخضر . قال يعقوب سمعت أنه كريم رحيم ، والكريم يقبل اليسير ، ويهب الكثير ، قالوا يا أبانا نحن ما حضرنا أبدا فى حضرة الملك ، كيف نفعل إذا وصلنا إليه ؟ قال إذا أذن لكم بالدخول فلا تتكلموا بين يديه إلا بإذنه ، ولا تلتفتوا يمينا ولا شمالا ، فمن سوء الأدب الالتفات فى حضرت الملك إلى غيره ، فاحفظوا أدبكم ، فالبحر لا جار له ، والملك لا صديق له ، والعافية لا قيمة لها ، ومن صحب الملوك بغير علم أسلمه الجهل إلى القتل . يا بنى إذا حضرتم بين يديه فاثنوا عليه ، وإذا أمركم بالجلوس فقفوا إلى أن يأمركم ، فإذا جلستم فلا تسبقوه بالكلام حتى يسألكم ، ولا تطيلوا عنده الجلوس لئلا يمقتكم ، وإن أذن لكم بالانصراف فلا تعطوه ظهوركم ، وإذا خرجتم من عند فلا تذكروا لأحد ما جرى بينكم وبينه ، وإن أفشى لكم سرا فلا تفشوه لغيركم ، فإن إفشاء سر الملوك صعب فأعدوا أهبة حسنة ، وأظهروا زيا بديعا . وحملوا ما أمكنهم ولم يقصد مصر قوم أحسن حالا منهم ، ولا أبهى منظر ، ولكنهم ما دخلوا إلا شعثا لنفاد زادهم . وكان يوسف قد اتخذ شريعة على ساحل البحر إلى الجبل من حديد ، عليه باب واحد لا يقدر أحد يعبر فيه ، ولا يجد سبيلا إليه إلا من ذلك الدرب ، وكان على الباب حاجبه ، ومعه خمسمائة فارس ، وأمره أن لا يبيع إلا للغرباء ، ولا يبع لواحد حتى يسأل عن اسمه واسم أبيه وبلده وأرضه وبضاعته ، وحتى يأذن له ، وأمر حاجبا آخر أن لا يبيع إلا لأهل مصر ، وكان أحدهما مصريا والآخر قبطيا ، وإذا ورد الغريب لحاجب الغرباء سأله وتركه واقفا ، وسار إلى يوسف فيفتح له البواب الباب ، فيقف عند الحجاب الأول ، فيبدى من الخضوع ما يبدى عند الملوك ، ويثنى ويقول أيها الملك إنه ورد قوم من أرض كذا ، ويصفهم ويسميهم فيهز الحجاب ، وكان هزه علامة للقبول ، ولم يكن ذلك تجبرا وتكبرا ، بل إرهابا للأعداء ، وحفظا عمن يريده بسوء ولو انبسط إليهم لازدروا به . وإنما بعث الرسل لتجديد الشرائع ، وتسديد الذرائع ، وكان أشد الناس تواضعا ، وأمر بالسؤال للغريب أن يعرف بإخوته إذا وصلوا ، وكان جبريل عليه السلام قد أخبره بذلك حين رأى الرؤيا وخرجوا هم عشرةٌ ، أمسك يعقوب عليه السلام ولده بنيامين ، وهو أخو يوسف لأم وأب يتسلى به ، ونفد الزاد قبل وصولهم بمرحلتين ، فظهر عليهم أثر الجوع وتشعثوا ، ولما وصلوا سألوا الناس أين بائع الطعام ؟ فدلوا عليه ، فجاءوه فسألوه البيع ، فقال إنكم غرباء ، وليس أمر الغرباء بيدى ، ولكن انطلق إلى موضع كذا ، فإن فيه حاجتكم . فجاءوا الذى يبيع الغرباء فسألوه البيع فقال لهم من أنتم ؟ وما اسم بلدكم ؟ وما أسماؤكم ، وما قصدكم ، وقد أعجبته رائحتهم وصورهم وأجسامهم ، فقالوا له لم تسأل ؟ قال لذلك جلست هنا . فقالوا له نحن بنو يعقوب نبى الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله ، من الشام من أرض كنعان من بيت الأحزان ، قيل وكان منزلهم بالقرب من فلسطين ، جئنا لحضرة الملك لنشترى الطعام ، وأسماؤنا كذا وكذا ، قال وما بضاعتكم ؟ قالوا لا تسأل عن بضاعتنا ، ونكسوا رءوسهم ، فكتب بذلك كله إلى يوسف عليه السلام ، وأنهم فى غاية الجوع والنحول وتغير الألوان ، ومع ذلك هم أهل جمال وبهاء وفصاحة . وقيل أدى بلسانه كما مر لا بالكتابة وقال إنهم يزعمون أنهم أولاد يعقوب نبى الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله ، قيل لما نظر فى الكتاب بكى حتى غشى عليه ، فتعجب الوزراء من حاله ولم يعلموا أى شئ أصابه ، فلما أفاق من غشيته أذن لمن حوله بالخروج فخرجوا ، ونظر فى الكتاب ثانية وبكى بكاء شديدا ثم قال للحاجب متى قدموا ؟ قالمنذ خمسة أيام ، قال فيما لباسهم ؟ قال ثياب رثة وهم قوم شعث ، فبكى عند ذلك بصوت عال وقال جاء إخوتى الذين فرقوا بينى وبين والدى . وروى أنه قال ذلك بحضرة الوزير ، فقال له فلم تبكى ؟ قال لحالين أحدهما الحياء منهم إذ عصوا الله تعالى بسببى ، والثانية فقرهم ، فتعجب من قوله وقال فما تفعل بهم ؟ قال أفعل بهم ما يفعل القريب بالقريب ، والحبيب بالحبيب ، والملك بالغريب ، وأمر أن ينزلوا منزلا حسنا ، ويكرموا بأنواع الطعام واللحم والفاكهة والحلاوات ، ففعل الحاجب ذلك ، وقال إذا تمت ثلاثة أيام فخرب ذلك الموضع المجعول للغرباء ، فإن المراد به هؤلاء ، وبات شاكرا لله سبحانه ، فرحا إذ أنجز له ما وعد له فى الجب . ولما كان اليوم الرابع لبس أحسن ثيابه ، وقعد على سرير ملكه ، وجعل على وجه برقعا من الديباج ، منظوما من جوهر ولؤلؤ ، يرى الناس منه ولا يرونه ، وأقام عن يمينه ألف جارية بزينتهن وحليهن ، وعلى يساره كذلك ، بأيديهن أعمدة الذهب والفضة ، وأمر قواده أن يلبسوا دروعهم وأسلحتهم ، ويحضروا جنودهم وجموعهم ، واصطفوا ركبانا عن يمين الكرسى ويساره ، واصطف الغلمان والرجال خلف الفرسان بأيديهم الحراب والمقاطع ، وأظهر زينة لم ير مثلها قط ، فكان الناس يتعجبون من ذلك ويتساءلون ما بال الملك ؟ وأحضر الصواع الذى يكال به ، وكان إذا ضربه طن طنينا فيصغى بأذنه يعرف منه صدق المتكلم وكذبه ، وجعله فى حجره ، فأمر الحاجب أن يجئ بهم ، فجاء بهم فى خيله ورجاله ، فأذن لهم بالدخول بعد ما جاءوا وحضروا فدخلوا فعرفهم ولم يعرفوه ، كما قال الله عز وجل { وجاء إخْوةُ يُوسفَ … }