Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-80)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فلمَّا استيئسُوا } يئسوا ، والسين والتاء للمبالغة أو الموافقة المجرد ، وقرأ البزىّ فى رواية أبى عمرو الدانى ، عن ابن خواستى الفارسى ، عن النقاش ، عن أبى ربيعة عنه فلما استأيسوا ولا تائسوا من روح الله ، وحتى إذا استائس الرسل ، وأفلم يائس الذى آمنوا بالألف وفتح الباء من غير همز ، والباقون بالهمز وإسكان الياء من غير ألف فى اللفظ ، وإذا وقف حمزة أو ألقى حركة الهمزة على الياء على أصله { مِنْه } من يوسف أن يرد معهم بنيامين ، أو من بنيامين أن يُردَّ معهم ، وقال أبو عبيدة استيئسوا استيقنوا أن الأخ لا يرد إليهم . { خلصُوا } اعتزلوا عن يوسف { نجيّاً } أى مشاورة فى خفض صوت ، وهو مصدر مفعول لأجله ، أى اعتزلوا للتناجى فى أمر أخيهم ، أو مفعول مطلق لحال محذوفة أى خلصوا ينجون نجيا ، أو ناجين نجيا وهو من النجوى لا من النجاة ، أو هو وصف فيكون أيضا حالا ، وصح إفراده لأنه بوزن فعيل بمعنى فاعل ، أو للتأويل بنوجا نجيّاً أو مصدر جاء حالا مبالغة كأنه نفس النجوى لشدة اهتمامهم ، او يقدر مضاف أى ذوى نجوى ، والحال على كل حال مقدرة لا مقارنة ولا محكية . وقالوا فى نجواهم نقاتل أهل البلد ، كان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، فغضب روبيل وقال بعد النجوى أيها الملك ، والله إن لم تتركنا لأصيحن صيحة لا تُبقى بمصر امرأة حاملا إلا وضعت ما فى بطنها ، وقامت كل شعرة فى جلده ، وخرجت من ثيابه وكان بنو يعقوب إذا غضبوا ومسهم واحد منهم ذهب غيظه ، فقال يوسف لابنه قم إلى جنب روبيل ومسه ، فمر الغلام إلى جنبه فمسه فسكن غضبه ، قال من هذا ؟ إن هذا البلد فيه بزر من برز يعقوب ، فقال يوسف مَنْ يعقوب ؟ فغضب روبيل وقال يا أيها الملك لا تذكر يعقوب فإنه إسرائيل الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله ، فقال له أنت إذن صادق . وفى رواية قال لهم يهودا أنا أجلس على باب السجن فلا أخليه يسجنه ، وأنتم اذهبوا كل واحد إلى سوق من أسواق مصر بأسلحتكم ، فإذا صحت من هنا انشقت مرارتهم ، وإذا سمعتم صوتى فاضربوا يمينا وشمالا ، واقتلوا من جاء إليكم ، وأنا أقتل من يقصدنى ، فأمر يوسف ابنه الصغير واسمه نايل وقال له يا بنى امض نحو عمك ذلك الرجل فامسح يدك على ظهره ، ففعل فسكن ما به ، وذهبت قوته ، وأخذ ذلك الصبى فوضعه فى حجره ، وقبل خده ، فقال أشم منك رائحة يعقوب ، من أنت ؟ فلم يخبره . ولما ارتفع النهار ، ولم يسمع إخوته رجعوا إليه وقالوا ما الذى أصابك يا يهودا ، لم نسمع لك صوتا ، فقال اسكتوا إن هنا إنسانا من آل يعقوب . وفى رواية كان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شئ ، وإذا صاح ألقت كل حامل حملها ، وكان أقوى إخوته وأشدهم ، وقيل هذه صفة شمعون ، قيل قال روبيل لإخوته كم عدد الأسواق بمصر ؟ قالوا عشرة ، قال اكفونى الأسواق وأكفيكم الملك ، أو اكفونى الملك أكفيكم الأسواق ، فدخلوا على يوسف فقال روبيل أيها الملك لتردن أخانا أو لأصيحن صيحة لا تُبقى بمصر امرأة حاملا إلا وضعت حملها . فقال يوسف لولده الصغير قم إلى جنبه فمسه أو خُذ بيده فأتنى به ، ولما مسه سكن غضبه فقال لإخوته من مسنى منكم ؟ قالوا لم يصبك منا أحد ، وقال إنا هنا بزرا من بزر يعقوب ، قيل وغضب ثانيا فقام إليه يوسف فركله برجله ، وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض ، وقال أنتم يا معشر العبرانيين تزعمون أن لا أحد أشد منكم ، فذلك من جملة نجواهم . وقيل قالوا ذلك وجرى معهم ذلك قبل قولهم يا أيها العزيز لما لم ينفع ذلك قالوا يا أيها العزيز ، وقيل قالوا فى نجواهم ما ذكر الله عز وجل عنهم فى قوله { قالَ كَبيرهُم } فى السن أو فى الرأى وهو روبيل ، قيل يهودا ، قال قتادة ، والسدى ، والضحاك هو روبيل ، وأنه أسنهم ورجحه الطبرى ، وقال مجاهد هو شمعون كان كبيرهم رأيا وعلما لا سنا ، وكانت له الرياسة على إخوته ، وقيل إن يهودا أكبرهم عقلا ، ورأيا وإنه المراد ، وبه قال ابن عباس والكلبى . { ألم تعْلَموا أنَّ أباكُم قد أخذَ عليْكم مَوثقا مِنَ اللّهِ } فى أخيكم بنيامين ، وإنما جعل حلفهم بالله موثقا من الله لأنه تأكيد به ، وواقع بإرادته ، ولم لم يرد لم يقع ، وكذا فيما مر من كلام أبيهم { ومِنْ قبلُ } أى من قبل هذا متعلق بالفعل فى قوله { ما فرَّطتُم فى يُوسفَ } على أن ما صلة لتأكيد التفريط ، أى قد ضيعتم يوسف من قبل ، وقصرتم فى حقه ، ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية ، واصدر مبتدأ ، ومن قبل خبر ، وأن تكون اسما موصولا مبتدأ خبره من قبل ، أى من قبل هذا ما فرطتموه ، أى قدمتموه فى حتى يوسف من الخيانة العظيمة ، وهكذا إذا بنيْنا على قول بعض النحويين كابن مالك فى بعض كتبه ، أنه يجوز كون الظرف المقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى خبرا وصلة وصفة وحالا ، والمشهور المنع ، زعموا أنه لا يفيد ، وليس كذلك عندى ، بل تكفى فائدته ، ولو جعل المضاف إليه ولا سيما أنه كثيرا جدا ما يحذف ويعلم كأنه مذكور كما هنا ، وأما أن تجعل ما مصدرية والمصدر معطوف على مفعول تعلم ، أو اسما موصولا معطوفا عليه فضعيف اللزوم تقدر معمول الصلة على الموصول الحرفى ، أو الاسمى لو كان المعمول ظرفا . { فلنْ أبْرح الأرْضَ } لن أفارق هذه الأرض الحاضرة المعهودة أرض مصر ، فإنما عدى أبرح للمفعول لتضمنه معنى أفارق ، ويجوز كون الأرض منصوبا على نزع الخافض ، وهو متعلق بأبرح تامة ، أى لن أذهب من الأرض إلا أن يقدر عموم فى الأرض ، لأن اسم المكان لا يقبل النصب على الظرفية إلا مبهما ، ووجهه أن يريد الأرض التى هو فى بعضها بدون أن يستشعرها محدودة مغشاة بموضع كذا ، وعلى هذا يجوز كون أبرح ناقصا أى لن أزل فى الأرض . { حتَّى يأذنَ لى أبى } فى الخروج من أرض مصر ويدعونى إليه ، وسكن ياء لى غير نافع وأبى عمرو ، وياء أبى غيرهما وغير ابن كثير { أو يحْكُم الله لى } بالموت أو برد أخى إلىَّ أو بالسيف فأقاتلهم حتى أرده . روى أنهم قالوا ندخل على الملك مرة أخرى ، فإن سمح بأخينا وإلا حاربناه بالقوة التى ركب الله فينا ، وكانوا إذا غضب واحد منهم انتفخ واقشعر جلده ، وخرج شعره من ثيابه ، فتخرج من تحت كل شعرة قطرة من دم ، فيضرب بقدمه على الأرض فتزلزل ، ويزعق قلا تسمع زعيقه حامل إلا وضعت ، ولا أحد إلا غشى عليه ، وإذا مسه أحد من أولاد يعقوب أو من نسله سكن ، وكان كواحد من الناس ، وكان يوسف أقواهم فقال يهودا اكفونى أهل مصر أكفكم الملك ممن معه ، أو اكفونى الملك ومن معه أكفكم أهل مصر . وعن ابن عباس وجه أحد إخوته وقال أنظر كم أسواق مصر ؟ فقال تسعة ، فقال يقوم كل منكم بسوق ، وأقوم بالملك ومن معه ، فدخل مغضبا على يوسف وقال أيها الملك رد علينا أخانا ، وإلا صحت الآن فى قصرك صيحة فلا تسمع حامل إلا وضعت ما فى بطنها دما غبيطا ، ومات كل من سمع صيحتى ، وكانت له شعرة بين كتفيه إذا غضب قامت وخرجت من الثياب فلا تسكن حتى يسفك دما أو يمسه أحد من ولد يعقوب أو نسله ، فقامت الشعرة ونظر إليها يوسف وقال لولده الأكبر قم وخذ بيدك ذلك الرجل وأتنى به ، فأخذه بيده فقاده وقد خمدت قوته ، فالتفت يهودا يمينا وشمالا ليرى أحد إخوته هل مسه فلم ير أحدا ، فقال والله لقد مسنى أحد أولاد يعقوب ، ثم خرَّ وطأطأ رأسه وارفضَّ عرقا ، وقال لإخوته من مسنى منكم ؟ قالوا ما مسك منا أحد ، قال وأين أخى شمعون ؟ قالوا مضى إلى الجبل ليأتى بصخرة يشدج بها رءوس من فى المنزل ، يعنون منزل الملك ، قال هيهات لا ينفع ذلك . ثم مضى يهودا على أثره فإذا هو قد أقبل بصخرة عظيمة فقال ارمى بها فإنها لا تفيدك ، أقسم بالله يا أخى إن فى هذا المنزل رجلا من آل يعقوب ، وقالوا له فأشرعلينا برأيك . فقال { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذه عليكم } الآية . وذكر أبو صالح أنه لما علم يوسف أن غضب يهودا سكن قام إلى حجر من حجارة طاحونة فوكزه برجله فرمى به خلف الحائط ، ثم جذب يهودا جذبه وكاد أن يقلبه ، وقال يا معشر الكنعانيين تظنون أنه ليس لأحد مثل قوتكم فأظهروا الخضوع ، فقال عفوت عنكم ، إنما أردت أن أريكم فضل قوتنا وما عندنا ، ثم نقر الصواع فقال إنه يخبرنى أنكم طرحتم أخاكم فى البئر ، ثم بعتموه بثمن بخس فأنكروا وقالوا لم نفعل لعل الملك قد سمع غلطا ، فاخرج الكتاب الذى كتبوه يوم بيعه فقال هذا الكتاب وجدته فى خزانتى فاقرءوه وفسِّروه لنا ، فأخذه يهودا فقال يا روبيل تعرف خطك ؟ فنظره وبهتوا وجزعوا ، وكلَّت ألسنتهم . فقال لهم يوسف ما لكم صممتم ؟ فقالوا أيها الملك هذا كتاب كتبناه فى عبد بعناه ، قال فأخبرونى ما فيه فقرأ روبيل ، فقال يوسف ويحكم لقد جئتكم ما لا يليق ، فلو كنتم كما تقولون ما ارتكب صغيركم ما ارتكب ، ثم نقر الصوع وأصغى بأذنه وقال إنه يخبرنى أن أخاكم الذى تزعمون أنه مات حى ، وأنه سيرجع فيخبر الناس بصنيعكم معه ، ثم نقره وقال إنه يخبرنى أنكم فرطتم فى أخيكم وكذبتم لأبيكم ، ثم نقره وقال يقول كل ما دخل على أبيكم من الهم والحزن والعماء والبلاء فمن أجلكم ، ثم نقره فقال يقول إنكم أصررتم فإن لم تستغفروا لأصيرنكم نكالا ، علىَّ بالحدادين حتى أقطع أيديهم فخضعوا . وقال يهودا هذا ما حذرتكم ، وقلت إن الله لكم بالمرصاد ، لا يترك ظلم العباد فكيف يكون أبونا إذا بلغه فقد أولاده جميعا ، وقد أصابه ما أصابه فى واحد ، فتوبوا واشهدوا هذا الملك الجليل ، فلعل الله يرحمكم فإنه أرحم الراحمين . فسكنوا جميعا وتابعوا ، فقالوا لو وجدناه لأحسنا إليه غاية الإحسان ، ولقلبنا يده ورأسه ، فسمع يوسف ففاضت عيناه ، فأمر أن يخلى سبيلهم ، وأما أخوكم فلن أبرحه ، فتشاوروا فقال يهودا أما أنا فمالى وجه ألقى به والدى ، فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى أو يحكم الله لى . { وهُو خَيرُ الحاكِمِين } لأنه لا يكون حكمه إلا بحق .