Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 120-120)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولَنْ تَرضَى عَنكَ اليهودُ ولا النَّصارَى حتَّى تتَّبع مِلتَهُم } إقناط من الله لرسوله ، صلى الله عليه وسلم ، عن إسلامهم ، إذ علق إسلامهم بما لا يكون منهُ ، صلى الله عليه وسلم ، وهو اتباع ملتهم ، ولا يتصور أن يدعوهم للإسلام ويخرج منهُ ، ولا أن يكون على دينهم وعلى دين الإسلام بمرة ، وعبر برضاهم عنه ، صلى الله عليه وسلم ، عن إسلامهم ، لأنه يلزم من اتباع دين أحد الرضا عنه من جهة دينه ، ومن الرضا عنه من جهة دينه اتباع دينه فى الجملة ، ويحتمل تقدير مضاف ، أى لن ترضى عن دينك ، وذلك أنهم قالوا ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم . وذكر بعض العلماء أنهم كانوا يطلبون الهدنة من النبى ، صلى الله عليه وسلم ، ويقولون إن هادنتنا وأمهلتنا اتبعناك ، فطمع ، صلى الله عليه وسلم ، فى إسلامهم ، فمال أن يهادنهم ويمهلهم ، فأخبره الله جل وعلا بأنهم كاذبون لا يسلمون ، ولو هادنتهم وأمهلتهم ، ولا يرضون عنك إلا إن اتبعت ملتهم وهى دينهم الباطل . وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان يهود المدينة ونصارى نجران يرجون منه ، صلى الله عليه وسلم ، حين كان يصلى إلى بيت المقدس أن يتبع ملتهم ، فلما صرفه الله جل وعلا إلى الكعبة أيسوا أن يوافقهم على ملتهم العوجاء ، منزل { ولن ترى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } أى انقطع طمعهم ، واقتصروا على أن يتبع ملتهم صراحاً ، والضمير فى ملتهم عائد إلى اليهود والنصارى ، وأفرد الملة لأنهم جميعاً على ملة كفر ، فملتهم واحدة فى الكفر ، ولو اختلفت بعض اختلاف ، أو لإرادة الجنس الصادق بملة اليهود وملة النصارى ، أو يقدر لأحد الفريقين فى الملة المذكورة لأحدهما ، ويقدر للآخر فهى للنصارى ، فتقدر لليهود ، أى ولن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم ، ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، وهى لليهود فتقدر للنصارى ، وعلى هذا فأصل الكلام ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم . فالملة الأولى لليهود ، والثانية للنصارى ، حذفت الثانية لئلا تتكرر . { قُلْ } يا محمد . { إنّ هُدَى اللهِ } وهو الإسلام . { هو الهدى } أى هو الذى صح لهُ أن يسمى هُدى ، وأما غيره فلا يصح أن يسمى هُدى كما يفيد الحصر بتعريف ركنى الإسناد ، لأن هداه إلى الحق ، ودعواكم إلى الباطل ، وذلك تعليم من الله تعالى لنبيه الجواب عن قولهم لا نؤمن بك إلا إن اتَّبعتَ ديننا . { ولئن اتَّبعتَ } يا محمد . { أهْواءهُم } أى أهواء اليهود والنصارى فيما يرضيهم عنك ، وهى اتباع أقوالهم وأفعالهم الباطلة التى يسمونها دينا . والملة ما شرع الله لعباده على لسان نبى . من أمللت الكتاب ، أو من أمليته على ، وهكذا قلبت الياء بعد اللام لاما أخرى ، فكان المبطلون يسمون أهواءهم ملة كذبا على الله . وأيضا الملة لغة ما اتخذ دينا صوابا أو خطأ ، والهوى رأى يتبع الشهوة ، والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم . والمراد أمته لأن فيهم من يتبع أهواءهم تنزل الآية ، ويعرض عنها ويتبع أهواء أهل الكتاب ، وهو مشرك ، ولا مانع من أن يقال المراد هو وأمته ، ولو زعم بعض أنهُ لا إذن فيه ، لأن المعنى على الشرط ومعلوم أنه ، صلى الله عليه وسلم ، لا يفعل . ويجوز أن يراد من يمكن منه ذلك ، والوجه الثانى أولى ، وهو أن المراد هو وأمته ، ولست أريد أن ضمير المفرد لذلك بل الضمير له ، صلى الله عليه وسلم ، خاصة وأحكام أمته تابعة لهُ مالم يقم دليل التخصيص ، ولا يخفى أنه يجوز أن يقول الله تبارك وتعالى إن كذا وكذا جزاؤك إن فعلت كذا أو لو فعلته ، لكنك لا تفعل . كما قال فى حقه تعالى { لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفَسَدتا } وقال { ما اتَّخَذَ الله مِن ولدٍ وما كانَ معهُ مِنْ إلهِ إذاً لَذَهَبَ كلّ إلهٍ بما خَلَق ولَعَلا بَعْضهم علَى بعْضٍ } ومعلوم استحالة تعدد الإله وليس قولهم { جاءكم من العلم } مانعا من إرادة غيره ، صلى الله عليه وسلم ، لأن ما أوحى إليه جاء لأمته أيضاً ، وكذا تقول بتلك الأوجه فى قوله تعالى { ولو تَقوَّل عَليْنا } وقوله عز وجل { إذاً لأذَقْناك } وقوله سبحانه { وإن تُطِع أكْثَر مَن فى الأرض } وقوله تبارك وتعالى { إن يشَأ يخْتمْ علَى قَلْبك } وقولُه جل جلاله { لئنْ أشركْت } وقوله جل وعلا { ولا تطع الكافرين } ونحو ذلك . { بَعْد الذِى جاءَك مِنَ العِلْم } أى من الوحى المعلوم صحته بالبراهين أو من الدين المعلوم صحته ، فالعلم مصدر بمعنى معلوم ، وذلك على عمومه ، وكذا المراد العموم فى قوله { أهواءهم } ، ودخل فى ذلك أمر القبلة وهى الكعبة ، قبلة إبراهيم عليه السلام ، أى لا تتابعوهم فى تركها ، ويحتمل أن يراد بالعلم البيان للتلازم بين العلم والبيان ، لأن من علم شيئاً فقد بان له ، ولأنهُ إنما يبين الشئ لغيره من علمهُ ، ولأن من شأن من علم أن يبينه لغيره ، أى بعد ما بينه الله لك من أمر القبلة وسائر الدين . { ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِىٍّ ولاَ نَصير } من الأولى متعلقة بولى ، ونقدر أخرى لنصير والثانية صلة للتأكيد ، أى مالك حافظ من عذاب الله ولا مانع منه ، والولى مأخوذ من ولاية الأمر ، لأن الولى يلى أمر وليهِ ، وولى فاعل لك أو مبتدؤه ، وجملة مالك إلخ جواب القسم ، والمقدر قبل إن المدلول عليه باللام وجواب إن محذوف دل عليه القسم ، وجوابه كما يقال فى قولك والله إن عمراً قائم إن قام زيد .