Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 126-126)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإِذْ قَالَ إبراهيمُ ربِّ اجْعَل هذا } أى هذا البلد ، وهذا المكان والمراد الحرم كله ، وقيل مكة . { بَلَداً آمِناً } أى ذا أمن ، ففاعل للنسب كَلاَ بِن بمعنى ذا لبن ، وتامر بمعنى صاحب تمر ، أو آمناً أهله بحذف المضاف ، فأجاب الله دعاءهُ فجعلهُ لا يسفك فهي دم إنسان فى الجاهلية ، والإسلام ، ولا يظلم فيه أحد ، ويمتنع الملتجئ إليه ، ولا ينفر صيده ، فضلا عن أن يقتل ولا يختل خلاه ، ولا يعضد شجره ، ويجوز أن يكون إسناد الأمر إليه من مجاز الإسناد من الإسناد إلى المكان ، كقولك مضجعه نائم ، ويشبه ذلك الإسناد إلى الزمان ، وكقوله نهاره صائم ، فالزمان والمكان كلاهما ظرف للأفعال ، وقيل المعنى آمناً من الجبابرة والعدو والمستأصل ، وممن يتملكه أو يتملك بينه ، وما قصده جبار إلا قصمه الله ، عز وجل ، كما فعل بأصحاب الفيل . وأما الحجاج ولو غزا مكة وخرب الكعبة ، لكن قصده نزع ابن الزبير من الخلافة ، ولما حصل قصده أعاد بناء الكعبة وشيدها ، وعظم حرمتها وأحسن إلى أهلها ، وبناؤها اليوم هو بناؤه باقياً . وتحريم مكة إنما هو من الله قبل إبراهيم لقوله ، صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض " كما مر . وعن مجاهد أن كتابا وجد عند المقام فيه أنا الله ذو بكة ، منعتها يوم خلقت الشمس والقمر ، وحرمتها يوم ختلقت السماوات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك ، وجعلت رزقها من ثلاث سبل مباركاً لأهلها فى الماء واللحم . ويتبادر أيضاً من قول إبراهيم { ربَّنَا إنِّى أسكنتُ مِنْ ذُرِّيتى بوادٍ غَيْرِ ذِى زَرْع عِنْد بيتِك المُحرّم } أنها كانت محرمة قبل إبراهيم ، وهى محرمة قبل دعوته هذه قطعا ، وأما قوله ، صلى الله عليه وسلم " إن إبراهيم حرم مكة وإنى حرمت المدينة " فلا حجة فيه لمن قال كانت حلالا قبل إبراهيم وحرمت بدعوته ، لأن المراد بتحريم إبراهيم إياها تبليغه تحريم الله إياها ، كما مر تأويله ولم يؤمر غيره من الأنبياء بذلك ، ولكن منعها الله حتى أظهر ذلك على لسان رسوله إبراهيم ، أما أن يلهم الدعاء بتحريمها فأجابه الله بإظهاره وأما أن يكون قد علم بتحريمها فدعا الله أن يظهره على لسانه للناس . { وارزُق أهلَه منَ الثَّمرات } من للتبعيض قائمة مع مجرورها مقام المفعول ، أو المفعول محذوف أى شيئاً من الثمرات ، أو هى مفعول مضاف دعا إبراهيم هذا لأنها ليست أرض زرع ولا ثمر ، فأجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه فجعله حرماً آمناً تجبى إليه ثمرات كل شئ ، وجعل أرض الطائف أرض زرع وثمر ، ولم تكن كذلك قبل دعائه وهو قادر على إنباع الماء وإنبات الشجر ، والثمار حيث لم تكن . وروى أن الله ، تبارك وتعالى . أمر جبريل ، فاقتلع أرضا من فلسطين من الشام ، وقيل أرضا من الأردن من الشام فطاف بها حول البيت سبعاً ، وأنزلها بوجه موضع بالطائف ، فسميت الطائف بسبب الطواف ، أى المكان الطائف ، وذكروا أن سيلا قطع أرض المقام ، فإذا فى أسفله كتاب ، فدعوا إليه رجلا من حمير فترجمه إليهم فى جريدة ، ثم قرأ عليهم ، فإذا فيه هذا بيت الله المحرم ، جعل رزق أهله من ثلاث سبل ، مبارك لأهله فى الماء واللحم ، وأول من يحله أهله ، وروى لا تزول حرمتها حتى يزول الأخشبان وهما جبلان . { مَنْ آمَنَ مِنْهُم بالله واليوم الآخر } من هو بدل أهله ، بدل بعض ، أتى به للتخصيص ، خصص المؤمنين بالدعاء ليناسب قوله تعالى { لاَ يَنَال عَهدِى الظّالمِين } وقياساً عليه لما سأل الإمامة لذريته فأجاب الله تعالى وللمؤمنين ، فتأدب أن يدعوه بالرزق للكفار ، لأن الكفار يستعينون بالرزق على الكفر والمعاصى ، فأجابه الله تعالى بأنى أرزق الكافر والمؤمن ، وأن الرزق رحمة دنيوية تعم الكافر كما تعم المؤمن ، كما قال الله تعالى { قال ومَنْ كَفَر } أى قال الله له قل يا رب ارزق مَنْ آمن منهم ، مَنْ آمن بالله واليوم الآخر ، ومن كفر فلا أخص بالرزق المؤمن ، كما أخص بالإمامة المؤمن ، فضمير قال عائد إلى الله تعالى ، ومن كفر عطف على من آمن فى كلام إبراهيم عطف تلقين ، أو التقدير قال قل ومَنْ كفر فقوله { ومن كفر } رد من الله على إبراهيم فى تخصيصه من آمن بالدعاء بالرزق . { فأمتِّعهُ قَليلاً } تمتيعاً قليلا ، أو زمانا قليلا ، والدنيا كلها قليل ولا سيما عمر الإنسان . وعن الحسن المراد بالقليل ما بين ذلك إلى خروج محمد ، صلى الله عليه وسلم . فإن الله أمره أن يخرجهم من المسجد الحرام . كقوله { حتَّى جاءَهُم الحَقّ ورَسُولٌ مُبين } الفاء للتعليل أى قال الله له قل ومن كفر لأنه أمتعه … إلخ ، ويجوز أن يكون من شرطية ، والجواب أنا أمتعه ، أو قد أمتعه ، فحذف المبتدأ ، أو قد بين الفعل والفاء ، أو هو موصولة مبتدأ أشبهت الشرطية فى العموم ، أى والذين كفروا أمتعهم أيضاً ، وعلى هذين الوجهين أيضاً فى الكلام تعميم فى الرزق للمؤمن والكافر ، ورد على إبراهيم فى تخصص المؤمن فى دعائه بالرزق وليس رد إنكار أو تخطئة ، ولكن إرشاد إلى حكمة ا لله وقضائه بالتمتيع قليلا ، فالاضطراب إلى العذاب ، فإن قلت كيف يترتب التمتيع على الكفر ؟ قلت ترتب عليه باعتبار مسببه وهو الاضطرار إلى عذاب النار ، فإن الاضطرار إليه مسبب والكفر سبب ، وهذا كما يتم الربط والفائدة بالتابع أو غيره ، ووجه آخر أن معنى تمتيعه قصره على متاع الدنيا بحيث لا ينال عمل الآخرة ، فهذا خذلان مترتب على الكفر مسبب له ، ويترتب على هذا الخذلان بالتمتيع العقاب بالنار ، ولذا عطف على التمتيع قوله { ثُم أَضطرُّه إلى عَذابِ النَّار } أى أوجهه إلى عذاب النار على كره منه لكفره ، واستعماله متاع الدنيا فى المعاصى ، وأضطر مضارع مبنى للفاعل متعد للمفعول ، وهو أفتعل من الضرر ، أى أوقعه فى عذاب النار الذى هو ضرر ، وطاؤه عن تاء . وقرئ فأمتعه بضم الهمزة كقراءة الجمهور ، وإسكان الميم وتخفيف الميم ، وهو مضارع كقراءة الجمهور ، والتعدية فيها بالهمزة المحذوفة ، وفى قراءة الجمهور بالتشديد . وقرأ أبىّ فنمتعه ثم نضطره بالنون ، فقرأ ابن محيصن ثم أطرُّه بإبدال الضاد طاء ، وإدغامها فى الطاء وهو لغة ضعيفة ، لأن حروف ضم شفر يدغم فيها ما قبلها ولا تدغم فيما بعدها ، وقرأ يحيى بن وثاب فإضطره بكسر الهمزة على قراءة كسر حرف المضارعة ، وقرأ ابن عباس وابن عامر فأمتعه بفتح الهمزة وإسكان الميم وإسكان العين ، ثم اضطره بوصل الهمزة وضم الراء مشددة على أنهما بصيغة الأمر ، دعاء من إبرَاهيم أن يمتع الكافر قليلا ثم يضطره إلى عذاب النار ، وعلى هذه القراءة يكون ضمير قال عائد إلى إبراهيم عليهِ السلام قال أبو العالية كان ابن عباس يقول ذلك قول إبراهيم سأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا . يقول فارزقه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار أى ألجئه . { وَبِئْسَ المَصِير } هو أى العذاب أو هى أى النار ، والمصير اسم مكان ، أى الموضع الذى يصير إليه أن ينتقل إليه .