Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 169-169)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إنَّما يأمركُم بالسّوء والفَحشاء وأن تقُولوا علَى الله مالا تعلمونَ } بيان لعداوته ووجوب التحرز عن اتباعه ، وهو أيضا بيان لظهور عداوته ، فإن من يأمرك بالسوء والفحشاء والقول بما لا تعلم ، ولا يأمرك بخير اصلا لا تخفى عداوته ، بل هى ظاهره فإن الشيطان يأمر بما يسوء الإنسان ويضره ويغم قلبه فى الدنيا كالآخرة ، وبما يفحش أى يقبح فهو يقبح على الفاعل وينقص منه ويعير به فى الدنيا كالآخرة ، وقد ينصح إلى ذلك قطع يده أو جلده أو رجمه ونحو ذلك من الحدود ، وهى أمر ضار وبأن يقول ما لا يعلم ، فإنه ضرر فى الدنيا كالآخرة ، كالبهتان وتصديق القائل بلا بينة ، وتحريم ما حل ، ونحو ذلك ألا ترى أن ضرر البهتان الجلد حيث يجب والتغرير والأدب والحبس والنكال بحسب الحال والنظر ، وقد يوقع ذلك فى ضمان المال والنفس وكذا تصديق القائل بلا بينة ، وكذا تحريم ما حل ففيه تضييق الواسع . وفيه الحجر على الناس فيأخذ من كسر الحجر الباطل فيضره ، فقد يؤخذ منه ثأر ضرره فذلك ونحوه ضرر ظاهر ، فقد ظهرت عداوة من يأمرك به ، ثم إنه لا مفى أن أمر الشيطان هو وسوسته وتزيينه ، وأنه يطلب الفعل ، فإن قلنا إن الطلب أو الإخبار بغير اللسان المسموع كالإشارة والرشوة كلام حقيق فى اللغة ، فالأمر حقيق . وإن قلنا إنه كلام مجازا فى اللغة كالإصطلاح ، ففى يامر استعارة تصريحية تبعية شبه تزينه ووسوسته وبعثه إلى الشر يأمر باللسان المسموع بجامع الدعاء إلى الشئ ، فاشتق منه يأمر ، وفيه تشنيع عليهم بكونهم مأمورين للشيطان ، وبأن وسوسته الضعيفة أثرت فيها كالنطق الصحيح الصريح ، وقيل الأمر حال الكهانة فهو حقيقة أيضاً ، ولك أن تقول المراد عموم الدعاء إلى الشر بقطع النظر عن كونه فى الكهانة ، أو كونه بالوسوسة ، وكونه حقيقة أو مجازاً ، فهو حقيقة أيضاً ، والسوء والفحشاء شئ واحد ، وهو المعاصى ، ولكن عطفهما كالمتغايرين باعتبار الوصفين ، فإن المعصية من حيث إنها تسوء صاحبها وغيره دنيا وأخرى ، تسمى سوءاً ، ومن حيث إنها قبيحة تسمى فحشاء ، كأنهُ قيل يأمرهم بشئ يسوء ويقبح ، وجمعهما مع القول بغير علم ، وهو عام فى كل قول بلا علم إشارة إلى القوى الثلاث ، فإن السوء وهو الإضرار يتولد من إفراط القوة الغضبية ، والفحشاء تتولد من إفراط القوة الشهوانية ، والقول بلا علم يتولد من إفراط القوة النطقية ، لشوب العقل بالوهم الذى سخره الشيطان … وقيل السوء الإثم الصغير والكبير الذى يسوء فاعله ويخزيه ، والفحشاء الكبيرة التى ظهر قبحها أو اشتد قبحها ، والسوء قبيح أيضاً ، لكنه دون الفحشاء ، أو لم يظهر قبحه للعامة وسواء فى ذلك القول والفعل والاعتقاد . وعن ابن عباس رحمهما الله تعالى السوء مالا حد فيه ، والفحشاء ما فيه الحد ، وقيل الفحشاء الزنى ، وقيل ما تفاحش ذكره ، وقيل البخل ، قيل وأصل الفحش قبح المنظر ، ثم استعمل فيما يستقبح ، والشرع عندنا وعند الجمهور هو الذى يحسن ويقبح ، وبهذا الاعتبار نقول كلما نهى عنه الشرع فهو فحشاء إذا كان نهى تحريم . وقيل المراد بقولهم { ما لا يعلمون } تحريم الحرث والبحيرة والسائبة ونحو ذلك ، وكذا قال الطبرى . وقيل إتخاذ الأنداد ، وتحريم الطيبات ، وتحليل المحرمات ، والتحقيق ما فسرته به من القول بلا علم صحيح مطلقاً ، فيدخل فيه القول بحل ما حرم من العلم بحرمته والقول بتحريم ما حل مع العلم بحله ، والقل بحل شئ أو حرمته مع عدم العلم بحل ولا حرمة ، ولا إفتاء بلا علم ، والقضاء بلا علم ، والجزم بالظن ، والمذاهب الباطلة كمذاهب إثبات الرؤية ، فإن حديث إثباته إما كذب منهم ، وإما مأول بما هو غير الرؤية كما يأتى فى محله . وأما قولنا فى الاجتهاد فإنه ولو كان ظنا لكنه لما كان مستنداً إلى أمر شرعى كان وجوبه قطعاً ، وكان بما يعبد الله به ، وكان من جملة العلم والوسوسة فعل الشيطان مخلوقة لله ، وهى حروف وأصوات منتظمة خفيفة وهمية تشبه الكلام أقدر الله عز وجل الشيطان على إيصالها إلى باطن الإنسان والجن . وعنه صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم " وخطأ عندنا من زعم أن الوسوسة فعل الله ، تعالى الله عن ذلك ، والقول بذلك كفر إلا إن أراد قائله بالفعل الإيجاد والخلق .