Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 188-188)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولا تأكُلُوا أمْوَالَكُم } لا يذهب بعضكم مال بعض بإفساده أو بأخذه لنفسه أو لغيره ، أو بأكله أو شربه أو بلبسه ، أو بغير ذلك من وجوه الانتفاع ووجوه إتلاف المال عن صاحبه بذاته أو منفعته ، وعبر بالأكل عن ذلك كله لأنه الجزء الأعظم من الإتلاف ، وهو أعظم رغبة ، وقد تعارف بين الناس أنّ فلاناً يأكل أموال الناس بمعنى يأخذها بغير حقها ، وذلك استعمال للفظ الخاص وهو الأكل فى العام ، وهو مطلق الإتلاف عبر عنه بالأكل الذى هو إتلاف مخصوص ، وذلك مجاز مرسل تبعى فى تأكلوا أصلى فى الأكل ، فالمراد بالأكل الإتلاف المطلق الشامل للأكل وغيره ويجوز أن يكون استعارة تبعية فى تأكلوا ، أصلية فى الأصل شبه الاتلاف بغير الأكل بالإتلاف بالأكل ، فسماه باسم الأكل ، فالمراد على هذا الوجه بالأكل سائر الإتلافات بغير الأكل ، ويقاس عليها الإتلاف بالأكل ، وقال { أموالكم } إيذاناً بأن المسلمين كنفس واحدة ، وأن من آذى مسلماً كمن آذى نفسه . { بيْنكُم } حال من الأموال أو متعلق بتأكلوا . { بالبَاطِلِ } أى بالأمر الذاهب الذى لا يثبت بحجة الحق لآخذه ، ويجوز أن يكون المراد بالباطل ما حرم الله كالسرقة والغصب وسائر الإتلافات على أنه حقيقة شرعية فى خصوص ذلك ، وإنما صدق واحد والباء للآلة وللمصاحبة أو للسببية . { وتُدْلُوا بِها إلى الحُكَامِ } عطف على تأكلوا ، فهو فى حيز النهى ، أى لا تدلوا بها إلى الحكام ، فهو مجزوم ، ويجوز أن تكون الواو مفيدة مفهوم مع ، واقعة فى سياق النهى ، وتدل منصوب بأن مضمرة وجوباً والعطف على مصدر مقدر بالمعنى ، أى لا يكن منكم أكل أموالكم بالباطل مع إدلائكم بها إلى الحكام ، فيكون المراد خصوص الإتلاف الواقع بالأداء ، والوجه الأول أولى لعمومه ، فإن يعم الإتلاف بغير الإدلال ، والإتلاف بالإدلاء الإلقاء أى لا تلقوا بحكومتها إلى الحكام ، أعنى بحكومة الأموال أو لا تلقوا بأموال إلى الحكام رشوة . شبه ذلك بإرسال الدلو فى البئر رجاء للماء فسماه باسم إرساله وهو الإدلاء . { لِتأْكُلُوا فَريقاً مِنْ أمْوالِ النَّاسِ بالإثْمِ } هذا مما يدل على ألا تدلو معطوف على تأكلوا ، لأن هذا تعليل لتدلوا ، فجعل تدلوا منصوباً بعد واو المعية ، مع كون هذا تعليلا له مرجوع ، والمعنى لتأكلوا ما ليس لكم بالتحاكم للتحيل فى الكلام ، أو للرشوة ، أو لشهادة الزور ، أو لكتمان الشهادة ، أو للجحود حيث لا يبيت ، فيحلف فيأخذ أو نحو ذلك ، والفريق من أموال الناس هو القطعة منها ، والتاء سببية متعلقة بتأكلوا الثانى ، أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف حال من واو تأكلوا الثانى ، والإثم الذنب ، قال ابن عباس نزل قوله تعالى { وتُدلُوا بها إلى الحُكَّام لتأْكُلوا فَريقًا مِنْ أمْوالِ النَّاسِ بالإثْم } إلخ ، فى الرجل يكون عليه المال وليس عليه ببنة ، فيجحد ويخاصم إلى الحكام ، وهو يعلم أن الحق عليه ، وأنه أثم بمنعه ، وعنه الإثم هنا اليمين الكاذبة ، وقيل الشهادة الزور ، والتحقيق أن الباطل خلاف الحق ، وأن الإثم الذنب وهو ظلم وكلاهما يتصور بوجوده الإتلاف كلها بالقول والفعل والسكوت ، فدخل فى ذلك النهب والغصب والتعدى ، والأخذ بنحو القمار والغناء والخمر واللهو والرشوة والزور ، والأخذ بالصلح مع علمه بأنه لا حق له ، والخيانة فى الوديعة والأمانة ومال اليتيم ونحوه مما يكون القول فيه قوله ، وقد قال قوم معنى { تُدْلُوا بِهَا إلى الحكَّامِ } تسارعون فى الأموال الخصامية إذا علمتم أن الحجة تقوم لكم ، إما بأن تكون على الجاحد بينة ، أو يكون مال أمانة كاليتيم ونحوه مما القول فيه قوله ، فالباء ظرفية أو سببية ، وقيل المعنى ترشوا بالأموال لتأكلوا أموالا أخرى بغير حق ، قيل فالباء إلزاق مجرد ، ورجحه بعض أن الحكام مظنة الرشا إلا من عصم وهو الأقل . { وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنكم مبطلون آثمون ، وارتكاب الذنب مع العلم أقبح من ارتكابه مع الجهل ، والجاهل غير معذور . روى " أن ربيعة بن عثمان الحضرمى ادعى على امرئ القيس بن عباس الكندى قطعة أرض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - للحضرمى ألك بينة ؟ قال لا . قال فلك يمين ؟ فانطلق ليحلف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض " . فقرأ عليه قوله تبارك وتعالى { إنَّ الّذِينَ يَشْتَرُون بعَهْدِ اللّهِ وأيمْانِهِم ثَمَنَاً قليلا } ، فارتدع عن اليمين ، وسلم الأرض إلى عبدان " ، فنزل قوله تعالى { ولا تَأكُلُوا أمْوالكُم بينكم بالبَاطِل } " عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجلين اختصما عنده " إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إلى ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأقضى له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئاً فإنما أقضى له قطعة من نار " ، فبكيا ، وقال كل واحد منهما حقى لصاحبى ، فقال اذهبا فتواخيا ثم استهما ، ثم ليحلل كل منكما صاحبه " وروى البخارى ومسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث بلفظه ، ولم يذكروا ما زاده الراوى من بيان قصة الخصمين بقوله فبكيا … إلخ . وكذلك رواه الربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ولم يحك تلك الزيادة ، ومعنى ألحن أفطن وأقدر على إقامة حجته ، وهو من اللحن بفتح اللام والحاء ، بمعنى الفطنة . قال الربيع رحمه الله ألحْق أقَطع وأبلغ . وروى الربيع أقطع له بدل أقضى له ، ورواه الشيخ هود بلفظ " قد يدل لى إلىّ بالخصومة فلعل أحد الرجلين أن يكون " الحديث . وفى البخارى ومسلم عن أم سلمة ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع جلبة ، أى صوت خصام ، بباب حجرتها فخرج إليهم فقال " إنما أنا بشر وأنا يأتينى الخصم ، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض " ، وفى رواية " ألحن بحجته من بعض ، فأحسب أنه صادق فأقضى له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من نار فليحملها أو يذرها " ، فالآية وهذه الأحاديث ونحوها تدل على أن الحكم أمر ظاهرى لا يحل للظالم فى خصامه ما ليس له وإلا لما وصف بالإثم ، ونسبت إليه قطعة نار ، وكان شريح القاضى يقول إنى لأقضى لك وإنى لأظنك ظالما ، ولكن لا ينبغى إلا أن أقضى بما يحضرنى من البينة ، وأن قضائى لا يحل لك حراماً ، وعن الحسن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس فلا تظلموا " يعنى أنهُ لا يحل الحرام بالحكم . وعن بعض السلف من مشى مع خصمه وهو ظالم فهو أثم حتى يرجع إلى الحق .