Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 192-193)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فإنِ انْتَهوْا } عن الشرك والقتال ، ولا يصح أن يكون الانتهاء أداء الجزية كما قيل ، لأن أداءها غير مشروع لمشركى العرب ، بل يسلمون أو يقتلون . { فإنَّ اللّهَ غَفورٌ رَحيمٌ } يمحو ذنوبهم ، وينعم عليهم بالجنة ، فهذا جواب الشرط . وإن فسرنا الغفران والرحمة بالعامين لكل تائب ، فالجواب محذوف تقديره فإن انتهوا لم يضرهم ما تقدم منهم ، وهذا نائب الجواب تعليل لهُ أى لأن الله غفور لكل من تاب ، رحيم له ، وزعم بعض أن المراد فاعفوا واغفروا ولا تقاتلوا ، وإن هذا منسوخ بآية السيف ، وأن الانتهاء عن القتال ، وأن اللفظ إخبار بالغفران والعفو . والمعنى النهى عن القتال . { وقَاتِلُوهُمْ حتَّى لا تَكُونَ فِتْنةٌ } قاتلوا المشركين غير أهل الكتاب حتى تزول فتنتهم وهى الشرك إما بالموت وإما بالإسلام ، ولا تتركوهم ولا تقبلوا منهم جزية ، بخلاف أهل الكتاب ، فإنهم إن لم يسلموا قبلت منهم إن أعطوها وإلا قوتلوا . وإنما تقبل ، منهم لأنهم - لعنهم الله - بقية من التوراة والإنجيل غير محرفة ، وقد حرف منها ما حرف فأمهلوا للآخرة بقبول الجزية لعلهم يتدبرون فيهما فيؤمنون ، ولعلهم يكونون معونة للمؤمنين على سائر المشركين بتصويب بعض ما يقول المؤمنون ، ولتكون الجزية عوناً أيضاً ، وكذا لحرمة . الكتابين بخلاف غير أهل الكتاب فلا كتاب لهم يرجعون إليه ، فإن كان إمهالهم زيادة فى الشرك فلم يمهلوا ، وإنما يسمى الشرك فتنة لأنه أعظم مضرة على الإنسان الشرك ، ولأنه يؤدى إلى الظلم وتكون تامة لا خير لها . { ويَكُونَ الدِّينُ } العبادة أو ما يدين به الإنسان ويعتقده . { لله } خالصاً لله لا نصيب للشيطان . { فإنِ انْتَهوْا } عن الشرك والقتال ، ولا يصح أن يفسر الانتهاء بأداء الجزية كما فعل بعض وهذه فاء التفريع . { فَلاَ عُدْوانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمين } وهذا غير متكرر مع قوله { فإن انْتهوْا فانَّ الله غَفُورٌ رَحيم } لأن الأول فى تفريع الغفران والرحمة على انتهائهم من الله ، والثانى فى تفريع الكف من المؤمنين بعدوانهم على انتهائهم ، وجواب إن محذوف تقديره فإن انتهوا فلا تعتدوا عليهم أو لا يحل عداوتهم وقامت العلة مقام الجواب ودلت عليهِ ، أى فلا تعتدوا عليهم ، ولا يحل عدوانهم لأنه لا عدوان بقتل أو غيره إلا على الظالمين ، فالفاء فى فلا عدوان للتعليل . وإن قلت كيف يكون قتل الظالم ونحو قتله عدواناً ؟ قلت العدوان فى الأصل جور ولكن سمى به جزاء الظالم ، لمشاكلة الظلم ، وجزاء الظالم بنحو القتل عدل ، لكن لما كان جزاء للمتعدى وهو الظالم سمى باسم العدوان كقوله تعالى { وَهُو خَادِعهُم } وقوله جل وعلا { ويمْكُر الله } وقوله { بمثل مَا عُوقِبتْم بهِ } وقوله { فَمنْ اعتدىَ عليْكُمْ فاعتدُوا عليه } ويجوز أن يكون المعنى فإن انتهوا عن الشرك والقتال فلا عدوان إلا على من ظلمهم من المؤمنين بالقتال ونحوه ، ويجوز أن يكون المعنى حصر العدوان فى مطلق من ظلم ، فيشمل الظالم المشرك ، والظالم غير المشرك ، فيفهم منه أنه لا عدوان على المنتهى وأن يكون قوله { فلا عدوان } خبراً لفظاً نهياً معنى كناية عن قولك لا تعتدوا على المنتهين ، فكأنه قيل فلا عدوان عليهم . وعلى هذا فالجواب لربط الجواب ، والآية محكمة . وقيل المعنى فإن انتهوا عن القتال فقط ولو بقوا على الشرك ، فيكون ذلك منسوخاً بآية السيف . والصحيح القول الأول وهو تفسير الانتهاء بالانتهاء عن الشرك والقتال ، فتكون محكمة ، لأن السياق فى قتالهم ، وسمى المشرك ظالماً لوضعه العبادة فى غير موضعها ولظلمه نفسه بالتعرض للعذاب ، ولنقصه حظ نفسه ، ولأن المشرك يؤدى إلى ظلم العباد ، وعن الحسن لم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار الجهاد تطوعاً .