Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 198-198)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَيْسَ عَلَيْكُم جُناحٌ } إثم ولا عتاب ، فإن الجناح يطلق على الإثم وعلى العتاب ، فهو عام لهما يجوز أن يستعمل فى أحدهما وأن يستعمل فيهما . { أَنْ تَبتغُوا } فى أن تبتغوا ، أى فى أن تطلبوا . { فَضلاً } عطاءاً ورزقاً . { مِنْ ربِّكُم } بالتجر ، روى البخارى عن ابن عباس كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً فى الجاهلية ، فلما كان الإسلام تأثموا فى تلك الأسواق فى مواسم الحج ، وكانت معايشهم منها ، فنزلت الآية ، وعكاظ سوق بقرب مكة لقيس ، ومجنة - بفتح الميم وكسرها والفتح أشهر وتشديد النون - سوق على بريد من مكة لكنانة بمر الظهران ، وذو المجاز سوق بعرفة لهذيل ، وكانوا يقيمون بعكاظ عشرين يوماً من ذى القعدة ، ثم ينتقلون مجنة فيقيمون بها ثمانية عشر يوماً عشرة من آخر ذى العقدة ، وثمانية من ذى الحجة ، ويخرجون فى الثامن إلى عرفة ، وقال الداودى مجنة عند عرفة وعن أبى أمامة التيمى كنت أكرى فى الحج ، وكان الناس يقولون لى ليس لك حج ، فلقيت ابن عمر فقلت له يا أبا عبد الرحمن إنى رجل أكرى جمالى فى الحج ، وإن أناساً يقولون إنه ليس لك حج . فقال ابن عمر أليس تحرم وتلبى وتطوف بالبيت وتفيض من عرفة وترمى الجمار ؟ قلت بلى قال فإن لك حجاً ، " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتنى عنه ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه ، حتى نزلت الآية { لَيْسَ عَلَيْكُم جُنَاح أنْ تَبْتغُوا فَضْلاً من ربكم } فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه ، وقال " ولك حج " أخرجه أبو داود والترمذى ، وقال بعض العلماء إن التجارة إن أوقعت نقصا فى أعمال الحج لم تكن مباحة ، وإن لم توقع نقصاً فيه فمباحة ، لكن الأولى تركها لتجريد العبادة عن غيرها ، لأن الحج بدون التجر أكمل وأفضل ، ذكر ذلك الخازن فى تفسيره ، وبعضه أخذه عن الكشاف ، وروى الكشاف فدعى به فقال أنتم حجاج ، وسئل عمر هل كنتم تكرهون التجارة فى الحج ؟ فقال نعم ولكن نزلت الآية رافعة للكراهية . وقرأ ابن عباس فضلا من ربكم فى مواسم الحج ، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج ، وإذا دخل العشر كفوا عن التجر والبيع والشراء ، فلم تقم لهم سوق ، ويسمون من يخرج بالتجارة الداج ، ويقولون هؤلاء الداج ، وليسوا بالحاج ، وعن عبيد الله بن أبى يزيد سمعت عبد الله بن الزبير ، وبلغه أن ناساً يتأثمون من التجارة فى الحج ، وقال يقول الله { ليس عَلَيْكُمْ جَناحٌ أنْ تَبتغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكم } ، يعنى به التجارة فى مواسم الحج ، وعن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالتجارة فى الحج فى الفريضة وغيرها ، وروى مجاهد عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين تحرجوا عن التجر فى مواسم الحج فنزلت الآية . { فإذَا أفَضْتُم } يجوز أن تكون الهمزة للتعدية والمفعول محذوف ، أى إذا أفضتم أنفسكم ، ويجوز أن تكون للتأكيد فيكون أفاض بمعنى فاض ما زاد عليه إلا بالتأكيد ، فهو لموافقة المجرد ، وذلك من قولك فاض الماء وأفضته بمعنى خرج بسرعة ، ولكثرة بالنسبة لموضعه ، وأخرجته بسرعة وكثرة كذلك ، ويجوز أن يكون المراد بالإفاضة مطلقاً الخروج بسرعة أو بغيرها ، كما ذكروا عن عمر أنه أفاض من عرفات وبعيره يجتر ، أى سار على هيئته ، وتجوز الإفاضة على الدابة ، كما فعل صلى الله عليه وسلم والصحابة ، وروى البخارى ومسلم عن ابن عباس " أن أسامة بن زيد كان رديف النبى صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى ، ولم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة " وروى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر ابن زيد " سأل أسامة بن زيد كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع حين دفع ؟ قال كان يسير العنق ، فإذا وجد فرجة نض " ، والنض فوق العنق ، وهو السرعة فى السير ، وكذا روى البخارى ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال سأل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم … إلخ الحديث بلفظه المذكور ، إلا أنه ليس فيه قوله حين دفع وإلا أن فيه فجوة مكان فرجة ، وهما بمعنى . وروى البخارى " عن ابن عباس أنه دفع مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً للإبل ، فأشار بصوته إليهم فقال " يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع " والإيضاع السير السريع . { مِنْ عَرفاتٍ } جمع عرفة ، وعرفة بالإفراد ، ومنع الصرف علم على البقعة التى هى مخصوصة ، وقعت التسمية لها فى قصة آدم أو إبراهيم أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم اعتبرت كل بقعة من البقع التى تليها ، فسيمت عرفة ، فجمعن على فرعات بنية العلم لتلك البقع كلها ، وأصل عرفة عرفت باسكان الفاء وفتح التاء أو ضمها ، ولما سميت به البقعة فتحت الفاء فكانت التاء هاء يقع عليها الإعراب ، أعنى كان تاء تكتب بصورتها ، ويجوز أن يكون عرفات جمع عرفه ، وعرفه جمع عارف ، ككامل وكملة ، وإن قلت إن كان عرفات علما فلم صرفت وفيه التأنيث مع تلك العلمية ، قلت ليس تنوينه وجره بكسرة صرفاً ، بل تنوينه للمقابلة كما هو شأن جمع السلامة لمؤنث زعم بعض أنه يجتمع مع اللام ، وليس كذلك ، والصواب أنه لا يجتمع التنوين مع أل ، سواء كان للمقابلة إلا النون المزيدة بغير أن تكون بطريق التنوين ، وذهاب الكسرة تابع لذهاب التنوين من غير عوض ، لعدم الصرف ، ووجودها تابع لوجوده ، وهنا ليس كذلك لما لم يحذف التنوين لم يحذف الكسر ، وزعم بعض أن تأنيث عرفات إما أن يكون بالتاء المذكورة وهى ليست تاء تأنيث ، وإنما هى مع الألف التى قبلها علامة جمع المؤنث ، وإما بتاء مقدرة كما فى سعاد ، ولا يصح تقديرها ، لأن المذكورة تمنعه من حيث إنما كالبدل لاختصاصها بالمؤنث ، كتاء بنت ، وليس كما قال ، إلا أن تاءه جمع السلامة يكتفى بها فى الثانية إلا إن تبين أن مفرده مذكراً ، ويرجع الضمير مثلا إليه مؤنثاً كطلحة - لرجل - وطلحات ، ولأن تقدير التاء فى التأنيث كاف ، ولو لم يقبلها اللفظ ، ولأنه ليس كل تأنيث إما بالتاء وإما بالألف ، كحبلى فإنا نعرف الإسم بعلامة وبلا علامة ، ولا نسلم أن المؤنث بلا علامة تقدير فيه تاء التأنيث ، وإنما ذلك فى الثلاثى بشروط . وقال الفراء ليس عرفات جمع عرفة ، بل اسم منزل بصيغة الجمع وهو علم للبقعة وعرفة اسم لليوم وليس كونه اسما للموضع بعربى محض انتهى . ويدل له ما قال الضحاك إن آدم لما أهبط وقع بالهند وحواء وقعت بجدة ، فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات فى يوم عرفة فتعارفا ، فسمى اليوم عرفة ، والموضع عرفات ، وما روى عن عطاء كان جبريل يُرى إبراهيم المناسك ويقول له عرفت ؟ فيقول عرفت فسمى المكان عرفات ، واليوم عرفة ، وعن السدى أن إبراهيم لما أذن فى الناس بالحج وأجابوه بالتلبية ، وأبى من أبى ، أمره الله تعالى أن يخرج إلى عرفات ونعتها له ، فلما بلغ الجمرة استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، فطار فوقع على الجمرة الثانية ، ورماه وكبر ، فطار ووقع على الجمرة الثالثة ، ورماه وكبر ، فطار ، فلما رآه الشيطان أنه لا يطيعه ذهب ، فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز ، فنظر إليه فلم يعرفه ، ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت ، فسمى الوقت عرفة ، والموضع عرفات ، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع فسمى المزدلفة ، فسمى ذلك الموضع المزدلفة ، وما روى عن ابن عباس أن إبراهيم رأى فى منامه ليلة التروية أنه يؤمر بذبح إبنه ، فلما أصبح ثوى يومه أجمع يفكر هل هذه الرؤية من الله ؟ فسمى يوم التروية ، ثم رأى ذلك فى ليلة عرفة ثانيا ، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمى اليوم عرفة ، وما قيل من أنه سمى كان الناس يعترفون فى ذلك اليوم بذنوبهم ، وما قيل من أنهُ سمى عرفة من العرف وهو الطيب لما لم يكن فيه ما فى يوم منى من رائحة الدم والفرث ، صار هو كان فيها طيباً ، وكذا سمى الموضع عرفات لاعترافهم فيه من الذنوب ، ولخلوه من الدم والفرث سمى موضع منى باسم منى لما يمنى فيه من الدم ، أى يصب أو يقدر ، وذكر بعض أن عرفات علم مرتجل للموضع كله بصيغة الجمع للمبالغة فيما ذكر من المعرفة ، أو العرف ، أو الاعتراف أو التعارف ، وعرفة نعمان الأراك ، وقيل سميت عرفات لأن الناس يتعارفون فيه ، وفى ذكر الإفاضة دلالة على وجوب الكون فى عرفات ، وقد تقرر بالسنة والعادة أنه كون بالوقوف لقادر ، فدلت أيضاً على وجوب الوقوف بواسطة السنة وتقرير العادة ، ووجه ذلك أن الإفاضة من عرفات فرع الحصول فيها ، وأن مدخول إذا الشرطية مفروض على أنه يكون على معنى قولك إن كان ، وأيضاً قد أمر بها فى قوله { ثم أفيضوا } والأمر للوجوب ، قيل وأيضاً الإفاضة مقدمة للذكر الواجب فى المشعر الحرام ، ومقدمة الواجب واجبة . واعترض بأن الذكر فيه غير واجب فلا يستلزم وجوب مقدمته بل مستحب ، ولئن سلم وجوبه ليقال إنه واجب مفيد بالإضافة لا واجب مطلقاً ، فضلا عن أن تجب مقدمته فإن المعنى إذا حصلتم فى المشعر الحرام فاذكروا الله . أجمع أهل العلم على صحة وقوف الواقف بعرفات بعد الزوال بقليل أو كثير ، وأفاض بعد الغروب ، واختلفوا فى من وقف قبل الزوال وأفاض قبله ، وفى من أفاض قبل الغروب . المذهب عدم صحة وقوفه ، وأنه المجئ للخروج من عرفات قبل الغروب ، ولو لم يخرج من حدها إلا بعده ، وكذا قال مالك لا بد أن يأخذ الواقف شيئاً من الليل ، ونسب تمام حج الواقف بعد الزوال المفيض قبل الغروب فى وقت من أوقات ما بين الزوال والغروب ، إلى جمهور الأمة ، ولا يصح ذلك ، واختلفوا فيمن وقف ليلا قبل الفجر ، فقيل يجزيه ، وقيل لا ، وزعم بعض أنه لا خلاف بين الأمة فى تمام حجه ، قال بعض قومنا من أدرك لحظة فى عرفات بعد الزوال إلى طلوع الفجر فقد تم حجه ، وقال أحمد وقت الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر وأنه تكفى لحظة من ذلك ، وعن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من وقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج " وعن ابن عباس الحج عرفات والعمرة الطواف ، والسنة أن يدفعوا قبل الإمام ، واتفقوا على استحسان الإفاضة بعد الغروب فى ما قيل ، إلا أن منهم من استحسنه بإيجاب ، روى البخارى ومسلم عن أسامة بن زيد قال " دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ، ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء ، قلت الصلاة يا رسول الله ؟ قال " الصلاة أمامك " ثم ركب ، فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره فى منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلى ولم يصل بينهما شيئاً " ، وروى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن أسامة " دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالعشب نزل فتوضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة . فقال " الصلاة أمامك " فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فى منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره فى منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلاها ، ولم يصل بينهما " . وروى الربيع عن أبى عبيدة يستحب بعد المغرب ركعتان ، ومعنى توضأ ولم يسبغ الوضوء أنه غسل يديه فقط ، ولم يتوضأ وضوءة التام الذى يعتاده ، أو غسل يده وتوضأ وضوءاً خفيفاً . ومعنى نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ، توضأ وضوءه المعتاد ، فالفاء فى قوله فأسبغ تفصيل لقوله فتوضأ ، وهو مجدد وضوءاً فى المشعر الحرام ليكون له نور على نور بعد وضوئه فى الشعب ، أو هو وضوء أول والذى فى الشعب غسل يده . { فَاذكرُوا اللّهَ } بالتهليل والتسبيح والتكبير والتلبية والدعاء وسائر الأذكار ، وقراءة القرآن ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه نظر إلى الناس لية جمع فقال " لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون " وعن عكرمة عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفات قال " يا أيها الناس عليكم السكينة لا يشغلنكم زجل عن الله أكبر " وقيل المراد بذكر الله هنا صلاة المغرب والعشاء . { عِنْدَ المشْعَر الحَرَامِ } . قيل السنة صلاة المغرب والعشاء فيه مقرونتين ، ولو انتصف الليل ما لم يخف طلوع الفجر ، والمشعر الحرام المزدلفة ، قال ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم " كل عرفة موقف ، وارتفعوا عن عرفة ، وكل جمع موقف وارتفعوا عن محسر " وفى رواية " عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها مشعر ، ألا وارتفعوا عن بطن محسر " وذكره عبد الله بن الزبير فى خطبتهِ ، وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم " كل عرفة موقف ورفعوا عن بطن عرفة ، وكل المزدلفة موقف وارفعوا عن بطن محسر ، وكل فجاج منى منحر إلا ما وراء العقبة " وزاد " وكل أيام التشريق ذبح " ، وروى أبو داود وابن ماجه والحاكم ، عن جابر بن عبد الله كل عرفة موقف ، وكل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر ، ويسمى المشعر الحرام بجمع ، لأنه يجمع فيه بين المغرب والعشاء ، روى عبد الله ابن الزبير أنه قال ألا لا صلاة إلا بجمع ، ألا لا صلاة إلا بجمع ، ألا لا صلاة إلا بجمع ، يعنى المغرب والعشاء . وعن الحسن وابن سيرين لا يصلى المغرب والعشاء ولو انتصف الليل إلا بجمع ، وذكروا عن جابر بن عبد الله ، وقيل سمى جمعاً لأن آدم وحواء اجتمعا فيه ، لأنهما تعارفا من بعيد وآدم فى عرفات ، فجاء كل إلى الآخر فاجتمعا فيه ، وكذا سميت المزدلفة لأن كلا منهما اردلف إلى الآخر ، أى اقترب فيها ، وازدلف افتعل ، قلبت التاء دالا فى ادّان وازدد واذكر دالا بقى ، وقيل سمى مزدلفة لأنه يذكر الله فيه زلفاً من الليل ، وقيل لنزول الناس به زلف الليل ، وقيل لازدلاف الناس إليه ، وقيل لأنهُ يتقرب إلى الله فيه ، وهى بضم الميم وفتح اللام اسم مكان من الخماسى خارج بالتاء عن القياس ، أو اسم مفعول على الحذف والإيصال ، أى البقعة المزدلف إليها أو فيها ، وظاهر قول الكشاف بجواز أن يكون وصفت بفعل أهلها ، إذ يزدلفون إلى الله ، يدل على أنه يكسر اللام اسم فاعل ، وسمى مشعرا لأنه من معالم دين الله ، ومن معالم الحج ، ولأن فيه الصلاة والمبيت والدعاء وسائر الذكر ، والذكر فيها ندب عنه جمهور قومنا ، وقيل واجب ليس بصلاة المغرب والعشاء ، وقيل إنه واجب وإنه هو صلاة المغرب والعشاء ، والحرام الممنوع من أن يعمل فيه ما لم يؤذن فيه ، والمشعر الحرام ما بين جبلى المزدلفة من مأزمى عرفة إلى وادى محسر ، وليس منه المأرمان ، ولا وادى محسر ، قاله ابن عباس وغيره ومن لم يبت بالمشعر الحرام لزمه الدم ، وإن بات ولم يذكر الله لزمه دم ، وذكر بعضهم أن المشعر الحرام هو جبل من آخر المزدلفة ، يسمى قزحا لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله " أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الفجر يعنى بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر ، فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفاً حتى أسفر " ، ولما رواه الشيخ هود عن ابن الزبير رأيت أبا بكر الصديق وقفاً على قزح وهو يقول يا أيها الناس اصبحوا وليس الأمر كما قال ذلك البعض عندى ، بل المراد بالمشعر الحرام المزدلفة ذلك الجبل وغيره . ولو استحبوا القرب من ذلك الجبل لكثرة دلائل كون المشعر الحرام الزدلفة فتفسيره بها أولى من أن يقال إنه الجبل ، وإن المراد بالعندية ما يقرب منها ، وتقدمت أحاديث فى ذلك على العموم ، وعن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح ثم وقف عند المشعر الحرام ، يعنى ذلك الجبل ، فقال " قد وقفت ها هنا والمزدلفة كلها موقف " وعن ابن عباس ما بين الجبلين كله مشعر ، وذكروا عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه بات يجمع حتى إذا كان من الغد صلى صلاة المعجلة ، ثم وقف إلى الصلاة المصبحة ثم أفاض ، وعن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلع الفجر صلى الصبح ثم وقف " وليست الأحاديث التى ذكر فيها الوقوف عند الجبل مفسرة للمشعر الحرام المذكور فى الآية ، كالحديث السابق عن جابر ابن عبد الله ، وكما روى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع حتى طلع الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل ، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، ودفع قبل أن تطلع الشمس " ، رواه البغوى ولم يذكره البخارى ولا مسلم ولا الترمذى ولا النسائى ولا ابن ماجه ولا البيهقى ولا الطبرانى ، وروى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد بلاغاً عن أبى أيوب الأنصارى " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً " ، وروى الربيع عن أبى عبيدة أنه " لما تم حجه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعرفة فقال " إن أهل الشرك والأوثان يدفعون من عرفات إذا صارت الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال فى وجوههم ، وإنا لا ندفع من عرفات حتى تغرب الشمس ويفطر الصائم ، وندفع من المزدلفة غداً إن شاء الله قبل طلوع الشمس هدياً مخالفاً لهدى الشرك والأوثان " ، قال طاووس كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن المزدلفة بعد طلوعها ، وكانوا يقولون أشرق ثبير كيما تغير فنسخ الله تعالى أحكام الجاهلية ، فآخر الإفاضة من عرفة إلى غروب الشمس ، وقدم الإفاضة من المزدلفة عن طلوعها ، وثبير جبل بمكة ، والمعنى ادخل يا ثبير فى الشروق كى ندفع للنحر ، يقال أغار أى أسرع ودفع فى غدوه . وروى البخارى عن عمرو بن ميمون قال قال عمر " كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ، ويقولون أشرق ثبير ، فخالفهم النبى صلى الله عليه وسلم فأفاض قبل طلوع الشمس " . { واذْكُروهُ } بالتوحيد والتعظيم وسائر الأذكار . { كَمَا هَداكُم } مناسك الحج ومعالم دين الإسلام ، قال ابن هشام التعليل بالكاف فى الآية ظاهر ، أى لأجل هدايته إياكم ، وما مصدرية ، قاله جماعة وهو الأظهر . وزعم الزمخشرى وابن عطية وغيرهما كابن برهان ، أن { ما } كافة ، ورد ابن هشام بأن فيه إخراج الكاف عما ثبت لها من عمل الجر لغير مقتض ، قال زكرياء وفيه نظر . قلت الحق ما قال ابن هشام ، لأن الجر بالكاف أصل ، والغاءها فرع بإجماع ، فكيف يدعى خروجها عن الجر يجعل ما كافة دون دليل مع إمكان إبقائها على الأصل بجعل ما مصدرية ومجئ الكاف للتعليل مذهب قوم ، ونفاه الأكثر ، وأثبته بعض بشرط أن تكف بما قال ابن هشام الحق جوازه فى المجرة من ما نحو وبكأنه لا يفلح الكافرون أى أعجب لعدم فلاحهم ، وفى المقرونة بما الكافة كحكاية سيبويه ، كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه ، وبما المصدرية نحو { كما أرسلنا فيكم رسولا } . . الآية . قال الأخفش أى لا حَلَّ إرسالى فيكم رسولا منكم فاذكرونى ، وقال بعض الكاف فى آية البقرة للتشبيه ، والكلام من وضع الخاص موضع العام ، إذا الذكر والهداية يشتركان فى أمر وهو الإحسان ، فهو فى الأصل بمنزلة { وأَحسِنْ كمَا أحْسَنَ الله إليْكَ } انتهى كلام ابن هشام أى اذكروه ذكراً حسناً شبيهاً بهدايته إياكم فى الحسن ، وقد منع صاحب المستوفى أن تكون الكاف مكفوفة بما واحتج مثبته بقوله @ لعمرك إننى وأبا حميد كما النسوان والرجل الحليم أريد هجاءه وأخاف ربى وأعلم أنه عبد لئيم @@ برفع ما بعد ما ولا يشكل هذا إذا سلمنا فيه الكف لوجود الرفع فيه ، فهو دليل الكف بخلاف الآية ، بل يحتمل أن تكون ما مصدرية ، أى كما تفعل النسوان والرجل الحليم إذ لا يتعين تقدير كما النسوان والرجل الحليم يفعلان أو يفعلون . { وإنْ كُنتُم من قَبْلهِ لمِنَ الضَّالِّين } عن دين الإسلام ومعالم الحج ، وإن مخففة ، واللام فارقة بين الإثبات والنفى ، أو نافية واللام بمعنى الأوبة ، قال الكوفيون والهاء عائدة إلى الهدى المدلول عليه بهداكم وهذا أولى من عودها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن ، لأنهُ لم يجر لهما ذكر .