Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 211-211)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَلْ } يا محمد أو يا من يتأتى منه السؤال . { بَنِى إسْرائيلَ } سؤال توبيخ وتقريع زاجراً عن الإعراض عن الحق ، أو سؤال تقرير تذكيراً للنعم التى أنعم الله بها على سلفهم أو عليهم أو على الكل . { كَمْ آتيْناهُم مِن آيةٍ بَيِّنةٍ } الجملة مفعول به لسل لتضمنه معنى قل ، أو مفعول لمحذوف ، أى قائلا لكم كم آتيناهم من آية بينة ، وهذا المحذوف حال ، وفيها التفات على طريق السكاكى إلا مقتضى الظاهر أن يقال كم آتاكم الله من آية بينة ، لأن السائل أو المخبر المكثر يخاطبهم خطاباً ويذكر الله بلفظ الغيبة ، وكم خبرية أو استفهامية فيم قيل ، وهو صحيح على جعل الجملة مستأنفة من كلام الله تعالى ، لا معمولا للسؤال ، ولا لقول مقدر كأنه قيل سلهم عما آتيناهم من الآيات البينات ، ثم استأنف استفهاماً توبيخياً أو تقريرياً أو إخباراً تكثيريا ، وأما على أنها مفعول لسل أو للقول ، فيتعين الاستفهام ، وكم مفعول مقدم لآتيناهم أول والهاء مفعول ثان أو بالعكس ، على ما بينته فيما مضى ، ويضعف كون كم مبتدأ لاستلزامه حذف الرابط ، حيث أوهم حذفه المفعولية أى كم آتيناهم إياه باعتبار لفظ كم ، وكم آتيناهم إياه باعتبار لفظ كم ، وكم آتيناهم إياها باعتبار معناه ، فإنه واقع على الآية البينة ، فان قوله { من آية بينة } بيان لكم نعت له ، ثم رأيت ما ذكرته من كون كم لا تكون إلا استفهامية على جعل الجملة مفعولا لسل ، نصاً لغيرى ، ولفظه جعل كم خبرية ليس بجيد ، لأن فيه اقتطاعاً للجملة التى هى فيها من جملة السؤال ، إذ لم يذكر فيها المسئول عنه ، بل أخبر عنه بعده بأنا آتيناهم كثيراً من الآيات ، ولكن قال السعد معنى السؤال على كونها خبرية سؤالهم عن حالهم وفعلهم فى مباشرة أسباب التقريح إلخ … وليس ما ذكره السعد مسوغاً لجعلها خبرية واقعة فى السؤال . وقد ظهر لى الآن مسوغ لذلك ، هو أن يسمى الإخبار بكم فى التكثير استفهاماً للمشابهة ، أو تجعل الجملة مقولا لقول غير مفسر للسؤال ، بل لقول مفيد ما لم يقصد بالسؤال ، أو مؤكدا له فى المعنى ، كأنه قيل سلهم عن الآيات وقل لهم أيضاً على جهة الإخبار كم آتيناهم ، والآية البينة معجزات موسى عليه السلام كالعصى واليد البيضاء وفلق البحر وإنزال المن والسلوى وغير ذلك ، فإن إيتاء ذلك لأسلافهم إيتاء لهم ، ويجوز أن تكون الآية ما يشهد على الحق ، والصواب فى التوراة وغيرها من رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . { ومَن يُبدِّل } وقرئ بإسكان الباء وتخفيف الدال . { نِعْمةَ اللّهَ مِن بَعْد ما جاءتْهُ } وصلته وعرفها أو لم يعرفها ، لكنه تمكن من معرفتها ، وتبديلها تركها ، وهى الآيات البينات ، سماهُنَّ نعمة لأنهن سببب الهدى الذى هو أجل النعم ، أو لأنهن سبب للجنة ، فمن تركهن فقد بدلهن بما يحبه من المعاصى والضلال ، أو بدلها بالنار ، وإذا كان المراد بالنعمة الآيات فلفظ نعمة ظاهر وضع موضع المضمر ، فمقتضى الظاهر ومن يبدلها من بعد ما جاءته فعبر عنها بلفظ نعمة إيذاناً بأنها نعمة ، ولزيادة التقريع ولا يلزم فى وضع الظاهر موضع المضمر ، كونه بلفظ الأول ، وفى الآية تعريض بأنهم بدلو النعمة ، ففى الكلام حذف تقديره كم آتيناهم من آية بينة فبدلوها ، ومن يبدل نعمة الله الآية ، ويجوز أن يكون المراد يبدلها يجعلها سبباً للضلالة وزيادة الزجر وأن يكون المراد تبديلها بالتحريف والتأويل الزائغ ، وقيل المراد بنعمة الله عهده الذى عاهد إليهم ، وتبديلها عدم الوفاء بها ، ويجوز أن يكون المراد بها سائر نعم الدنيا من مأكول ومشروب وملبوس ، ومركوب ، وصحة وغير ذلك وتبديلها كفرانها المسبب لزوالها ، وللانتقام أو تبديلها التوصل بها إلى عذاب النار ، إذ لم يشكروها ، ويجوز أن يراد بالنعمة ذلك كله ، وقال بعض نعمة الله لفظ عام لجميع إنعامه ، ولكن يقوى من حال النبى صلى الله عليه وسلم معهم أن المشار إليه هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى ومن يبدل من بنى إسرائيل صفة نعمة الله ثم جاء اللفظ منسحباً على كل مبدل نعمة الله ، ويدخل فى اللفظ كفار قريش والتوراة أيضاً نعمة على بنى إسرائيل فبدلوها بالتحريف لها ، وجحدوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم . { فإنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ } هذه علة قامت مقام الجواب ، وتقدير ذلك عاقبة الله على تبديلها عقاباً شديداً ، لأن الله شديد العقاب ، كذا ظهر لى ثم رأيت السعد ذكره وزاد وَجَهاً آخر إذ قال فإن قلت كيف صح ذلك جزاء للشرط ولا سببية ولا ترتيب ؟ قلت من جهة أن المعنى يعاقبه الله أشد عقاب ، لأن الله تعالى شديد العقاب . أو من جهة أن التبديل سبب للإخبار بأن شديد العقاب كقوله { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فمِنَ الله } انتهى ، وتبديل النعمة ارتكاب لجريمة شديدة فكان من الحكمة عقابهم بعقاب شديد .