Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كانَ النَّاسُ أمَّةً واحدةً } متفقين على الحق فيما بين آدم وإدريس ، هذا قول ابن خيثمة ، حكى القرطبى عنه أنه منذ خلق الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، خمسة آلاف سنة وثمان مائة سنة ، وقيل أكثر من ذلك ، وكان بينه وبين نوح ألف سنة ، وعاش آدم تسع مائة سنة ، وكان الناس فى زمانه أمة واحدة متمسكين بالدين الحق ، تصافحهم الملائكة ، وداموا على ذلك إلى أن رفع إدريس عليه الصلاة والسلام ، فاختلفوا قال وفى هذا نظر ، لأن إدريس بعد نوح على الصحيح قلت بل الصحيح أنه قبل نوح ، وعن ابن عباس وقتادة وعكرمة كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة الحق من ، فاختلفوا ، والقرن مائة سنة على الصحيح ، وقال الشيخ هود رحمه الله أريد عشرة آباء والاختلاف وقع فى زمان نوح عليه السلام ، وقيل المراد آدم وأولاد أواده فى حياته أمة واحدة على الإسلام والحق ، إلى أن قتل قابيل هابيل حسداً وبغياً ، ودام الاختلاف ، فبعث الله النبيين بعد آدم عليه السلام ، وقال الكلبى الناس الذين كانوا أمة واحدة أهل سفينة نوح عليه السلام ، كانوا بعد الطوفان على الحق ، وكانت الفطرة إلى أن بعث الله صالحاً ، وقال أبى بن كعب وابن زيد المراد بالناس بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم ، قالوا كلهم بل أنت ربنا ، وقيل كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن غيره عمرو بن لحى ، وقيل الناس آدم وحده المتضمن لأولاده كلهم ، كان وحده على الحق حتى جاءت أولاده واختلفوا ، وهذه أقوال الجمهور وفى رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما ، وعطاء والحسن كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح عليه السلام أمة واحدة على الكفر أمثال البهائم ، فبعث الله النبيين نوحاً وغيره ، وقيل فى فترة نوح وإدريس ، وقيل المعنى أنه يكون الناس أمة واحدة على الكفر ، لولا أن الله تبارك وتعالى من يبعث الرسل ، وفى الكلام حذف ، أى كان الناس أمة واحدة ، فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض . { فَبَعَث } إليهم . { اللّهُ النَّبِيِّين مبُشِّرِينَ } من آمن بالجنة . { ومُنذِرِين } من كفر بالنار ويدل على هذا الحذف قوله تعالى { فيما اختلفوا فيه } ، وقد قرأ أيضاً ابن مسعود { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين } الآية ، وعن كعب الذى علمته من عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، والمرسل منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر ، والمذكورون فى القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون . { وأنزل مَعهُم الكِتابَ } جنس الكتب لا كتاب واحد لأن كتب الله كثيرة ، ولم ينزل على كل واحد ، فإن أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصهم ، وإنما انها كانوا يأخذون بكتاب من قبلهم أو كتب من قبلها وصاحب الكشاف قال أو مع كل واحد منهم كتابه ، وظاهره أنه أجاز التفسير ، لأنه أنزل مع كل نبى كتاباً ، فإما على ظاهره ، وإما أن يريد أنه أنزل كتاباً على نبى يكون ، ولمن شاء الله بعده أو معه من النبيين . { بالحقِّ } متعلق بمحذوف حال من الكتب ، وثابتاً بالحق ، ولك تقديره كوناً خاصاً ، أى ملتبسا بالحق أو شاهد بالحق . { ليحْكُمَ } الله بذلك الكتاب ، هذا قول الجمهور ، أو ليحكم الكتاب ، وعلى هذا أسند الحكم للكتاب لاشتماله على ما يحكم به الحاكم ، أو ليحكم النبى المبعوث المنزل عليه ذلك الكتاب به ، وذلك جنس ، أى ليحكم كل واحد بكتابه المتعبد هو به . { بَيْن النَّاسِ فِيما اخْتلَفُوا فِيهِ } من الحق دين الإسلام المتفق عليه ، قيل أو مطلق الدين بأن يقول بعضهم الدين ، هو كذا والآخر الدين غير ذلك أو فيما التبس عليهم . { وما اخْتَلَف فيه إلا الَّذِينَ أوتُوهُ } الهاء فى فيه عائد إلى الحق أو الكتاب ، والهاء فى أوتوه عائد إلى الكتاب المنزل ، ذم الله الكفار بمخالفة الحق ، ويعكس الأمر إذا كان الكتاب المنزل عليهم ليتفقوا على الحق سبباً شديداً لمخالفتهم الحق ، إذ كفروا وآمن غيرهم ، فكان الاختلاف ، فالذين أوتوه يشمل المؤمن والكافر ، والمذموم الكافر ، وعلى هذا فيقدر عند قوله { بغياً بينهم } بغياً من الكافرين بينهم وبين المؤمنين ، إذ وقع منهم على المؤمنين ويجوز أن يكون الذين أوتوه الكفار فقط ، بمعنى أن الكفار اختلفوا بأن خالف كل فريق منهم الآخر ، وأخْطَئُوا الحق وأصابه المؤمنون ، ويجوز أن يكون الاختلاف هو التحريف ، وقيل الهاء لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والهاء فى أوتوه للكتاب . { مِنْ بَعدِ ما جَاءَتْهم البيِّناتُ } الحجج الظاهرة على التوحيد ، وظاهر الآية أن هذه الآيات قبل إيتاء الكتاب ، فيكون المراد بالآيات الأدلة العقلية التى نصبها الله تعالى على إثبات الأصول التى لا يمكن القول بالنبوة إلا بعد ثبوتها ، ذكر علماء الكلام أن كلما لا يصح إثبات النبوة إلا بثبوته ، فلا يمكن إثباته بالدلائل السمعية ، وإلا وقع الدور ، وقيل البينات صفات محمد صلى الله عليه وسلم المبينة فى كتبهم ، ويجوز كون البينات هى الكتاب كله ، فيكون من وضع الظاهر موضع المضمر ليوصف بالوضوح ، أو هى بعض الكتاب ، وهى ما كان بياناً لما التبس عليهم ، ومن متعلقة باختلف ، أى وما اختلف فيه من بعد ما جاءهم ، أو من بعد ما جاءهم من بيان ما اختلفوا فيه إلا الذين أوتوه ، ومعنى إيتاء الكفار الكتاب تعبدهم به . { بَغْياً بَيْنهُمْ } أى الظلم العظيم الذى نشأ من الحسد ، لحرصهم على الدنيا ، وقلة الإنصاف . { فَهدَى اللّهُ الَّذينَ آمنُوا لِمَا اخْتلفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ باذْنِهِ } الذين آمنوا هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمختلف فيه من الحق قال ابن زيد هذه الآية فى أهل الكتاب ، اختلفوا فى القبلة ، فصلت اليهود إلى بيت المقدس ، والنصارى إلى المشرق ، فهدانا الله إلى الكعبة ، واختلفوا فى إبراهيم عليه السلام ، فقالت اليهود كان يهودياً ، وقالت النصارى كان نصرانياً ، فقلنا إنه كان حنيفاً مسلماً ، واختلفوا فى عيسى عليه السلام ، فاليهود فرطوا بأن قالوا فيه ما قالوا ، والنصارى جعلوه رباً ، فهدانا الله إلى ما هو الحق فى شأنه ، وهو أنه عبد الله ورسوله ، وعنه صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون - أى فى الدنيا - ونحن السابقون - أى المقضى لهم - أولا يوم القيامة - بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى عرض عليهم - يعنى يوم الجمعة - فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فاليوم لنا وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى " وكذا جميع ما اختلفوا فيه ، وقال الطبرى عن الفراء فى الكلام قلب ، أى فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه ، واختاره الطبرى ، وذلك خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا فى الحق ، فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه ، وعساه أن يكون غير الحق فى نفسه ، وليس كذلك ، لأن { فهدى الله } يقتضى أنهم أصابوا الحق ، وتم المعنى فى قوله { فيه } وتبين بقوله { من الحق } ، جنس ما وقع الخلاف فيه ، وإذن الله . قال الزجاج معناه علمه ، وقيل أمره أو إرادته ولطفه . { واللّهُ يَهْدى مَن يَشاء } هدايته . { إلى صِراطٍ مُّسْتقيمٍ } لا يضل سالكه ، ولا ينحوا تاركه ، وهو دين الإسلام الموصل إلى الجنة .