Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلا تَنكِحُوا المشُرِكَاتِ حتَّى يؤمِنَّ } أى لا تتزوجوا أيها المؤمنون النساء المشركات حرائر أو إيماء حتى يؤمن ، والآية بلفظها تشمل الكتابيات ، لأن أهل الكتاب الذين بلغهم أمر النبى ولم يتبعوه مشركون ، ولو عملوا بالتوراة والإنجيل ، بل لا يتصور أن يكونوا عالمين عاملين بها مع عدم اتباعه صلى الله عليه وسلم ، لأنه صل الله عليه وسلم مذكورٌ فيهما ، مأمور فيهما باتباعه ، والإيمان به ، وبنسخ ما ينسخ على يديه ، وكذلك من لم يبلغه أمره صلى الله عليه وسلم منهم ، وقال عزير ابن الله ، أو قال المسيح ابن الله ، وقد قال الله جلا جلاله { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } إلى قوله تعالى { سبحانه عما يشركون } ولكن خصت من عموم المشركات فى هذه الآية النساء الحرائر المحصنات الكتابيات لآية المائدة { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } فهن حلال لمن يتزوجهن من المؤمنين ، وهذا تخصيص من عموم والعمل بالخاص لا نسخ عموم ، وسورة المائدة ثابتة كلها لم ينسخ منها شئ ، وقال جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " تزوجوا نساء أهل الكتاب ولا تزوجونهم نساءنا " وكانت الصحابة كابن مسعود يتزوجون نساء أهل الكتاب الحرائر المحصنات ، ولم يظهر من أحد منهم إنكار لذلك ، فكان إجماعاً على الجواز ، وكره عمر بن الخطاب تزوجهن كراهة تنزيه لا تحريم ، إذ كثرت المؤمنات ، وزعم بعض العلماء أنه لا يجور تزوجهن ، لأن لفظ المشركات يتناولهن ، والتخصيص والنسخ خلاف الأصل ، ولعله ممن يعمل بالعام لا بالخاص وهو خطأ ، ثم إن قتادة وسعيد بن جبير قالا الآية عامة فى كل كافرة وخصصتها آية المائدة ولم يتناول العموم قط الكتابيات ، أى لم يتناولهن العموم فى المعنى ، فضلا عن أن يقال آية المائدة ناسخة لهذا العموم ، ولو تناولهن لفظاً لقوله بالتخصيص ، وقال ابن عباس والحسن ومالك يتناولهن العموم ثم نسخت آية المائدة بعض العموم ، وهو عموم الكتابيات ، وزعمت طائفة أنه يجوز تزوج كل كافرة تقول لا إله إلا الله ، ولا تجعل مع الله إلهاً آخر ، وهذا خطأ ، وعن الحسن ، إذا قالت الكتابية لا إله الله فطأها ، ولا يجوز عند الجمهور منا تسرى إماء الكتابيات حتى يؤمن ، وأجازه ابن عباس والشيخ هود رحمهم الله ، وليس كذلك ، لأنه صلى الله عليه وسلم انتظر بتسرى إحدى الأمتين مارية وأختها أن تسلم فسبقت بالإسلام مارية فتسراها ، وهما كتابيتان ، وروى أنه صلى الله عليه وسلم بعث مرثد بن أبى مرثد الغنوى وقيل يكنى أبا مرثد الغنوى ، واسمه يسار بن حصين حليف حمزة بن عبد الله وقد شهد بدراً إلى مكة ليُخِرجَ منها سرا ناساً من المسلمين يعذبهم المشركون فيها على الإسلام ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يزال يبعث فى ذلك ، وروى أنه بعثه ليأتى بحاطب بن أبى بلتعة حليف الزبير بن العوام ، وكان يعرب بمكة على الإسلام ، فأتته عناق ، إذ دخل مكة فقالت ألا تخلوا ، وكان يهواها فى الجاهلية ، فقال إن الإسلام قد حال بيننا ، فقالت هل لك أن تتزوج بى فقال نعم ، ولكن أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية ، ويروى أنها كانت ذات جمال ومال ، وكان يأتيها ، ولما أسلم أعرض عنها وكره مع ذلك أن يتزوجها ، ودخل مكة ليلا متقنعاً فعرفته عناق ، فقالت له مرحباً مرحباً فدعته إلى نفسها فقال ويحك فإنك حرام على . وقد أسلمت والإسلام حجزنى عنك ، ولكن أتزوجك إن شئت فقالت إنى أتبرز ، أى أذهب لقضاء حاجة الإنسان ، فلما خرجت هتفت به يا أهل الأبطح هلموا إلى هذا الذى جاءكم مرثد يذهب بأصحابه فأقبلوا فى طلبه فاختفى فى جبل فكفهم الله عنه ، فانطلق إلى حاطب فأخرجه وهو مقيد فكسر عنه قيده عند العقبة ، ثم انطلق به إلى المدينة يحمله عقبة ويعدو به عقبة ، ثم أوصله فى ستة أيام ، فذكر لحمزة بن عبد المطلب أمر عناق ، فقال مرثد أريد أن أتزوجها فما ترى ؟ فقال أرى أن تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية ، وقيل قال لها أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ، فقالت أبى تتبرح ؟ واستغاثت عليه فضربوه ضرباً شديداً ثم خلوا سبيله ، وقضى حاجته ثم انصرف إلى المدينة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ، وقرأ الأعمش بضم تاء تنكحوا ، أى لا تزوجوا المشركات للموحدين لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن . { ولأمَةٌ مؤمِنةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْركَةٍ ولَوْ أَعْجَبَتْكُم } أى إن الأمة المملوكة المؤمنة خير من مشركة حرة شريفة النسب ذات مال وجمال وجود ، ولو أعجبتكم المشركة بذلك . قيل نزلت فى وليدة سوداء تسمى خنساء كانت لحذيفة بن اليمانى ، قال حذيفة لها لا أراك قد ذكرت فى الملأ الأعلى ، ولما نزلت الآية أعتقها وتزوجها ، وقيل لا نزلت الآية فقال لها يا خنساء قد ذكرت فى الملأ الأعلى سوادك ودمامتك ، ثم أعتقها وتزوجها . وقيل نزلت فى مَنْ عاب مَنْ يتزوج أمة ورغب فى تزوج حرة مشركة ، قالوا " كانت عند عبد الله بن رواحة أمة سوداء فغضب عليها يوماً فلطمها ، ثم فزع فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال " وما هى يا عبد الله ؟ " فقال هى تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وتصوم رمضان وتحسن الوضوء ، وتصلى . فقال " هذه أمة مؤمنة " قال عبد الله والذى بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجها ، ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا أتنكح أمة وعرضوا عليه حرة مشركة ، فأنزل الله هذه الآية " ، والواو للحال ، وصاحب الحال ضمير مشركة أو منعوتة المحذوف ، أى امرأة وهى معجبة ، أى حال كونها معجبة لكم فيفهم بالأولى ، حكم ما إذا لم تعجبهم وليس كما قيل إن معنى الحال فى مثل العطف على حال محذوف ، أى لم تعجبكم ولو أعجبتكم ، بل هذا وجه آخر تكون الواو فيه عاطفة . قال السعد وأما الواو الداخلة على الشرط المدلول على جوابه بما قبله من الكلام ، وذلك إذا كان ضد الشرط لمذكور أولى باللزوم لذلك الكلام السابق الذى هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط ، كقوله أكرمه وإن شتمنى ، واطلبوا العلم ولو بالصين ، فذهب صاحب الكشاف إلى أنها للحال ، والعامل فيها ما تقدم من الكلام ، وعليه الجمهور ، وقال الجيزى إنها للعطف على محذوف هو ضد الشرط المذكور ، أى أكرمه إن لم يشتمنى وإن شتمنى ، واطلبوا العلم لو لم يكن بالصين ولو كان بالصين ، وقال بعض المحققين من النحاة إنها اعتراضية ، ويعنى بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقاً به معنى مستأنفاً لفظاً على طريق الالتفات كقوله فأنت طلاق والطلاق إليه ، وقوله @ نرى كل من فيها وحاشاك فانيا @@ وقد تجئ بعد تمام الكلام كقوله صلى الله عليه وسلم " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " . { ولا تُنكِحُوا المشْرِكينَ } ولو كتابيين . { حتَّى يُؤمِنُوا } وتنكحوا بضم التاء من أنكح أى لا تصيروا المشركين أزواجاً للمؤمنات ، أى لا تزوجوهم المؤمنات يا أولياؤهن وساداتهن وكل من يلون تزويجها من النساء ولو بوكالة ، ولا تزوج البالغة نفسها فضلا عن أن يقال إن الذكور غلبوا فى الآية على الإناث ، وإن المعنى لا يزوج الأولياء الصغار من الإناث ، ولا تزوج البالغات أنفسهن بالمشركين ، لأن المرأة لا تزوج نفسها ، بل وليها أو من يقوم مقامه بوكالة ، وإن لم يكن أو غاب فنحو إمام أو من توكل ، إلا أن يراد لا ترضى ولا تدخل فى ذلك بإجازة أو كلام ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولى " . { ولعَبْدٌ مؤْمنٌ خَيرٌ مِن مُشْركٍ } حر شريف ذى مال وجمال . { وَلَوْ أعْجَبَكُم } ذلك المشرك بشرفه وماله وحريته ، ويجوز أن يكون المراد بالأمة المؤمنة المرأة المؤمنة حرة أو أمة ، وبالعبد المؤمن الرجل المؤمن حراً أو عبداً ، لأن الناس كلهم عبيداً لله ، وإماء له ، وأكد النهى عن المشركات ، ورغب فى المؤمنات بتعليله بقوله { ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } ، والنهى عن المشركين بتعليله ، ورغَّب فى المؤمنين بقوله { ولعبد مؤمن خير من مشرك } ، والتعليلان معنويان ، إذ ليس فى اللفظ أداة التعليل وأكد أيضاً بالجملة الإسمية ولام الابتداء فى الموضعين ، وزاد تعليلا جملياً مؤكداً مستأنفا لذلك كله بقوله { أولئِكَ يَدعُونَ إلَى النَّار } أى المشركين والمشركات يدعون إلى النار ، أى إلى ما يؤدى إليها وهو الشرك والذنوب ، فكيف تليق موالاتهم ومصاهرتهم . وإنما فسر الدعاء إلى النار بالدعاء إلى موجبها ، لأن المشرك لا يدعو إلى حقيقة النار ، ولأنه قد لا يؤمن بها فكيف يدعو إليها . { واللّهُ يَدْعُوا إلى الجنَّةِ وَالمغْفِرَةِ بإذْنِهِ } أى وأولياء الله المؤمنين والمؤمنات يدعون إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تعظيما لشأنهم باستثمار أنما يدعو الله إليه هو نفس ما يدعو إليه المؤمنون ، ودل على هذا المضاف ذكر مقابله فى قوله { أولئك يدعون إلى النار } ، بقرينة أن الكلام فى المقارنة بمن يليق ومن لا يليق ، والمؤمن والمؤمنة هما اللائقان بالمقارنة بالنكاح ، والمراد أيضاً بالدعاء إلى الجنة والمغفرة الدعاء إلى ما يوجبها بمقتضى الوعد ، والتفضل من الإيمان والعمل الصالح ، وعدم الإصرار ، فالمؤمن والمؤمنة هما الأحقان بالمصاهرة والمواصلة لدعائهما إلى ذلك ، وأما المشركون فترائى نارهم عن الحرب فقط ، وبإذنه متعلق بيدعو أو بالمغفرة ، أى بإرادته وقضائه ، أو بتوفيقه وتيسيره ، وقرأ الحسن برفع المغفرة فهو مبتدأ وبإذنه خبر . { ويُبيِّن آياتهِ } الحلال والحرام وغير ذلك . { للنَّاس لَعلَّهُم يتَذكَّرونَ } هذا تعليل ، أى ليتذكروا أو ترجية أى دعاهم إلى الرجاء والطمع فى النجاة بأن يعملوا بحسب ما يذكرون به ، فينجوا من النار ، ويفوزوا بالجنَّة والمغفرة .