Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 232-232)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وإذَا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلغْنَ أجَلَهُنَّ } أى قطعته وتجاوزته فليس كالأول بمعنى المشارفة ، لأن الأول فيه الرجعة ، فظهر أنه بمعنى مقاربة الانقضاء والثانى فيه التزويج ، فظهر أنه بانقضاء ، وذلك على أن الخطاب فى تعضلوهن للأولياء أو للأزواج بعد انقضاء العدة أو للناس ، كلهم وأما إن جعلناه للأزواج قبل الانقضاء ، فالبلوغ هنا أيضا بمعنى مشارفة الانقضاء كالأول ، وعلى هذا الوجه الأخير تكون لأزواج المذكورة بعد من يمكن أن يخترنه أن يكون لهن زوجا ، ومعنى عضلهن على هذا مراجعتهن بقصد منها عمن تختاره لو لم يراجعها إلا بعضل الإنصاف . { فَلاَ تعْضلُوهُنَّ } تمنعوهن . { أنْ يَنكِحْنَ } يتزوجن . { أزْواجَهُنَّ } أى الذى كانوا لهن أزواجاً وطلقوا ، فالصحيح أن الخطاب فى تعضلوهن للأولياء ، والأزواج من كانوا أزواجا وطلقوا ، وانقضت العدة ، والدليل على انقضائها النهى عن الفعل ، لأن للزوج أن يراجعها قبل الانقضاء رضى الولى أو أبى ، إلا أن يقال قد يعضلها بالحمية والغلبة بعد انقضاء العدة أيضاً ، فنهى عن ذلك . قال الحسن حدثنى معقل بن يسار المزنى كنت زوجت أختاً لى من رجل ، يعنى عاصم بن عدى ، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ، ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها أبداً . قال معقل ، وكان الرجل لا بأس به ، وأختى تريد الرجوع إليه ، فنزلت الآية . فقلت الآن أفعل يا رسول الله ، فكفرت عن يمينى وزوجتها إياه وفى رواية عن معقل بن يسار كانت لى أخت تخطب إلى وأمنعها من الناس فأتانى ابن عمر لى يعنى عاصم بن عدى ، قدم المدينة فأنحكتها إياه واصطحبا ما شاء الله ، وكان بينهما شئ فطلقها واحدة ، فلما انقضت عدتها خطبت إلى فأتانى ليخطبها فى الخطاب ، وقلت له خطبت فمنعتها من الناس وآثرتك بها فزوجتك ، ثم طلقتها طلاقا لك فيه رجعة ثم تركتها حتى انقضت عدتها ، ولما خطبت إلى أتيتنى تخطبها مع الخطاب ، والله لا نكحتها أبدا ففىَّ نزلت { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } الآية فكفرت عن يمينى وأنكحتها إياه أبدا ، فالخطاب للأزواج قطعا فى طلقتم . وللأولياء فى تعضلوهن . ومعنى ينكحن يتزوجن بنكاح جديد بولى وصداق ومثل ذلك ما قيل إن الآية فى جابر بن عبد الله ، كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة ، ولما انقضت عدتها أراد أن يرتجعها بنكاح جديد فأبى جابر وقال طلقت ابنة عمنا وتريد أن تنكحها الثانية ، وكانت المرأة تريده فنزلت الآية . وقيل الخطاب للأزواج قبل انقضاء العدة ، وعضلهم إياهن مراجعتهن لا بقصد المعروف ، بل بقصد الإضرار ، وقيل للأزواج بعد ، قيل انقضاء العدة كانوا يمنعونهن من التزوج بعد العدة عدوانا عليهن وقهرا وحمية الجاهلية ، أو ندما عنها وغيرة بأن يتوعد من يتزوجها بسوء ، أو منع ما يرجعوا منه أو بسوء كلام فيها ، أو يجحد الطلاق أو يدعوى المراجعة أو نحو ذلك ، وهذان القولان أولى من الأول لاتحاد الخطاب عليهما للأزواج ، بخلاف الأول فإن الخطاب فى تعضلوهن عليه للأولياء ، لكن مع ذلك ابتدأت بالقول الأول لما مر من سبب النزول فيه تظهر ما يخفى ، وجملة الخلق فى علمه تعالى بمثابة واحد ، فيصح توجيه أحد الخطابين الواقعين فى كلام واحد إلى بعض ، والخطاب الآخر للبعض الآخر ويضعف القول ، لأن الخطاب للأزواج قبل انقضاء العدة أنه لو كان كذلك لم يشترط تراضى الزوج والمرأة فى قوله { إذا تراضوا } إلخ ، لأن له رجعتها بلا رضى منها ، وعلى الأول الأزواج من تسميته الشئ باسم ما كان عليه ، وقيل المراد بالأزواج من يمكن أن يكون زوجا سواء جعلنا الخطاب فى تعضلوهن لمن طلقهن أو للأولياء ، فيكون تسمية للشئ باسم ما يئول إليه فيدخل فيه الزوج الأولى باعتبار أن يكون أيضاً بعد ذلك زوجا لها ، كما كان ، وقيل الخطاب فى تعضلوهن للناس كلهم واختاره الزمخشرى ، على أن المعنى لا يوجد فيما بينكم عضل لأنه إذا وجد منهم وهم راضوان كانوا فى حكم العاضلين ، وقيل الخطاب فى تعضلوهن للأولياء والأزواج ، والآية دليل لنا وللشافعية على أنه لا نكاح إلا بولى إذ ترجح بمعرفة سبب النزول ، أن الخطاب بالعضل للأولياء ، إذ لو تمكنت المرأة من تزويج نفسها أو توكيل من يزوجها لم يكن لعضل الولى معنى إن كان لا يؤثر ، ، ولما أسند إليه العضل علمنا أنه قادر على العضل يتأثر عضلا بألا تتزوج إن عضل ، وإما إسناد النكاح إليهن فى ينكحن فلأنهن سبب برضاهن ، وإذنهن ، فلا دليل فى ينكحن لأبى حنيفة ومالك على جواز تزوجهن بلا ولى ، والحديث قاض بما قلنا لا نكاح إلا بولى . { إذَا تَراضَوْا بَيْنَهُم } الأزواج الخطاب والنساء ، وإذا ظرف يجوز تعليقه بينكحن ، ويجوز تعليقه بتعضلوهن ، واختار بعضهم الأول ، والذى عندى اختار تعليقه بتعضلوهن وهو خارج عن شرطية والصدر كذلك يقال ، والذى يظهر جواز بقائها على الأصل من شرطية والصدرية ، فيتعلق بجواب محذوف مقدر بعدها ، أى إذا تراضوا بينهم بالمعروف فلا تعضلوهن أن ينكحنهم . { بِالمعْرُوفِ } أى بما يعرف بالشرع والمروءة أعنى خصال المرء الكامل ، وذلك عام وقيل المعروف صداق المثل ، وهذا لا يصح فى قول تفسير العضل بالرجعة ، إذ لا صداق فى الرجعة ، اللهم إلا رجعة الفداء لكنها ليست بمطلن صداق ، بل بالذى وقع فيه الفداء إلا إن اتفقا على نقص أو زيد ، والقول الأول فى قوله { بالمعروف } أولى لعمومه ، وهو حال من واو تراضوا أى تراضوا ثابتين بالمعروف وملتبسين به من العقد الصحيح ، أو المهر الجائز ، والتزام حسن المعاشرة ، وشهود عدول ، وغير ذلك أو متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف ، أى تراضوا تراضيا ثابتا وملتبسا بالمعروف ، والباء على الأوجه للإلصاق ، وفى اشتراط التراضى بالمعروف للنهى عن العضل دليل على أن العضل عن التزوج من غير كفؤ غير منهى عنه ، بل قال أبو حنيفة إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فللأولياء أن يتعرضوا . { ذَلِكَ } أى ترك العضل والخطاب للأولياء أو للأزواج أو لهم للناس ، وإفراد الكاف لتأويل القبيل ، أو لكون الخطاب عاما عموما بدلياً أو أفرد لكون الخطاب موجهاً لغير الجماعة ، بل لمطلق حاضر ولو من غير المخاطبين ، قيل أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان الخطاب قبل وبعد للجماعة ، كقوله { يا أيها النبى إذا طلقتم النساء } والحكمة فى الإشارة إليه صلى الله عليه وسلم وحده أن حقيقة الحكم المذكور لا يتحقق تصوره إلا عنده ، والمسلمون على مراتبهم بعده ، وأجاز بعض أن تكون الكاف فى ذلك لمجرد الخطاب بدون اعتبار إفراد أو تثنية أو جمع ، وأن تكون للإشعار بانقطاع المشار إليه عن الحضور بدون ذلك الاعتبار أيضاً . { يوعَظُ بِه مَن كانَ مِنكُمْ يُؤمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ } وكذلك غيره ، لكنه خص لأنه المنتفع بالوعظ ، والمعنى يدخل مقتضى الوعظ فى قلبه فيتأثر به . { ذَلكُمْ } أى العمل بمقتضى ما ذكر ، فلكون العمل يشارك المسلمون فيه النبى ، صلى الله عليه وسلم ، جمع الخطاب هنا وأفرد فى الأول لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بإدراك حقائق الحكم وإدراك الكامل . { أزْكَى لَكُمْ } خير لكم تنتفعون به انتفاعا عظيما كما ينتفع بالزرع الأنمى . { وأطْهَرُ } أشد زوالا للذنوب التى هى كالأنجاس ، أو أزكى من العضل وأطهر منه ، وذلك لأنه قد تتوهم النفس أن فى العضل زكا وطهارة ما لو خرجا عن التعضيل أى زكى وطاهر لكم ، وقيل أزكى لكم وأطهر بمعنى أفضل وأطيب للقلب ، إذ يخشى الزنى بينهما إن لم يتراجعا . { وَاللّهُ يَعْلَمُ } ما فى ترك العضل من المصالح والمنافع ، أو من الزكاة والطهر على التفضيل الذى لا يدركه البشر ، أو يعلم ما تستعجلون به من الشرائع ، أو حاجة كل إلى الآخر . { وَأنْتم لا تَعْلَمُونَ } ذلك لقصور علمكم .