Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-243)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ألمْ تَرَ إلىَ الَّذِينَ خرجُوا مِن دِيارِهمْ وَهُمْ ألوفٌ حَذَرَ الموْتِ فقالَ لهمُ الله مُوتُوا ثمَّ أحياهُمْ } الاستفهام للتعجيب ، أى تصيير السامع متعجباً من هؤلاء الخارجين ، أو للتقرير ، وهو حمل السامع على الإقرار بعلم حالهم ، سواء علم السامع بقصتهم من أهل الكتاب أو من غيرهم من أهل التاريخ ، أو لم يعلم ، وهذا تلويح بأن حالهم مشهور متحقق مما لا ينبغى أن يجهل ، وكأنه مما لا يجهله أحد ، فالخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، وهو لا يعلم حالهم إلا من هذه الآية ، لأنه لا يوقن بما يقول أهل الكتاب ، إلا أن ألهمهُ الله أنهُ حق أو مما لا يخفى أنه حق كالتوحيد ، وذكر الله فإن علم فالتعجيب أو التقرير على حقيقته ، وإلا فالاستعارة تمثيلية ، بأن شبه حالهم وهو لم يعلم قبل الآية بحال من علم فى أنه لا ينبغى خفاء ذلك عنه ، وفى أنه يتعجب ويقر ، وكذا إذا قلنا الخطاب لكل من يصلح له علم أو لم يعلم ، ومعنى ترى تعلم ، وعداه بإلى لتضمنه معنى تنظر أو على معنى إلى نيته علمك إلى الذين ، وقل ما يقال رأيت إلى كذا إلا فى التعجب والتقرير ، وسوى ذلك يكون بدون إلى ، والديار ديار بلدة تسمى داور دان ، وهى قبل واسط ، وقع طاعون فخرجوا هاربين . وقال الضحاك قوم من بنى إسرائيل أمرهم نبيهم بالجهاد ، وقيل ملكهم ، ففروا حذر الموت ، فحذر مفعول لأجله ، ويجمع بين القولين بأن وحى القتال بلسان نبيهم وسياسته ، والقيام به بالملك على عادة بنى إسرائيل وعدد ألوفهم على ما روى عن السدى بضعة وثلاثون ألفا . وقال ابن جريح عن ابن عباس ثمانية وأربعون ألفا ، وقال عطاء ابن أبى رباح سبعون ألفاً ، وقيل عشرة آلاف ، وقيل ثلاثون ألفاً ، وقيل ثلاثة آلاف ، ولا قائل بأنهم فوق سبعين ألفاً بالرواية ، ولو كان اللفظ قابلا لذلك ، ولا بأنهم دون ثلاثة آلاف ممن قال المراد بالألوف العدد المعروف ، ويضعف قول الثلاثة الآلاف ، لأن الألوف جمع كثرة ، ولو كان كذلك لقيل آلاف بصيغة القلة ، وكذا يضعف قول الكلبى ثمانية آلاف ، واختلف فى العشرة ، هل يعبر فيها بصيغة الكثرة أو القلة ، ومر حديث الأعرابية ، فإن جمع القلة ثمانية ، قال الواحدى لا يقال فى العشرة وما دونها ألوف ، بل آلاف ، يعنى أن جمع الكثرة لأحد عشر فصاعداً ، وقال ابن زيد ألوف جمع آلاف من الألفة كقاعد وقعود ، وشاهد وشهود ، وراكع وركوع ، وساجد وسجود وجالس وجلوس ، وحاضر وحضور ، يعنى أنهم قوم تمكنت الألفة بينهم والمحبة ، أو كان كل واحد محبا للحياة ألفالها لنفسه ، كما قال الله تعالى { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } إذا قلنا ذلك فى بنى إسرائيل ، ومع هذه الألفة أماتهم فيعلمون أن الحرص على الحياة لا يعصم من الموت ، وعلى القول بأنه جمع ألف كقاعدة يمكن أن يكونوا ألفين أو ألفا واحدا ، ولكنه قول غريب . والأولى أنه جمع ألف من العدد ، وأنهم عشرة آلاف أو أحد عشر فصاعدا على ما مر فى جمع الكثرة بدون أن نعلم منتهاها ، وفى الكلام حذف تقديره فقال لهم الله موتوا فماتوا ، دل على هذا المحذوف شيئان الأول أن الله تعالى إذا قال لشئ كن فإنه يكون ولا بد ، والثانى قوله { ثم أحياهم } فإن الإحياء يستلزم تقدم موتهم ، ومعنى قوله لهم { موتوا } تعلق إرادة الموت بهم فيموتوا ، ولا بد ، وقيل هو أمر إهانة مثل { كونوا قردة خاسئين } فقوله { قال الله موتوا } ، من الاستعارة التمثيلية شبه تعلق الإرادة بموتهم جميعا بمرة واحدة ، وترتب موتهم بالمرة الواحدة على ذلك التعلق بأمر الآمر المطاع ، وامتثال المأمور المطيع المبادر إلى الطاعة ، كأنهم أمروا أن يموتوا فى وقت واحد فماتوا فيه موتة رجل واحد . وقيل القول من الملك ناداهم ملك من أعلى فذهبوا إليه وأقاموا فيه ، وآخر من أسفله ، قالا موتوا فماتوا ، وأسند القول إليه تعالى ، لأنه الخالق الآمر به ، والحكمة فى الإسناد إليه التهويل والتخويف ، لأن قول القادر القهار لهُ شأن ، وأحياهم الله بعد موتهم بثمانية أيام ، قال أكثر المفسرين لما وقع الطاعون فى داور دان خرجت طائفة هربا منه ، فسلموا وبقيت طائفة فهلك أكثرها ، ولما ارتفع الطاعون رجع الذين خرجوا سالمين ، فقال الذين بقوا ولم يموتوا كان أصحابنا أحرص منا لو صنعنا كما صنعوا ، فخرجنا بمن كان معنا لم يمت منا من مات ، ولئن وقع الطاعون مرة ثانية لتخرجن إلى أرض لا وباء فيها ، فرجع الطاعون من قابل ، فخرج عامة أهلها حتى نزول واديا أفج ابتغاء للنجاة ، فناداهم ملك من أسفل الوادى ، وملك من أعلاه موتوا فماتوا جميعاً ، وقال الضحاك إن ملكا من بنى إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوهم فعسكروا ، ثم جنبوا وكرهوا الموت فاعتلوا ، وقالوا لملكهم إن الأرض التى نأتيها فيها وباء فلا تخرج إليها حتى ينقطع منها الوباء ، فخرجوا عن ديارهم فرارا من الملك والجهاد ، فقال الملك اللهم رب يعقوب وإله موسى ، قد ترى معصية عبادك فأرهم آية فى أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك وقال لهم الله . موتوا ، فماتوا هم ودوابهم موته رجل واحد قال الربيع عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ وهو موضع بالشام ، لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه مع أصحابه ، وأخبروه بأن الوباء وقع بأرض الشام ، فاختلفوا ، فقال بعضهم خرجت لأمر لا نرى أن نرجع عنه ، وقال بعضهم معك بقية الناس ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء ، فقال عمر ارتفعوا عنى . فقال ادع لى المهاجرين الأولين ، فدعوتهم فاستشارهم ، فاختلفوا فقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نرى أن نقدمهم على هذا الوباء ، وقال بعضهم خرجت لأمر ولا نرى أن نرجع عنه ، فقال ارتفعوا عنى ، فقال ادع لى الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم ، فقال ارتفعوا عنى فارتفعوا ، ثم قال ادع لى من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم ولم يختلف عليه منهم رجلان ، فقالوا نرى أن ترجع الناس ولا تقدمهم على هذا الوباء ، فنادى عمر فى الناس إنى مصبح على ظهر ، فأصبحوا عليه فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله يا عمر ؟ فقال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نفر من قدر الله إلى قدر الله . قال ابن عباس " فجاء عبد الرحمن بن عوف ، فكان متغيبا فى بعض حاجته ، فقال إن عندى من هذا علما ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به فى أرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " ، قال فحمد الله عمر وأثنى عليه ، ثم انصرف . والمراد ببقية الناس ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة ، أى الجامعون بين الصحبة والبقاء عمن مضى من أمثالهم ، وخرج الناس إلى هؤلاء الذين قال لهم الله موتوا بعد ثمانية أيام ، وهم عشائرهم ، وقد انتفخوا فكانت فيهم رائحة الميت وعجزوا عن دفنهم لكثرتهم ، فجعلوا عليهم خضيرة دون السباع ومرت عليهم مدة فبليت أجسامهم وعريت عظامهم فمر عليهم حزقيل ، بكسر الحاء والقاف ، ابن بودى ، وهو ثالث خلفاء بنى إسرائيل بعد موسى وشع وكالب بن يوقنا وحزقيل ، ويقال له ابن العجوز ، لأن أمه كانت عجوزاً ، فسألت الله الولد بعد ما كبرت وعقمت ، فوهب الله لها حزقيل ويقال له ذو الكفل ، سمى به لأنه تكفل سبعين نبياً وأنجاهم من القتل ، وقال لهم أذهبوا فإنى إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعاً ، فلما جاء اليهود سألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين ؟ قال لهم ذهبوا ولا أدرى أين هم ، ومنع الله ذا الكفل من اليهود بفضله ، وعن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كان فى بنى إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل ، يعصى الله فاتبع امرأة وأعطاها ستين دينارا على أن تعطيه نفسها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة ، ارتعدت وبكت ، فقال ما يبكيك ، قالت بكيت من هذا العمل ما عملته ، قط ، قال أكرهت ؟ قالت لا ولكن حملتنى عليه الحاجة ، قال اذهبى فهى لك ثم قال والله لا أعصى الله أبدا ، فمات من ليلته فوجد على باب داره أن الله عز وجل قد غفر لذى الكفل " وقال أبو موسى لم يكن ذو الكفل نبيا ، ولكن عبداً صالحاً ، يصلى كل ليلة مائة صلاة ، فأحسن الله الثناء عليه ، وقيل هو إلياس ، وقيل هو زكريا عليهما السلام ، ولما مر حزقيل على هؤلاء الذين خرجوا وماتوا ، وقف عليهم وجعل يفكر فى أمرهم ، ولوى شدقه وأصابعه تعجبا ، فأوحى الله تعالى إليه أتريد أن أريك آية ؟ قال نعم يا رب . فأحياهم الله تعالى ، وقيل دعا حزقيل ربه أن يحييهم فأحياهم الله تعالى ، وقيل إنهم كانوا قومه أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام ، وذلك أنه لما أصابهم ذلك خرج فى طلبهم فوجدهم موتى ، فبكى وقال يا رب كنت فى قوم يعبدونك ويذكرونك ، فبقيت وحيداً لا قوم لى ، فأوحى الله أنى قد جعلت حياتهم إليك ، فقال حزقيل احيوا بإذن الله تعالى فحيوا بإذن الله ، فقال سبحانك ربنا وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، وقيل سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، وعاشوا دهراً طويلا ، وأثر الموت على وجوههم ، لا يلبسون ثوبا إلا عاددسما كالكفن ، حتى لآجالهم الأخرى فلهم موتتان لأجلين ، معجزة لنبيهم الأول أجل موت يرجعون بعده ، والآخر أجل موت يستمر إلى يوم البعث . قال ابن عباس وتوجد تلك الريح فى ذلك السبط من اليهود إلى الآن رواه عنه ابن جريح وذلك معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم ، إذ أخبر اليهود بأمر لم يشاهده وهم يعلمون صحته وفيه حجة على منكرى البعث ، إذ بعثهم بعد موتهم وتفرق أعضاءهم أبو بعد انتفاخهم ، ومضى مدة لا تمكن معها الحياة ، وتشجيع المؤمنين على الجهاد ، والتعرض للشهادة والحث على التوكل والاستسلام للقضاء والمنع عن الفرار من الطاعون . { إنَّ اللّهَ لذُو فَضْلٍ علىَ النَّاسِ } كلهم هؤلاء الذين خرجوا وغيرهم ، إذ شملتهم نعم الله فى الدنيا كلهم ، ودعاهم كلهم إلى النعيم الدائم ، ويسر لهم ما يتوصلون به إليه من الدين على ألسنة الرسل ، وجعل لهم دلائل الصنعة فى الأرض والسماء ، ومن ذلك إيحاء هؤلاء بعد إماتتهم ، فإنه داع إلى الاعتبار والاستبصار ، لما شاهدوا من أنفسهم وما قص عليهم ، وما شاهد غيرهم ، وقص على غيرهم من حالهم ، وقيل المراد بالناس هم الذين خرجوا من ديارهم ، وفضل الله عليهم أن يعتبروا بما صار فيهم ويؤجروا على ذلك إن استقاموا وتابوا من معصيتهم ، وقيل المراد بالناس العرب ، فإنهم أنكروا البعث ، فمن فضل الله عليهم ذكر هذه القصة ، فإنها من أسباب الإيمان بالبعث ، به داع إلى فعل ما يوجب الفوز ، ولا سيما أنها كانت فى اليهود وهم يعلمونها ، ويذكرونها للعوب ، وقد تمسكوا بأمور كثيرة مما يقول اليهود ، وما ذكرته أولى ، لأنه أعم ، ولأنه أدعى إلى الرضا والصبر على البلاء والتوكل والائتمار والانتهاء ، فأل للاستغراق ، وعلى القول الثانى تكون للعهد الذكرى ، وعلى الثالث للعهد الذهنى ، لأن العرب فى ذهنه صلى الله عليه وسلم يحاول استقامتهم بالقرآن . { ولِكنَّ أكْثرَ النَّاسِ لاَ يشْكُرونَ } أراد الناس ، كلهم فإن أكثرهم لا يشكرون لنفاقهم أو شركهم ، والقليل منهم يشكرون بما شكر المنافق ، ثم أفسد شكره ، ولو قيل الناس كلهم لا يشكرون لصح ، لأن منهم من لا يشكر ، ومنهم المسلمون الشاكرون لا يطيقون الشكر الحقيقى لأن الملائكة لم تبلغه فكيف يبلغه غيرهم ، فالناس كلهم غير شاكرين الشكر الحقيقى ، فمنهم من لم يشكر أصلا ، ومنهم من لم يشكر الشكر الحقيقى ، لكن لا تحسن تلك العبارة لأنها بظاهرها تنافى قوله تعالى { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } ، وقوله تعالى { إما شاكراً وإما كفوراً } ونحوهما ، والشكر لله فعل الطاعة بالقلب ، أو به مع الجارحة فى مقابلة الإحسان من الله ، ويجوز أن يراد به الاعتبار بهذه القصة والإنابة بها إلى الله تعالى ، والمراد من ذكرها تشجيع المؤمنين على القتال وائتمارهم بما أمر الله ، وبيان أن الفرار من الموت غير مخلص منه ، وأن قضاء الله لا يبطل ولا يتخلف ، ولذلك أمرهم بالقتال بعد هذه القصة بقوله { وقَاتِلُوا فى سبيل الله }