Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 246-246)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إلى الملإِ } الجماعة المجتمعين للمشورة ، سموا ملأ لأنهم أشراف يملؤن العيون هيبة ويملئون القلوب بما يحتاج إليه من قولهم { مِنْ بَنِى إِسرائِيلَ } من للتبعيض متعلق بمحذوف حال من الملأ . { مِنْ بَعْدِ مُوسَى } أى بعد موته ، من للابتداء متعلق بما تتعلق به الأولى ، وجاز ذلك بلا تبعية لاختلاف معانيهما . { إذْ قالُوا } متعلق بمحذوف تعجيباً بهذا المحذوف ، بـ { ألم تَرَ } ، وتقريرا له على ما مر ، أى لم ينته علمك أو نظرك إلى قصة الملأ أو حديث الملأ ، إذا قالوا أو صح التعليق بقصة أو حديث ، لأن فيه رائحة الحدث ، وإنما قدرنا ذلك ، لأن الذوات لا يتعجب منها ، ولا تقرر ، بل من حالها فلا تعلق بتر { لِنبىٍّ لَّهُمُ } يوشع بن نون بن أفرابيم بن يوسف بن يعقوب ، وقال السدى شمعون بن صفية بن علقمة من ولد لؤى بن يعقوب ، سمى شمعون لأن أمه دعت لله أن يرزقها غلاماً ، فاستجاب الله لها فولدت غلماً فسمته شمعون ، ومعناه سمع الله دعائى وتبدل السين بالعبرانية شيناً ، وقال الجمهور ، وعليه بن إسحاق أشموئل بن مالى بن علقمة بن صاحب بن عموص بن عزاريا ، وبه قال وهب ، وقال مجاهد هو ابن هلقا ، وقال مقاتل من ولد هارون ، قال بعض سمعت من يسميه إسماعيل بالعربية أعنى يعربه بلفظ إسماعيل ، وليس إسماعيل بن إبراهيم ، لأنه متقدم على بنى إسرائيل { ابْعَثْ لنَا مَلِكاً } أقم لنا ملكاً . { نُقاتِلْ فِى سبِيلِ اللّهِ } معه ، والقتال إنما يتم بملك يدبر أمره ، وينتظم به الشمل ، وترجع إليه الكلمة عند الاختلاف ، وقد قال رسول الله صلى الله عليهِ وسلم " إذا اخرجتم للسفر فأمروا عليكم بعضكم " ، ذلك فى مطلق السفر ، فكيف فى القتال أو فى السفر والقتال ونقاتل مجزوم فى جواب الدعاء ، وقرئ بالرفع على أن الجملة حال مقدرة من ضمير الجر فى قوله { ابعث لنا ملكا } ، أى ابعث لنا مقدرين للقتال ملكا ، وقرئ { يقاتل } بالمثناة التحتية ، مع الجزم على الجواب ، وبه مع الرفع على أن الجملة صفة لملكا ، وسبب طلبه نبيهم أن يبعث لهم ملكاً للقتال أنه لما مات موسى عليه السلام ، وخلف بعده فى بنى إسرائيل يوشع ابن نون يقيم فيهم أمر الله ، ويحكم فيهم بالتوراة ، حتى قبضه الله ، ثم خلف كالب بن يوقنا كذلك ، ثم حزقيل كذلك ، ولما مات حزقيل عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل ، حتى عبدوا الأصنام ، وبعث إليهم إلياس ، ودعام إلى الله ، وبعده اليسع ، وكانت أنبياء بنى إسرائيل تبعث لتجديد أمر التوراة ، ولما مات اليسع عظمت فيهم الخطايا ، وظهر لهم عدو يقال له الباشاتا ، وهم قوم جالوت ، وهم بربر وسكنوا ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين ، وهم العمالقة ، فظهروا على بنى إسرائيل ، وغلبوا على كثير من أرضهم ، وسبوا كثير من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاماً ، وضربوا الجزية على بنى إسرائيل ، وأخذوا توراتهم ، ولقى بنو إسرائيل منهم بلاء وشدة ، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم ، وكان سبط النبوة ، قد هلكوا كلهم إلا امرأة حبلى ، وحبسوها فى بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بنى إسرائيل فى ولدها ، وجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاماً فولدت غلاما فسمته أشموئيل ومعناه كمعنى إسماعيل ، تقول سمع الله دائى ، قال وهب بن منيه كان لأبى أشموئيل امرأتان إحداهما عجوز . عاقر لم تلد ولدا قط ، وهى أم أشموئيل ، والأخرى قد ولد لها عشرة أولاد ، وكان لبنى إسرائيل من عيد أعيادهم أقاموا شرائطهم فيه ، وقربوا فيه القربان ، فحضر أشموئيل وامرأته وأولاده العشرة ذلك العيد . فلما قرَّبوا قربانهم أخذ كل واحد منهم نصيباً ، وللعجوز العاقر نصيب واحد ، فكان بينهما وما بين الضرائر الحسد والبغى ، فقالت أم الأولاد للعجوز الحمد لله الذى كثرنى بولدى ، وقللك ، فحرنت العجوز لذلك حزنا شديدا ، فلما كان عند السحر عهدت إلى متعبدها فقالت اللهم بعلمك وسمعك ، كانت مقالة صاحبتى ، واستطالت على بنعمتك التى أنعمت بها عليها ، وأنت ابتدأتهم بالنعمة والإحسان ، فارحم ضعفى وارزقنى ولدا تقيا رضيا ، أجعله لك ذخراً فى مسجد من مساجدك ، يعبدك ولا يكفر بك ، ويطيعك ولا يجحدك ، وإذا رحمت ضعفى ومسكنتى ، وأجبت دوعتى ، فاجعل لى علامة أعرف بها . فلما أصبحت حاضت ، وكانت من قبل قد يئيست من الحيض ، جعل الله لها ذلك علامة للولد ، فألم بها زوجها فحملت وكتمت أمرها ، ولقى بنو إسرائيل فى ذلك الوقت من عدوهم بلاء وشدة ، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم ، فكانوا يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يشير عليهم ، ويجاهدون عدوهم معه ، وقد هلك سبط النبوة إلا هذه المرأة الحبلى ، فلما علموا بحملها تعجبوا من أمرها وقالوا لها إنما حملت نبياً ، لأن الآيسة لا تحمل إلا نبيا ، كسارة امرأة إبراهيم عليهِ السلام ، فأخذوها فى بيت لئلا تلد جارية ، فتبدل بغلام ، ولما كبر الغلام سلمته ليتعلم التوراة فى بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم ، وتبناه ، ولما بلغ أتاه جبريل عليه السلام وهو نائم إلى جانب الشيخ ، وكان الشيخ لا يأمن عليه أحدا ، فدعاه جبريل بصوت الشيخ يا أشموئيل فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ وقال يا أبتاه رأيتك تدعونى ، فكره الشيخ أن يقول لا ، فيفزع الغلام ، فقال يا بنى ارجع فنم ، فنام ثم دعاه جبريل ثانية ، فقال له الغلام دعوتنى ؟ فقال نم ، فإن دعوتك فلا تجبنى ، فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل عليه السلام ، فقال له اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك ، إن الله بعثك فيهم نبيا ، فلما أتاهم كذبوه وقالوا استعجلت بالنبوة ولم تنلك ، وقالوا له إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا تقاتل فى سبيل الله آية على نبوتك ، وفى رواية وهب أنهُ قال فى الثانية إنى سمعت من السماء صوتا وليس فى البيت غيرنا ، فقال له عيلا ارجع وتوضأ وصل ، فإن دعيت باسمك فأجب وقل لبيك أنا طوعك ، فمرنى أفعل ما تأمرنى به ، فظهر له جبريل عليه السلام ، وقال له اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك ، فإن الله تعالى بعثك فيهم نبياً ، فإن الله رحمهم بنبوتك ووحدة أمتكم حين تاهت عليها بضرتها ، فلا أحد أشد منك اليوم عضدا ، ولا أطيب ولادة ، انطلق إلى عيلا وقل له إنك كنت خليفة على عباد الله ودينه ، فقمت زمانا بأمره حاكما بكتابه ، حافظا حدوده ، فلما امتد سنك ، ورق عظمك ، وذهبت قوتك ، وقرب أجلك ، وصرت أفقر الورى إلى الله ولم ترل فقيراً إليه عطلت الحدود ، وجرت فى الخصوم ، وعملت بالرشاو المصانعات ، وأضعت للخلق الحكومات ، حتى عز الباطل وأهله ، وذل الحق وأهله ، وظهر المنكر ، وخفى المعروف ، وفشى الكذب ، وقل الصدق ، وما عاهدك الله على هذا ولا عليه أستخلفك فبئس ما ختمت به عملك ، والله عز وجل لا يحب الخائنين ، بلغه هذا وقم بعده بالخلافة ، فمضى إليه ووبخه بذلك وبإحداثه فى القربات ، وبسكونه مع فعل بنيه مع ما حرم الله ، أمره الله لا يوبخه بذلك ، فجاء العدو ، فاستخلف عيلا بنيه على العسكر ، فقتلوا وأخذا العدو التابوت فبلغه الخير ، فوقع من كرسيه فمات كما يأتى ، وطغى عليهم العدو ، وذلك بعد ما قام فيهم أشموئيل عشر سنين ، يدبر أمرهم { وقالوا ابعث لنا ملكا } الآية وقيل قال لهم أنا نبى الله إليكم مرسلا ، وكانت أنبياء بنى إسرائيل تقيم أمر ملوكهم ، وترشهدهم بالوحى من الله ، والملوك تقوم بأمر الحرب وتطيع من الأنبياء ، فقال لهم شموئيل لما طلبوا أن يبعث لهم ملكا للقتال ما حكى الله عنهم بقوله { قالَ هَل عَسَيْتم إنْ كُتِب عليْكُم القِتالُ ألاَّ تُقاتِلُوا } معنى عسى قبل أن تدخل عليهم هل الاستفهامية توقع المتكلم لمضمون الخبر ، وهو تركهم القتال جبنا ولما دخلت هل على عسى كان القياس أن ترجع الاستفهام والتقرير إلى نفس التوقع ، إلا أنه لا معنى لاستفهام المتكلم عن توقع نفسه ، ولو على سبيل التقرير ، فتعين أن تكون هل للاستفهام عما هو متوقع عنده ، وهو ألا تقاتلوا جبنا ، ويكون معنى الاستفهام التقرير بمعنى التشبيه للتوقع ، وإن كان الشائع من التقرير هو الحمد على الإقرار وألا تقاتلوا خبر عسى ، أى لعل أمركم عدم القتال ، أو لعلكم ذو وعدم القتال ، وقرأ غير نافع بفتح سين عسيتم ، وكذا فى سورة القتال ، واعترض بجملة الشرط بين اسم عسى وخبرها ، وجوابه محذوف دلت عليه عسى واسمها وخبرها . { قالُوا ومَا لَنا ألاَّ نقاتِل فى سَبِيلِ الله وقدْ أُخْرجْنَا منْ دِيَارنَا وأبْنائِنَا } ظاهر هذه الآية أنهم لم يخلصوا القتال لله ، وأنهم يقاتلون فى سبيل الله فى قولهم لأجل أنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم الجواب أنهم أرادوا الجهاد لوجه الله ، وأن كلا منهم يجاهد لكون إخوانه المؤمنين مخرجين من ديارهم ، وأبنائهم ، لا لكونه أخرج من داره وأبنائه ، فذلك إخلاص لله أو أن هذا الكلام صدر من عامتهم ، والمخلصون يخلصون الجهاد لله ، لا يعنون فيه أنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم ، وأنهم أجابوا نبيهم على عموم اللفظ ، بمعنى أنه كيف لا نقاتل فإنه لو لم تكن رغبة فى القتال لوجه الله لقاتلنا ، لأجل أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ، فلا بد من أن تقاتل لوجود مقتضيه ، أو أنهم أرادوا كيف لا تقاتل العدو وقد صدر منه ما يوجب القتال فلا نكون بقتاله ظالمين وذلك ما مر أن جالوت وقومه أخذوا ديار بنى إسرائيل ، وسبوا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين ، والواو فى { وما لنا } للربط بما قبلها ، إذ لو سقطت لجاز أن يكون ما بعدها منقطعا عما قبلها ، وما مبتدأ استفهامية إنكارية ، ولنا خبر ، { وألا نقاتل } على تقدير فى أى ، وما لنا فى ألا نقاتل أى فى عدم القتال ، أى أى منفعة لنا فى عدمه ، أو أى غرض لنا فى عدمه ، وقيل إن زائدة ناصبة وألا نقاتل حال من نا ، والواو فى { وقد أخرجنا } للحال ، وصاحب الحال ضمير نقاتل ، ومفعول نقاتل فى الموضعين ، وتقاتلوا محذوف ، أى العدو ونزل الفعل فى ذلك كاللازم على أن ليس المراد ذكر العدو . { فلمَّا كُتِب عليْهمُ القِتالُ } فرض . { تولَّوْا } عنه جبنا . { إلاَّ قليلا مِنْهُم } وهم الذين عبروا النهر مع طالوت وغيرهم لم يفروا ، وقيل عبر غيرهم ولم يقاتلوا ، وهذا القليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أهل بدر ، قال وهب بن منبه لبثوا مع أشموئيل أربعين سنة فى أحسن حال ، ثم كان من أمر جالوت ما كان . { وَاللّهُ عليمٌ بالظَّالِمِينَ } منهم بترك الجهاد ، ومخالفة أمر الله ، فيجازيهم ، أو بالظالمين مطلقاً وكذلك يكون شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدنيا ، ومن لا يصدق فى دعواه يتمنون الحرب حال السعة ، وإذا حضرت الحرب تولوا عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تمنوا لقاء العدو واسألوا العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا " .