Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 254-255)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا أنْفِقُوا ممَّا رزقْناكُم } ما وجب عليكم من الزكاة ، أصعب الأشياء على الإنسان بذلك النفس فى القتال ، وبذلك المال فى طاعة الله عز وجل ، نذكر إنفاق بعد بذل النفس لكونه شاقا صعبا ، وذلك تفسير الحسن . وقال ابن إسحاق أنفقوا فى الجهاد لما ذكر الجهاد أمر بالإنفاق فيه ، بنفق فيه ، ينفق من يجاهد ومن لا يجاهد إعانة فى الدين ، وقد مر أن الفرض فى الآية المتقدمة الإنفاق فى الجهاد فى بعض القول ، وذكر الجهاد بعده ثم أكد هنا بذكر الإنفاق أيضاً فيه ، وقيل المراد هنا الإنفاق فى وجوه البر كلها من التطوع وقال ابن جريح المراد الصدقة الواجبة ، والتطوع ، فتشمل الزكاة وصلة الرحم . { مِنْ قَبْل أنْ يأتىَ يَومٌ } هو يوم القيامة . { لا بَيْعٌ فِيهِ } فتحصلوا فيه ما تنفقون لتداركوا به ما لزمكم من الإنفاق فى الدنيا أو ندب لكم أو تحصلون ما تغدون به من العذاب أو تشترون به الجنة أو البيع الافتداء . { وَلاَ خُلَّةٌ } فيه فيغنيكم فيه أخلاؤكم فى دفع العذاب ، أو يسامحوكم به الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين والخلة الحب ، يتخلل الأعضاء ، والخليل الصديق يداخلك . { ولاَ شَفَاعةٌ } فيه فتنفعكم الشفاعة يحط ما عليكم ، ولا شفاعة { إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا } والمراد لا خلة ولا شفاعة فيه تدرك بهما ما ترك فى الدنيا ، وليس الخلة والشفاعة قيتان فيه بين المؤمنين لذلك والمتبادر من قوله { من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } أن يكون المراد بقوله أنفقوا الإنفاق الواجب ، وعلى كل حال لا مفعول لانفقوا لعدم تعلق الفرض ، أى استعملوا الإنفاق مما رزقناكم ، ومن متعلقة بأنفقوا ، وهى للابتداء أول مفعول محذوف ، ومما رزقناكم نعته ، أى أنفقوا شيئاً ثابتا مما رزقناكم ، أو متعلق بأنفقوا ، وذلك الشئ على إطلاقه فى الندب ، ومقدار الواجث فى الوجوب ، ومن للابتداء أيضاً على أن مما نعت أو للتبعيض ، ومن قبل متعلق بأنفقوا ، ومن للابتداء ولو جعلنا الأولى للابتداء وعلقناها به أيضا لاختلافهم زمانا ومكاناً ، وإذا اختلف الظرفان جاز تعلقهما بعامل واحد ، ولو بلا تبع ، نحو جلست فى الدار فى اليوم ، وخبر المبتدأ بعد لا الثانية ، والثالث محذوف كما رأيت ، أو يقدر لهما خبر واحد ، أى ولا خلة ولا شفاعة فيه ، أى ثابتتان فيه ، ويجوز أن تكون عاملة عمل ليس فى المواضع الثلاثة ، إلا أن الأكثر حذف خبرها ، ويجوز أن تعمل الثانية ، ويعطف على اسمها ما بعد الثالثة فيقدر الخبر مثنى ، ويجوز عطف مدخولهما على مدخول الأولى ، فيقدر الخبر جمعا أو مفردا بتأويل الجماعة ، أى لا بيع ولا خلة ولا شفاعة ثابتات ، أو ثابت فيه ، ولم يفتحن لأنهن فى جواب ما كان مرفوعا ، كأنه قيل هو فيه بيع أو خلة أو شفاعة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بفتحهن على البناء ، وكذا فى { لا بيع فيه ولا خلال } فى ابراهيم ، { لا لغو فيها ولا تأثيم } فى الطور . { والكافِرُونَ } أى الذين لم يشكروا النعمة بأن وحدوا الله ، وفسقوا بترك الواجب كالزكاة ، وأشركوا ، وقيل المراد بالكافرين الفاسقون بترك الزكاة ، فأما على أن الكفر يطلق على الشرك وما دونه من الكبائر فظاهر ، وهو مذهبنا ومذهب بعض متأخرى قومنا وبعض سلفهم ، وأما على أنه لا يطلق إلا على الشرك وهو باطل ، ووجههُ تشبيه تارك الزكاة بالمشرك ، لأنه ولو اعتقد وجوبها لكنه لم يعطها كما لم يعطها المشرك ، فإن الترك لها من صفات المشرك لإنكاره لها وفى ذلك تهديد وتغليظ . { هُمُ الظَّالمُونَ } لأنفسهم بما فعلوا من المعاصى ، وذلك حصر للكافر فى الظلم ، فكل كفر نفاق أو كفر شرك ظلم لا يوجد كفر إلا وفيه ظلم النفس وغيرها ، أو ظلم النفس ، وعن عطاء بن دينار أن الكافرين بمعنى المشركين ، وأنه لو قال والظالمون هم الكافرون لكان كل من فعل كبيرة مشركا ، والحمد لله إذ قال { والكافرون هم الظالمون } ، ولم يقل والظالمون هم مكافرون ، والمشرك ظالم بشركه وغيره إذ وضع العبادة فى غير موضعها . { اللّهُ لا إلهَ إلاَّ هُوَ } أى لا متأهل للعبادة سواء ، وخبر لا محذوف أى لا إله موجود ولا إله يصح أن يوجد إلا هو ، فإنه موجود واجب الوجود وألهوية غير غير موجودة ولا جائزة ، بل مستحيلة ، وقيل لا يقدر لها خبر فى ذلك ونحوه ، وفى نحو لا بأس ولا ضير ، والصحيح الأول ، لأن التصريح به فى مواضع دليل على تقديره ، حيث لم يصرح به ، وإنما لم اجعل هو خبرا لها لأنها لا تعمل فى المعرفة ، بل هو بدل من المستتر فى الخبر المقدر ، وجملة لا واسمها وخبرها خبر المبتدأ وهو الله . { الحىُّ القيومُ } الحى معناه نفى ضده فقط ، أى لا يموت ، وإلا فإنه لا يوصف بتنفس أو حركة أو سكون أو رطوبة أو يبوسة وغير ذلك من صفات الخلق ، وهو موجود مخالف للخلق من الأعراض والأجسام تعالى عن ذلك علوا كبيراً ، ويجوز أن يراد بالحى لازم الحياة فى الحملة ، أى العالم القادر ، ولا يقال كيف يمدح نفسه بالعلم والقدرة ، وهما حاصلان لغيره ، لأنا نقول قدرته وعلمه عامان دائمان لا أول لهما ، وهما نفس الذات الذى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شئ ، والقيوم صفة مبالغة كثير القيام بأمر خلقه ، وعظم القيام به كالرزق والإيجاد والإحياء والإغناء والإفقار والإعزاز والإذلال وغير ذلك مما يحتاج إليه الخلق ، وما تقتضيه الحكمة ، وذلك قول مجاهد ، وقيل القائم بلا زوال ولا تغيير ، وقيل القائم على كل نفس بما كسبت ، ونسبه بعض لمجاهد والربيع والضحاك ، ووزنه فيعول ، اجتمعت الياء والواو وقبل واو فيعول ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت فيها الياء ، وقرأ عمر وابن مسعود القيام بفتح القاف وتشديد اليام وقرئى القيم بفتح القاف وكسر الياء مشددة ، ويروى أن عيسى عليه السلام إذا أراد إحياء الموتى قال يا حى يا قيوم ، ويقال إن بنى إسرائيل سألوا موسى عن الإسم الأعظم فقال اهيا شراهيا ، أى يا حى يا قيوم . قال غالب القطان مكثت عشر سنين أدعوا الله أن يعلمنى اسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب ، وإذا سئل أعطى ، فأتانى آت فى منامى ثلاث ليال متواليات يقول يا غالب ، يا فارج ، ويا كاشف الغم ، يا صادق الوعد ، يا موفى بالعهد ، يا منجز الوعد ، يا حى يا قيوم لا إله إلا أنت ، ويقال إن دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يا حيى يا قيوم ، وعن على لما كان يوم بدر جئت أنظر ما يصنع النبى عليه الصلاة والسلام فإذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم ، فترددت مرات وهو على حاله لا يزيد على ذلك ، إلى أن فتح الله له ، وهذا يدل على عظمة هذا الاسم ، وعن ابن مسعود كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل بهم هم أو غم قال " يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث " وعن أنس قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة " ما منعك أن تسمعى ما أوصيتك به تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حى يا قيوم ، برحمتك أستغيث أصلح لى شأنى كله ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين " وعنه صلى الله عليه وسلم " { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } الآية تعدل ثلث القرآن " وورد أنه من قرأها أول ليلة أو نهاره لم يقربه شيطان ، وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم " لكل شئ سنام وأن سنام القرآن البقرة وفيها آية هى سيدة آى القرآن آية الكرسى " ، قال الغزالى كانت سيدة آى القرآن لأن فيها الإسم الأعظم الحى القيوم ، وعن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " " أى القرآن أعظم ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " سورة البقرة ، قال أتدرون أيها أعظم ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } " الآية وعن ابن عباس أشرف سورة فى القرآن سورة البقرة ، فقيل له أيها أعظم قال آية الكرسى وعنه صلى الله عليه وسلم " أن أعظم آية فى القرآن آية الكرسى من قرأها بعث الله ملكاً يكتب من حسناته ويمحو من سيآته إلى الغد من تلك الساعة " وقال " من قرأ آية الكرسى فى دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت " ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعة آمنه الله على نفسه وجاره ، والأبابيات حوله . وعنه صلى الله عليه وسلم " إذا قرأتها حين أوى إلى فراشك لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح " ومن حديث أبى هريرة المشهور حين ترصد للذى يأخذ تمره وعلمه فى المرة الثالثة وهو شيطان " إن قارئ آية الكرسى لا يقرب شيطان بيته " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " يا أبا المنذر أتدرى أى آية من كتاب الله معك أعظم " ، قلت لا إله إلا هو الحى القيوم . فضرب فى صدره وقال " ليهنك العلم أيا أبا المنذر " وعن واثلة " أن النبى صلى الله عليه وسلم جاءهم فى صفة المهاجرين فسأله إنسان أى آية فى القرآن أعظم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } " وعن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " من قرأ حين يصبح آية الكرسى وآيتين من أول { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } حفظ يومه حتى يمسى ومن قرأها حين يسمى حفظ ليلته تلك حتى يصبح " ومعنى أن هذه السورة أو هذه الآية أفضل أو أعظم أو نحو ذلك ؟ أن الثواب المتعلق بها أكثر ، وقال أبو الحسن الأشعرى والباقلانى فضل وأعظم بمعنى فاضل وعظيم ، وقال ولو بقيا على التفضيل لزم تنقيص بعض القرآن ، بل أكثره ، والجواب بقاءه على معنى عظم الثواب ، ولا يسأل الله لم جعلت فى قراءة كذا ثوابا أعظم من ثواب كذا ، وأيضاً يلزمهم ذلك أيضاً فى عظيم وفاضل لأن مقابلهما ناقص ، ولا ناقص فى القرآن ، وإن كان كله عظيما وفاضلا وهو الواقع فما فائدة تخصيص بعض ؟ قال العلماء تميزت آية الكرسى بكونها أعظم آية فى القرآن لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الألوهية والوحدانية والحياة والعلم والقيومية والملك والقدرة والإرادة ، والله تعالى أعظم مذكور ، فما كان له ذكرا من توحيد وتعظيم كان أعظم الأذكار ، فالله إشارة إلى الذات لا إله إلا هو إشارة إلى توحيد الذات ، الحى القيوم إشارة إلى الصفات الذات أو جلاله ، فإن معنى { القيوم } الذى يقوم بنفسه ويقوم به غيره ، وذلك غاية الجلال والعظمة ، و { لا تأخذه سنة ولا نوم } ، تقديس له من صفات الحادث له ما فى السماوات وما فى الأرض ، إشارة إلى الأفعال كلها ، وأن جميعها منه وإليه { من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه } ، إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر ، وأن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والإذن فيها ، وهذا نفى الشركة عنه فى الحكم ، والأمر { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } إلى قوله { شاء } إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات ، والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته ، { وسع كرسه السماوات والأرض } ، إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته ، { ولا يؤوده حفظهما } إشارة إلى صفة القدرة وكمالها وتنزيها عن الضعف والنقصان ، { وهو العلى العظيم } إشارة إلى أصلين عظيمين فى الصفات ، وقال بعض من أثبت التفضيل فى القرآن بعضه على بعض ، أن مرجعه إلى ذات اللفظ فلفظ التوحيد أفضل من غيره ، وقيل إلى أشياء كالعمل ، فآيات الأمر والنهى أولى من غيرها ، وإلى ذات مسمى اللفظ ، فلفظ التوحيد أفضل ، وإلى تعجيل الثواب كاية الكرسى والإخلاص والمعوذتين ، فإن قارئها يتعجل بقراءتها لاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله ، وتنادى بتلاوتها عباد الله تعالى والثواب لما فيها من التوحيد ، وممن أثبت التفضيل إسحاق بن راهوية ، وابن العربى والغزالى والقرطبى وممن منعه ابن حبان ومالك ويحيى بن يحيى ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد سورة دون أخرى ، ويعترض بحديث الذى يقرأ سورة الإخلاص وحدها فى جميع صلاته ، فقال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحبك لحبها " والحى خبر محذوف ، أى هو الحى القيوم ، والقيوم خبر ثان ، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا وثالثا للفظ الجلالة وأن يكون بدلا منه ، وأجاز الكسائى وصف ضمير الغيبة ، فيجوز على قوله إن يكونا نعتين لهو ، ويجوز أن يكونا نعتين للفظ الجلالة ، لكن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر ، وقيل هو جائز حسن لا محذور فيه كقولك زيد قائم الفاضل ، ويدل للوصف قراءة الحى القيوم بالنصب على القطع ، وإنما يقطع النعت . { لاَ تَأخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَوْمٌ } السِّنةُ فتور يتقدم النوم وتاؤه عوض عن فائه المحذوفة وهى واو . قال الرقاع . @ لولا الحياء وأن رأسى قد غشى فيه المشيب لزرت أم القاسم وكأنها وسط النساء أعارها عينيه أحولُ من جآذر جاسم وسنان أقصَده النعاس فرنَّقت فى عينه سِنة وليس بنائم @@ وقيل السنة ذلك الفتور ، وهى النعاس أيضاً ، وقيل السنة فى الرأس ، والنعاس فى العين ، والنوم فى القلب ، وقدمها فى الذكر لتقدمها فى الوجود عن النوم ، والإفقياس المبالغة تقديم النوم ، والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا وهذه الجملة تأكيد لقوله { الحى القيوم } ، لأن النائم والناعس قاصر الحفظ والتدبير ، ولذلك لم يدخل العاطف على قوله لا تأخذه وكذا قوله { لهُ ما فى السماوات وما فى الأرض } تأكيد للحى القيوم ، ولقوله { لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم } ، لأن تدبير الكائنات فى السماوات والأرض لا يستقيم مع النوم . والنعاس ، وفيه احتجاج على تفرده بالألوهية ، والمراد بما فى السماوات وما فى الأرض ما وجد فيهما ، وهو غيرهما كالحيوانات والنبات والملك وبنى آدم ، ومنهما كالخاصيات التى أودع الله الأرض من قوة النبت والحرارة والبرودة ، وكل جزء من أجزائهما فإنه كلما فرضت جزءاً على حديث صح أن يطلق عليه أن جملة السماء أو فى جملة الأرض ، وقال بنو إسرائيل لموسى هل ينام ربنا ؟ فقال موسى على لسانهم كما سأل عن الرؤية على لسانهم لا اعتقاد الملائكة أينام ربنا ؟ فأوحى الله للملائكة أن يوقظوه ثلاثة ليال ولا يتركوه ينام ، ثم قال خذ بيدك قارورتين مملوءتين ، ففعل فألقى الله عليه النعاس فجعل ينعس وينتبه حتى نعس نعسة فهرب أحدهما على الأخرى لفشل يديه فانكسرتا ، فأوحى الله إليه قل لهؤلاء إنى أمسك السماوات والأرض بقدرتى ، فلو أخذنى نوم ونعاس لزالتا . رواه ابن عباس ولم يذكرونه على لسان قومه ، بل قال سأل الملائكة ، وعن أبى هريرة أنه سمع على المنبر رسول صلى الله عليه وسلم يقول " وقع فى نفس موسى هل ينام الله ؟ " وذكر مثل ما مرَّ عن ابن عباس من أنه سأل الملائكة ، ولعله وقع فى قلبه ضرورة ولم يعتقده ومع ذلك لأجل زيادة الفائدة . { مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدهُ إلاَّ بإذْنِهِ } الاستفهام إنكارى فهو نفى بدليل إلاَّ ، أى انتقى لعظم شأنه تعالى وكبريائه أن يخلص أحدا غيره منه تعالى بتوسل وخضوع إليه ، فكيف يخلصه عبادا ومحاربة إلا بأن يأذن له فى الشفاعة ، وكيف تشفع الأصنام الجمادات لعبادها مع ضعفها ، ومع أنها تلعن عابديها ، زعم المشركون أنها تشفع لهم فنزلت الآية مخبرة أنه لا شفاعة لأحد عنده إلا بإذنه ، وإنما يشفع الأنبياء والمؤمنون ، وعنده متعلق بيشفع أو بمحذوف حال من ضمير يشفع ، والمعنى على الأول من ذا الذى يوقع عنده الشفاعة ، وعلى الثانى من ذا الذى يشفع حال كونه قريبا إليه تعالى عن النسب ، وقرب المسافة ، وهذا أقوى ، فإنه إذا كان لا يشفع القريب فكيف يشفع البعيد ، والباء متعلقه بقوله { يشفع } أى لا يشفع أحد عنده بأمر من الأمور إلا بإذنه أو بمحذوف حال من المستتر فيه ، أى لا يشفع فى حال إلا ثابتاً بإذن الله ، ومن ذا اسم استفهام مركب خبر ، والذى مبتدأ أو بالعكس أو من مبتدأ أو بالعكس ، والذى تابع وقيل ذا زائد . { يَعْلَم ما بَيْنَ أيْدِيِهِم وما خَلْفَهم } قال مجاهد وعطاء والسدى { ما بين أيديهم } ما قبلهم من أمور الدنيا وما خلفهم ما بعدهم من أمور الآخره ، وقال الضحأك والكلبى . بالعكس لأنهم يقدمون على الآخرة ويخلفون الدنيا . وراءهم وقال عطاء عن ابن عباس { ما بين أيديهم } ما من السماء إلى الأرض { وخلفهم } السماوات ، وقيل { ما بين أيديهم } ما بعد انقضاء آجالهم وما خلفهم ما قبل أن يخلفهم ، وقيل بالعكس ، وقال الحسن ما بين أيديهم من خير أو شر ، وما خلفهم وما يفعلونه بعد ، وقيل بالعكس ، وقيل { ما بين أيديهم وما خلفهم } ما يحسونه ، وقيل بالعكس ، وقيل ما بين أيديهم ما يدركونه ، وما خلفهم ما لا يدركونه ، وعلى كل حال فالمراد أن عالم بأحوال الشافع والمشفوع والمشفوع له ، فيما يتعلق باستحقاق الثواب والعقاب ، والهاء فى أيديهم وما خلفهم لما فى السماوات والأرض ، لأن فيه العقلاء فغلبهم على غير العقلاء ، والمراد العقلاء وغيرهم ، أو عائد إلى ما دل عليه { من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه } من الملائكة والأنبياء والمؤمنين ، فيكون المراد العقلاء وخاصة . . { ولاَّ يُحيطُون بِشَىءٍ مِنْ عِلْمهِ إلاَّ بما شَاءَ } أى لا يعلمون شيئا من جميع وجوهه ، وجوده وجنسه ، وقدره إلى ما شاء الله أن يعلموه ، فالإحاطة بالشئ معرفته من كل وجه ، والعلم المعلوم ، أى من معلوماته ، وعطف الجملة على ما قبلهما لأنهما معاً فى تفرده تعالى بالعلم الذاتى التام ، وإنما أثبت ما شاء لخلقه ، لأن العلم بمعنى المعلوم ، فالمعلوم واحد والعلم مختلف ، علم الله ليس كعلم المخلوق ، ويجوز أن يكون ما شاء ما علمه الناس بالوحى . { وَسِعَ كُرْسِيه السماوات والأرْضَ } هو جسم عظيم محيط بالسماوات والأرض أمام العرش ، لقوله صلى الله عليه وسلم " ما السماوات والأرضون السبع مع الكرسى إلا كحلقة فى فلاة وفضل العرش على الكرسى كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " ومعنى إحاطته بالسماوات والأرض أنه أوسع منهن ، فإنه أمام العرش دون العرش فوق السماوات السبع ، وقال صلى الله عليه وسلم " السماوات السبع فى الكرسى إلا كدراهم سبعة ألقيت فى ترس " ، رواه ابن عباس ، وذكروا أن كل قائمة من قوائم الكرسى طولها مثل السماوات والأرض ، وأن الكرسى تحمْلهُ أربعة أملاك ، لكل ملك أربعة أوجه وأقدامهم على الصخرة التى تحت الأرض السابعة السفلى ، ملك على صورة آدم يسأل الرزق والمطر لبنى آدم من السنة إلى السنة ، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للأنعام من السنة إلى السنة ، وملك على صورة الأسد يسأل الرزق للوحوش من السنة إلى السنة ، وملك على صورة النسر وهو يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة ، وأن بين حملة الكرسى وحملة العرش سبعين حجابا من ظُلْمة ، وسبعين حجابا من نور ، غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام ، ولولا ذلك لاحترقت حملة الكرسى من نور حملة العرش ، وقال السدى الكرسى تحت الأرض ، والصحيح الأول وعليه فقيل يمكن أن يكون هو فلك البروج . وقال الحسن الكرسى هو العرش ، لأن السرير يوصف بأنه عرش ، وبأنه كرسى ، لأن كلا منهما يتمكن عليه المخلوق ولا يوصف الله بالعقود ولا بالقيام ولا بالتحيز ، ولكن العرش والكرسى خلقان من مخلوقاته ، كما خلق السماوات والأرض لحكمة ، والكرسى فى الأصل اسم لما يقعد عليه الإنسان ولا يفضل عن مقعدته ، وكأنه منسوب فى الأصل إلى الكرسى بكسر الكاف ، وهو الأبوال والأبعار المتلبد بعضها على بعض ، وقد قيل إن كراسة الكتاب سميت لتركب بعض أوراقها على بعض ، وقال ابن عباس كرسيه تعالى علمه ، كما يطلق على كرسى العالم على علمه تسمية لصفة العالم باسم مكانه الذى هو الكرسى ، أو تشبيها للعلم بالكرسى ، من حيث إن كل واحد منهما أمر يعتمد عليه ، وقيل كرسيه ملكه ، لأن الملك يجلس على الكرسى ، فيسمى الملك بالضم باسم مكان الملك بفتحها ، لأن الكرسى محل الملك ، فيكون محلا لملكه ، وفى الميم قبل الكرسى هو الاسم الأعظم ، لأن العالم يعتمد عليه ، وقد قيل سميت كراسة الكتاب لما فيها من العلم ، وهذا يناسب القول الأخير والقول بأن كرسيه علمه ، وقيل قوله { وسع كرسيه السماوات والأرض } تمثيل لعظمته تعالى ، وليس المراد الجسم المذكور فى الأحاديث ، وفيه خروج عن الظاهر ، ووجهه أنه تعالى خاطب الخلق بما يعرفون فى ملوكهم ، كما جعل الكعبة بيتاً يطوف الناس حوله ، كما يطوف بيوت ملوكهم ، وأمر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم ، وذكروا أن الحجر الأسود يمين الله فى أرضه ، جعله موضعاً للتقبيل ، كما تقبل الناس أيدى عظمائهم ، وكما أثبت الميزان بمعنى تجويد الحساب وإتقانه ، فكذلك أثبت العرش والكرسى . { ولا يؤُده حفظُهما } لا يثقله حفظ هذين الفريقين الاثنين أحدهما السماوات والآخر الأرض ، من الأود بمعنى الاعوجاج ، ومن حمل ثقيلا يميل به جسده ، يقال آده بمعنى أثقله ، ولحقته منه مشقة وحفظ مصدر مضاف للمفعول ، والفاعل غير مذكور ، وهو الله ، أى حفظه إياهما مع عظمهما ، فلا يشق عليه شاق . { وهُوَ العَلىُّ } على القدر والشأن لا علو المكان لتنزهه عن المكان فهو علىَّ عن صفات النقص من الشبه والشركة ، وصفات الخلق كلها فهو قاهر ما سواه ، لا يساوى ولا يدانى ، ولا يعلى عليه ، وقيل معناه تنزهه عن أن يحيط به وصف الواصفين وإدراك المدركين ، وقيل معناه أن الملك له وحده والقهر وما لغيره عارية منه . { العَظِيمُ } المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه ، فهو عظيم الشأن حتى لا يحيط به فهم ، لا عظم مقدار لتنزهه عن الجسم كما تنزه عن العرض .