Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 265-265)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمثَلُ الَّذينَ ينْفِقُون أمْوالَهُمُ } نفقة تطوع وفرض كزكاة . { ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ } لأجل طلب رضى الله ، وهو أن ينعم عليهم فى الآخرة ولا يعذبهم ، ويقبل أعمالهم ويذكرهم بخير ، فذلك لازم رضى الإنسان فى الجملة ، فاستعمل الرضى فى حق الله بمعنى لازم الرضى فى الجملة لاستحالة حقيقة رضا المخلوق ، عن الله تعالى فهو صفة فعل ولك أن تقول صفة ذات بمعنى علمه الأولى بكون المرء سعيداً وعمله منزله فى الآخرة وابتغاء مفعول لأجله مصدر ابتغى وهو ظاهر على صفة الفعل ، وأما على صفة الفعل فصحيح أيضا وجهه إنا تعبدنا بالكسب مع أن قضاء الله لا يتخلف ، ومرضاة مصدر مفرد ، وجر تائه فى السطر مخصوص بالمصحف عندى ، وفيه شذوذ آخر وهو لحاق التاء ، لأن المصدر الميمى لا تلحقه لتاء إلا سماعا . { وَتثْبِيتاً مِنْ أَنفُسِهِم } من بمعنى لام التقوية ، أى وتثبيتا لأنفسهم على الإسلام بأن ينفقوا أموالهم بقصد البقاء على الدين ، لأنهم لو لم ينفقوا الواجب لفسقوا أو لم ينفقوا للتطوع للحقهم نقصان ، لأن النفل يقوى الفرض ، ومن لا يزداد نقص ، ويجوز أن يكون نصبهما على الحال ، أى مبتغين مرضاة الله ومثبتين لأنفسهم على الدين ويقدر الأول مضاف بأن إضافته لفظية فيعتبر التأويل بعد الإضافة أو بالإضافة اللفظية ، فلا يشكل كون اللفظ ابتغاء معرفة ، ويجوز أن يكون المعنى وتثبيتا لأنفسهم بعض تثبيت ، والتثبيت الآخر ، إنفاق أنفسهم باستخدامها بالغزو أو الحج أو طلب العلم أو نحو ذلك من وجوه الأجر ، أو بكون المعنى تثبيتا لبعض أنفسهم بالإنفاق كان المال بعض النفس ، فإنفاقه تثبيت لبعضها ، واستعمالها فى أنواع الخير تثبيت لبعضها الآخر ، وذلك أن المال شقيق النفس ، ويجوز بقاء من على أصلها وهو الابتداء أى ، تثبيتا صادر أو ثابتا من أنفسهم للإسلام ، وتثبيت الإسلام تقريره التصديق به ، فإن العمل بمقتضى التوحيد تقدير له ، والعمل بما هو إسلام تقدير لسائر الأعمال التى هى إسلام ، ولا سيما ذلك النوع المعمول بنفسه أو بقدر معمول التثبيت الثواب أو الجزاء أو نحو ذلك ، ومن للابتداء ، أى وتثبيتا من أنفسهم بالإنفاق للثواب ، أى ينفقون ابتغاء مرضات الله وتحصيلا للثواب ، ويجوز أن يكون المعنى مبتغين مرضات الله ، ومثبتين صدقاتهم على الوجه النافع كما قال مجاهد والحسن معنى قوله { وتثبيتا } أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم ، قال الحسن البصرى كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كانت لله خالصة أمضاها ، وإن خالطها شك أو رياء أمسك ، وإما أن يريد تفسيرا بالمعنى ولا إشكال ، وإما أن يجعل تثبيتا بمعنى التثبت ، فبطريق اسم المصدر فيضعف ولا يمتنع كما زعم بعض ، لأن الغالب فى طريق اسم المصدر أن يذكر فعل المصدر ليدل ، وبطريق المجاز الإرسالى لعلاقة التسبب أو اللزوم فواضح ، وذلك أن التثبيت سبب للتثبيت أو بالعكس ، أو ملزوم له أو بالعكس ، ومثل قولهما قول بعض إن المعنى أن أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله إياها فيما أنفقت ، وقرأ مجاهد وتبيينا من أنفسهم وهكذا ، كما يقال المعنى تثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان ، مخلصة فيه ، أى على طريق التحبب إلى المؤمنين لو جربه فى الجملة ، ولا يحتاج فى التشبيه إلى تقدير محذوف ، لما مر أن التشبيه المركب لا يلزم فيه مطابقة كل فرد لمقابله ولصحة تشبيه الذى أخلص نفقته وأرباها بجنة أتت أكلها ضعفين ، فى أن كلا خرج منه ما يرغب فيه ، فهذه مطابقة فرد لمقابله فلا تحتاج إلى تقدير مثل الذين ينفقون إلخ كمثل غارس جنة نعم تزيد المطابقة بهذا التقدير . { كَمَثَل جَنَّةٍ } أى بستان ، قال الفراء إذا كان فى البستان نخل فهو جنة ، وإن كان فيه شجر العنب فهو فردوس . { بِرَبْوةٍ } أى فى ربوة ، أى فى أرض مرتفعة ومصب ماء المطر الذى تسقى منه أعلى منها ، وخص الربوة لأن شجرها إذا كان غير ناقص السقى يزيد على غيره فى حسن المنظر ونموّ التمر ، لاجتماع الشمس والهواء المتوسط الطيب مع السقى التام ، وإنما لا يحسن ولا يمنمو لو كان الهواء كثيرا أو غير طيب ، أو لا يرتفع إليه الماء قليلا ماء العين أو المطر ، والآية فى ماء المطر ، ويجوز أن يكون المراد بالربوة الأرض التى تربو وتنتفخ إذا نزل عليها المطر ، وكانت طيبة أسفل من مسقاها كما قال الله تعالى { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } وبربوة نعت لجنة . وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء ، وقرأ ابن عباس بكسرها ، قال الأخفش ويختار الضم إذا لا يكاد يسمع فى الجمع إلا الربا بالضم فهو كغرفة وغرف ، وصورة وصور ، وقرأ بعضهم رباوة بكسر الراء بوزن رسالة ، وقرأ بعضهم بفتحها بوزن كراهة وذلك كله لغات . { أصَابها وَابِلٌ } هذه الجملة نعت ثان لجنة ، أو حال لها أو لغيرها فى ربوة أو نعت لربوة ، وذلك أن يصيب الوابل الربوة ، والجنة بعض من الربوه بل لو لم يكن ربوة إلا الجنة لصح أن يقال إن تلك الجنة فى ربوة ، لأن الشجر والنخل ثابت فى أرض مرتفعة الأعلى ، وما يليه تحتها أيضا مرتفع ، فهى ومنابتها فى أرض عالية ، ولا سيما أنه لا بد أن يكون وراء الشجرة أو النخلة شئ من الأرض ، ولو قليلا ، جدا والوابل المطر الشديد القطر . { فآتتْ أكُلَها } المفعول الأول محذوف ، أى أعطت أهلها أو فالمفعول صاحبها على تضمين معنى أعطت وهكذا أولت كلامهم ، وأما على بقاء أتت على أصله من معنى صيرت أكلها اتيا أهلها أو صاحبها ، المحذوف ثان ، ويجوز أن يكون آتت مضمنا معنى أخرجت ، فيكون له مفعول واحد ، وأكلها بضم الهمزة مأكولها أى المأكول المتولد منها وهو ثمرتها ، وقرأ فى جميع القرآن غير نافع وابن كثير وأبى عمر وأكلها بضم الهمزة ولكاف بمعنى المأكول ، والمعنى فى ذلك كله ما من شأنه أن يؤكل . { ضِعْفَيْن } من أكلها أى مضاعفا ، أى مثلى ما كنت تثمر ، على أن ضعف المثل المقرن بالآخر ، كما أن الزوج هو الواحد المقرون بالآخر ، وقيل أربعة أمثاله على أن الضعف اثنان ، الضعف الآخر اثنان ، فذلك أربعة أمثال وهو الأصل فى الضعف الواحد أنه اثنان ، فالضعفان أربعة ، وعلى الأول ابن عباس ، قال حملت فى سنة من الريع ما يحمل غيرها فى سنتين من الريع . { فَإنْ لَمْ يُصِبها وَابِلٌ فَطَلٌّ } أى من شأن تلك الجنة أو الربوة أن تصاب بالماء أو بالوابل أو بالطل ، خلقها الله كذلك ، فهذه الجملة فى حيز الوصفية أو الحالية للعطف على آتت أكلها الذى هو فى حيزهما للعطف عليهما ، فالذى يصيبها طل فهو خبر لمحذوف ، أو فطل يصيبها ، فهو مبتدأ خبره محذوف ، وسوغ الابتداء به وقوعه بعد فاء الجواب ، أو فيصيبها طل فهو فاعل لمحذوف ، وقرن بالفاء فى الأخير مع أن الفعل يصلح شرطا وهو يصيب ، لأنه محذوف فاحتاج الباقى إلى الربط بالشرط والطل المطر الخفيف الضعيف ، ويقال له طش يكفى تلك الجنة أو الربوة لجودة أرضها ، وتلك الربوة وبرد هوائها لارتفاعها ، ومعنى التمثيل بذلك أن نفقات الذين ينفقون ابتغاء مرضاة الله ، وتثبيتا من أنفسهم زاكية عند الله لا تضيع بحال ، بل لا بد أن يكترثوا بها لكثرتها ، أو المبالغة فى إخلاصها وتجويدها ، أو يكون ذلك لوقوعها بغلة أو بإخلاص ، وتجويد دون الإخلاص والتجويد ، كما أن الجنة أو الربوة كذلك ، إذا قدر الله أنها يصيبها الماء ، ولا بد فالتمثيل مركب بأن شبه حال النفقة النامية بسبب انضمام الابتغاء والتثبت الناشئ من المصدق ، والإخلاص إليها بحال جنة النامية زاكية بسبب الربوة ، والوابل والطل ، ووجه الشبه النمو المترتب على السبب المؤدى إليه ، ويجوز أن يكون مفردا بأن شبه تقربهم إلى الله وحسن حالهم عنده بثمرة الجنة ، ووجه التشبيه الزيادة ويشبه نفقاتهم الكثيرة والقليلة بالمطر القوى والضعيف ، لأن النفقتين تزيدان حسن حالهم والمطران يزيدان ثمر الجنة . { واللّهُ بما تَعْمَلُون بَصِيرٌ } لا يخفى عنه إخلاص المخلص ومَنِ المانّ وإيذاءُ المؤذى .