Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 31-31)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَعَلَّمَ } هذا نص فى جواز إسناد التعليم إلى الله - تعالى - ولا ينطلق عليه أنه معلم لأن أسماءه توقيفية . وقال القاضى لاختصاص المعلم بمن يحترف بالتعليم . { آدم } وقرئ ببناء علم للمفعول ، ورفع آدم وهو اسمه صلى الله عليه وسلم ، ويكنى أبا محمد ، باسم نبينا - محمد - صلى الله عليه وسلم - ويكنى أيضاً أبا البشر . وتكنيته بأبى محمد مزية وخصوصية للنبى - صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن بغيره من أولاده . { الأَسْمَاءَ كُلَهَا } إما بإلهام ، وهو أن يلقى فى قلبه أسماءها بلا سابقة اصطلاح ولا كلام ، وهو من أنواع التعليم ، فان التعليم المتأثر تصيير الشىء عالماً ، سواء بكلام أو إشارة إو إلهام . ومطلق التعليم إحضار أسباب العلم ، فإن تأثرت قبل علمه فتعلم ، وإن لم تؤثر قبل علمه فلم يتعلم { رب زدنى علما } وإما بخلق علم ضرورى فيه بتلك الأسماء ، كما خلق فينا معرفة أن مسمى الاثنين المتساويين أكبر من مسمى أحدهما ، وإما بواسطة ملك ، وإما بخلق كلام فى الهواء ، أو فيما شاء من مخلوقاته يسمعه ، هكذا قلت ، مستخرجا لتلك الأوجه ، ثم رأيت بعضاً - والحمد لله - ذكرها أقوالا بل بعضها ، إذ قال هذا التعليم إلهام عند قوم وتعليم بواسطة ملك ، أو بتكليم قبل هبوط الأرض ، فلا يشارك موسى - عليه السلام - فى خاصته . وقال عبد الله بن أبى حجرة ، وهو مغربى غير أندلسى لكنه دخل الأندلس تعليمه سبحانه لأدم الأسماء كلها ، إنما كان بالعلم اللدنى بلا واسطة . وآدم اسم عجمى لا عربى ، فإذا كان عجمياً لم يصح أن يقال مشتق من الأدمة ، بضم الهمزة وإسكان الدال ، كما قيل إن لونه أدمة ، وبه قال الشيخ هود ، بفتح الهمزة والدال ، بمعنى القدوة بالواو ، من حيث إنه إمام فى الخير وأصل لأولاده ، ولا من أديم الأرض من حيث إنه خلق من أديمها ، أى وجهها ، ولا من الأدم أو الأدمة ، بسكون الدال ، بمعنى الألفة لأن الاشتقاق من خصائص العربية فلا يقال أيضاً إدريس من الدرس ولا يعقوب من العقب ولا إبليس من الإبلاس ، وهو انقطاع الرجاء . اللهم إلا أن يقال إن الأدمة والأديم والأدم والأدمة وردت فى تلك اللغة فى تلك المعانى ، ووافقت فيها العربية ، وكذا فى إدريس ويعقوب وإبليس ، لكن يحتاج إلى دليل على ورود هذه الألفاظ فى العجمة ، موافقة لمعانيها العربية . ثم ظهر لى أنه لا مانع من الاشتقاق فى العجمة . ألا ترى أنا نقول فى لغتنا البربرية ءاسوا ، بهمزة مفتوحة فألف فسين ساكنة فواو مفتوحة ، بمعنى الشرب ويسوى وبياء مثناة مفتوحة فسين ساكنة فواو مضمومة ممدودة بواو ساكنة بعدها . بمعنى شرب ولو كانت التصاريف لا تكمل فيها ، وإنما الحجة عدم الدليل على توافق معانى تلك الألفاظ فى العجمة لمعانيها فى العربية ، ولا على ورودها فى العجمة ، فيشتق منها آدم ، فإذا تقرر أنه عجمى فاعلم أن وزنه فاعل كآزر وشالخ ، بفتح العين والزاء واللام ، وبذلك قال الزمخشرى والقاضى فى تفسيرهما . قلت إذا قيل بعجمته فوزنه بذلك وزن طبعى لا صرفى ، لأنه إذا كان عجمياً فيما نعرف أن ألفه فى العجمة زائدة ولعلها أصل ، والزائد هو الهمزة قبلها ، اجتمعت الهمزتان فقلبت الثانية ألفاً . ولعلهما معا أصلان . وقال الزمخشرى فى مفصله إنه عربى وزنه أفعل فالزائد الهمزة والألف بدل من همزة أصلية . والله أعلم . والمراد بأسماء الألفاظ الدالة على مسميات سواء كانت أسماء نحوية ، وهى ما قابل الأفعال والحروف ، أو كانت أفعالا ، أو كانت حروفا ، وإطلاق الاسم على ذلك كله ، وعلى كل ما يدل على الشىء ويدفعه إلى الذهن ، ولو بلا تلفظ . وأصل اللغة ثم اشتهر لفظ الاسم عرفاً فى كل لفظ دل على مسمى ، ثم فى مقابل الحرف والفعل وقل فى الحرف والفعل ، ثم خص فى النحو بمقابل الفعل والحرف . فإن الله - سبحانه وتعالى - علم آدم الأسماء ومعانيها ، والأفعال ومعانيها ، والحروف ومعانيها . ووجه تعميم ذلك كله بلفظ الاسم أن اللفظ يرفع المعنى إلى الذهن ، ويكون عليه علامة فقام علامة على معناه ، وبه يرتفع معناه إلى الذهن . وكذا إن وما أشبههما من الأفعال والحروف والمراد فى الآية المعنى الذى ذكرت أنه أصل اللغة ، أو المعنى الثانى العرفى ، وهو يستلزم الأول لأن العلم بالألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعانى ، وقيل علمه الألفاظ فقط - وهو ضعيف - لخلوه من عظم الفائدة . واستدل مكى والهدوى بالآية على الاسم هو المسمى ، ولا دليل فى ذلك ، وليس تصحيح مذهبنا متعلقا بهذه الآية ، فى كون الاسم هو المسمى . بل الحق أن الاسم فيها هو اللفظ ولا نكر إطلاق الاسم على اللفظ فى سائر الكلام ، فإن قلت فبأى لغة علمه الأسماء ؟ قلت قد صح فى حديث أبى ذر أن آدم سريانى ، فيقول عمله باللغة السريانية سرا عن الملائكة . وجزم بذلك الشيخ هود . قال ابن عباس علمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة . وقيل علمه كل لغة ، وإن الأسماء بمعنى اللغات ، وعلمهن أولاده ، وكلما كثروا وتفرقوا فى البلاد اقتصر كل قوم على لغة . وعلى الأول فباقى اللغات بالوضع . قيل خلق الله كل حيوان وجماد وماء ونبات ، وعلم آدم الأسماء كلها . هذا بعير وهذا جمل وهذه ناقة وهذا جبل وهذه أرض وهذا فرس وهذه شاة … وهكذا . قال الكلبى علمه أسماء الخلق ، ثم حشر الدواب والسباع والطير وما ذرأ فى الأرض . قال ابن عباس وقتادة ومجاهد علمه اسم كل شىء من جميع المخلوقات ، دقيقها وجليلها ، وقيل علمه منافع كل شىء ولماذا يصلح . ونسبة بعضهم للجمهور وليس كذلك . بل الجمهور يقولون أسماء المسميات كلها ، ووجه ذلك القول أن المنفعة العظمى تحصل بمعرفة المنافع . وقال الطبرى علمه أسماء ذريته والملائكة ، وقيل أسماء ذريته ونسب لعبد الرحمن . وقيل أسماء الملائكة ونسب للربيع بن أنس . وقيل إن الأسماء بمعنى المسميات وأنه علمه الأشخاص والمسميات كلها . والجمهور على أنه علمه الأسماء كما يدل له { أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هَؤُلآءِ } واستدل من قال الأشخاص والمسميات بقوله { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } فيجاب بتعليم أن المعروض الذوات ، لكن دل عليها الأسماء لاستلزامها المسميات . وليست الأسماء هى المسميات واستخبرهم عن أسمائها . والتحقيق أن الله - سبحانه تعالى - علمه الأسماء وأن التعليم ، إن وقع بخلق علم ضرورى فيه أو بإلهام ، أو بخلق كلام يسمعه ليظهر إيثاره كل الظهور إذ علمه ما لم يعلمهم ، وإن وقع بواسطة ملك فوجه الإيثار أنه حفظها بمرة ، ولم يجعل الملائكة تقدر على ذلك ، وهذا أيضاً موجود فى الأوجه المذكورة . وفى الآية دليل على أن اللغات توقيفية ، إذ علم الله آدم الأسماء وعلقها له على مسمياتها ، ولا يظن أحد أنها وضعها قبل آدم للملائكة أو الجن . { ثم عرضهم على الملائكة } تعجيز لهم ، وضمير النصب فى عرضهم عائد إلى المسميات ، المدلول عليها بذكر الأسماء ، فإن الاسم لا يتحقق بلا مسمى ، وأيضاً الأصل . وعلم آدم الأسماء المسميات . فحذف المضاف إليه وعوض عنه أل ولا نقول الأصل . وعلم آدم مسميات الأسماء ، لأن الأصل فى التعليم أن يكون فى اللفظ ، أو فيه باعتبار الذات ، ولقوله { أنبئونى بأسماء هؤلاء } ولم يقل عرضها أو عرضهن تغليباً للعقلاء ، إذ من جملة ما عرض عليهم الجن والملائكة ، فبنى آدم بالتصوير أو بالإشارة إلى آدم ، فلم يعرفوا أن بعضاً منهم يسمى الكروبيين ، وبعضا المقربين ، وأن بعض الجن يسمى عفريتا وجنا ، وبعضا شيطانا وجنا ، وبعضا جنا . وأن جنس آدم يسمى ناسا والإنسان والبشر . وإن قلت كيف تعرض الملائكة على الملائكة ؟ قلت يعرض بعضهم على بعض . وقرأ ابن مسعود { عرضهن } وقرأ أبى بن كعب { عرضها } أى عرض مسمياتهن ، أى مسميات الأسماء ، أو عرض مسمياتها أى مسميات الأسماء فالضمير فى القراءتين للأسماء على حذف المضاف كما رأيت . ويجوز عوده على المسميات ، وقال عرضهن أو عرضها لا عرضهم ، باعتبار معنى الذوات والمسميات ، ويدل على ذلك أن التعليم ألبق بالألفاظ . وقوله { أنبئونى بأسماء هؤلاء } . وأما ما قيل إن العرض يختص فيما يرى بالعين فيعرض عليها فليس كذلك . بل يكون أيضاً فيما يسمع وغيره ، يقال عرضت عليه القرآن ، أو قرأت اللوح ، أو الكلام أو الصوت ، ليسمع ذلك فيصححه ، أو يميز الصوت . { فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء } تعجيزاً لهم وتنبيهاً على عجزهم عن أمر الخلافة لاستحالة التصرف الجائز قبل تحقق المعرفة والتدبير ، قبل الوقوف على مراتب الاستعداد ، وإقامة العدل قبل تحقيق قدر الحقوق . ومعنى أنبئونى أخبرونى ، فإن الإنباء والتنبئة إخبار لمن علم كما هنا فإن الله - جل وعلا - عالم بالأسماء وبكل شىء ، وإخباره لمن جهل كقوله تعالى { قل أتنبئون الله بما لا يعلم } أنكر أن يجهل شيئاً فيخبروه به . وقوله { فلما أنبأهم } وذلك أمر تعجيز عندى ، كقوله تعالى { فأتوا بسورة من مثله } وليس ذلك تكليفاً بالإنباء ، فضلا عن أن يستدل به على جواز التكليف بالمحال ، كما قيل ولو سلمناه لقلنا غير محال باعتبار الإمكان . { إن كنتم صادقين } فى قولكم إنكم أحق بالخلافة والمكث فيها لعصمتكم ، فان قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } ؟ بمنزلة قولك أتستخلف عصاة ونحن معصومون عن العصيان أحقاء بالاستخلاف ؟ كقول المسكين لصاحب الوليمة أتدعو الأغنياء لها ، ونحن محتاجون إليها أحقاء بالدعاء إليها ؟ أو إن كنتم صادقين فى قولكم لن يخلق ربنا خلقاً أكرم عليه منا ، ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره . وأنه لن يخلق خلقاً إلا كنا أفضل منهم وأعلم . وزعم بعض قومنا عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى الآية { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فى أن الخليفة يفسد ويسفك ، وفيه نظر ، لأن الله - جل وعلا - عالم بأن بنى آدم يقع منهم الإفساد والسفك ، وعلم الملائكة ذلك بإخبار الله تعالى . فلا يقال لهم { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لأن هذه العبارة ولو كانت قد تقال لمن علم صدقه كالمطالبة له بدليل لكن أصلها لمن لم يصدق أو لم يعلم صدقه . وليست الآية مطالبة لهم بالدليل على وقوع الإفساد والسفك . ولعلهم أرادوا وقوع السفك والإفساد من دم ومن يأتى منه ، قبل أن يعلموا أنه يخلقه الله نبيا ورسولا معصوما عن الكبائر ، فقال لهم { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فى أنه يفعل ذلك وأرادوا بقولهم { أتجعل … } إلخ ، مجرد كون نبى الله نبيا رسولا معصوما عن الكبائر ، فقال لهم صادقين فى تسبيحكم وتصديقكم ، فإن الصدق فيهما ينافى المعارضة فى جعل الخلافة ، ولسنا نقول إنهم غير صادقين فيهما ، ولكن حق الله لا يفى به أحد ، ولو اجتهد ما اجتهد ، فأدبهم بهذا الكلام ليزدادوا خيرا ، فإن معارضتهم شىء لا ينبغى . أو إن كنتم صادقين فى جواب السؤال عالمين بالأسماء أى إن كانت لكم أهلية للجواب والعلم بها ، فإن ادعاءهم للأحقية بالاستخلاف كادعاء العلم بها والصدق فيها ، فقال لئن كنتم صادقين أو المعنى إن كنتم صادقين فى قولكم إن خلق الخلائق واستخلافهم ، مع أن صفتهم الإفساد والسفك لا يليق بالحكيم ، وإنما يقولون هذا على التعجب ، وطلب العلم بحكمة ذلك لا ردا وإنكاراً . كما أن قولهم نسبح بحمدك ونقدس لك ، عجباً وتفاخرا . وهم وإن لم يقولوا لا يليق ذلك بالحكمة تصريحاً ، لكن تضمنه قولهم { أتجعل فيها … } إلخ . ويستلزمهم الصدق والكذب يتطرقان لما يتضمنه الكلام ويستلزمه ، كما يتطرقان إلى صريح الكلام ، فلو أذن المؤذن للصلاة قبل وقتها أو بعد خروجه ، لكان فى حكم الكاذب ، لأن التأذين بمنزلة أن الوقت قد حضر . ولو قلت لإنسان . قم نتلق المسافر ولا مسافر قادم لكنت فى حكم الكاذب ، وكذا لو قلت مشير لعبد لا تملكه اعتقت هذا على طريق الإنشاء للعتق . وإن قلت ما معنى قوله { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ؟ وجوابه محذوف مدلول عليه بما قبله . كأنه قيل إن كنتم صادقين فأنبئونى بأسماء هؤلاء . وما وجه الارتباط ؟ قلت قال السعد فى حاشية الكشاف ، معناه إن كنتم صادقين فيما زعمتم من خلوهم عن المنافع والأسباب الصالحة للاستخلاف ، فقد ادعيتم العلم بكثير من خفيات الأمور فأنبئونى بهذه الأسماء ، فإنها ليست فى ذلك الخفاء . والله أعلم . وعندى أن المؤمن أفضل من الملك لأن له موانع عن العبادة ، من شهوة طبيعية ونفس وهوى وشياطين الجن والإنس ، فعبد الله مع ذلك وعصاهم . ولأن الملائكة خدمهم فى الجنة ، ولأن الملائكة لما قالوا لن يخلق ربنا أكرم منا ولا أعلم ، خلق آدم وذريته ، وجعلهم خلائف ، ولأنهم أمروا بالسجود له ، ولأنه علم ما لم يعلموا فعلمهم إياه ، والأعلم أفضل لقوله تعالى { هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } والمعلم أفضل من المتعلم ، وفى ذلك دليل على شرف الإنسان ، ومزية العلم وفضله على العبادة ، إذ فضل آدم به لا بها ، وإن العلم شرط فى الخلافة بل عمدة فيه .