Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 33-33)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا آدَمَ أَنْبِئْهُمْ } أخبر الملائكة . { بِأَسْمَآئِهِمْ } أى بأسماء المخلوقات ، أو بأسماء الملائكة على ما مر . فروى أنه عليه السلام سمى لهم كل شىء باسمه ، وذكر حكمته التى خلق لها ، قال الشيخ هود - رحمه الله - قال آدم هذا كذا وهذا كذا ، فسمى كل نوع باسمه ، يعنى ميز كل نوع وسماه باسمه . قال وقال بعضهم سمى كل شىء باسمه وألجأه إلى جنسه . يعنى أنه سمى كل فرد من أفراد كل نوع ، ونسبه أيضاً إلى نوعه . والله على كل شىء قدير . وقرئ أنبيهم بالياء ساكنة سكوناً ميتاً ، بدلا من الهمزة . وبناء الأمر على سكون الهمزة ، الذى صار إلى بدله وهو الياء بعد الإبدال ، وكان قبله على الهمزة ، فلا تحذف الياء بعد ، وقرئ بإبدالها ياء وحذف الياء وإنما حذفت تشبيها بياء يرمى . ويقال قلبت الهمزة فى المضارع المرفوع ياء شذوذا ، فحذفت فى الأمر كحذف ياء يرمى فى ارم ولم يرم ، أو على لغة من يقلب كل همزة فى الطرف تلى حركة ما يجانس الحركة . { فَلَمَّآ أَنبَأَهُمْ } آدم . { بِأَسْمَائِهِمْ } وفى هذا دليل على أن آدم نبى رسول ، لأن الله جل جلاله أمره أن ينبئهم فأنبأهم بما لم يكن عندهم ، فهو رسول إلى الملائكة وإلى ذريته . ومزية سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم أمروا أن يؤمنوا به رسولا كما أمر سائر الخلق ، وليس آدم على هذه الصفة ولو آمن به الملائكة . { قَالَ } عتاباً باللملائكة . { أَلَمْ أَقْل } ؟ الاستفهام للتوبيخ وإنكار أن يكون قولهم أتجعل مما ينبغى وإنكار أو نكون لم يقل وتقرير أنه قال . { لَّكُمْ } يا ملائكتى . { إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } ما غاب عنكم فيهما ما هو موجود ، وما مضى وما سيوجد ، فقد علم أحوال آدم قبل استخلافه ، وعلم أنه أهل للخلافة . { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } ما تظهرون من قول وفعل وحركة وسكون . { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فى عقولكم أو ما تبدون من قولكم نطيع الله ولو فضله علينا وما يكتم إبليس فيكم أنه إن فضله عليه صى وسعى فى إهلاكه ، وبه قال ابن عباس . أو ما تظهرون من قولكم أتجعل فيها وما تكتمون من قولكم إن الله لن يخلق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم ، فإنهم قالوا فيما بينهم ولم يقولوه لله فسماه مكتوماً ، وهو تعالى لا تخفى عليه خافية أو تبدوه من قولكم أتجعل فيها وما تكتمون ما اعتقدوه أنهم أحقاء بالخلافة . ويوافق الاحتمال الذى قيل هذا قول الحسن وغيره إنهم لما قال الله عز وجل { إنى جاعل فى الأرض خليفة } قالوا ما الله خالق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم منا ، فهو الذى كتموه ، وابتلوا بخلق آدم وكل شىء مبتلى ، كما ابتليت السماوات والأرض فقال { ائتيا طوعاً أو كرها } انتهى كلام الحسن . وفى إخباره تعالى إياهم بأنه يعلم الغيب وما يبدون وما يكتمون ، تلويح إلى عتابهم على قولهم أتجعل ؟ حيث قالوه ولم يتركوه . مع أن الأولى تركه ، والله تعالى عالم بما عساه أن يقال . فإن شاء بين لهم الحكمة فى جعله خليفة . وقوله عز وعلا { ألم أقل لكم } … إلى { تَكْتُمُونَ } استحضاراً لقوله { إنى أعلم ما لا تعلمون } على وجه أبسطه ، فإن قوله عز وجل { إنى إعلم } … إلى { تكتمون } أبسط من قوله { إنى أعلم ما لا تعلمون } لكن لما كان معنى قوله { إنى أعلم ما لا تعلمون } هو شامل لمعنى قوله { إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ والأَرْض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } لأن معنى { إنى أعلم ما لا تعلمون } أعلم ما لا تعلمون مع ما يعلمون ، حكاه بلفظ آخر غير الأول إذ لم يقل ألم أقل لكم إنى أعلم ما لا تعلمون ، ففى ذلك دليل على جواز الحكاية بالمعنى ، ولو اختلف اللفظ ، وازداد أو نقص ، وإنما استحضره احتجاجاً على قوله { إنى أعلم لما لا تعلمون } لإنه لما بين لهم أن آدم علم ما لم يعلموا ظهر كالشمس إنه يعلم ما لا يعلمون بل زاد ظهورا ، وأما أصل الظهور فقد اعتقدوه ولما بين لهم ازدادوا علما ، فعلوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة ، كما دلت عليه الآية وقد ازدادوا كمالا ، كما ازدادوا علما ، كما دلت عليه هذه الآية . وقوله { أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِم } مع قوله { فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بإِسْمَآئِهِمْ } ، وقوله { قالوا سبحانك لا علم لنا إنك أنت العليم الحكيم } ألا تراهم زادوا خضوعا ومعرفة فى حق الله وطمانيته ، ومنع بعض حكماء الإسلام ذلك فى الطبقة العليا منهم ، لقوله تعالى { وما منا إلا له مقام معلوم } وليس نصا فى أنهم لا يزيدون . مع أن الأصل الزيادة ، إذ هم مكلفون ، لهم عقول ورغبة فى الخير . وإنما قلت إن معنى { إنى أعلم ما لا تعلمون } شامل لمعنى { إنى أعلم غيب السماوات … } إلخ ولم أقل إنه نفس معناه لأنه أعم من معنى { إِنَّى أَعْلَمُ الغَيْبَ … } إلخ . لأنه شامل لغير غيب السماوات والأرض وغير ما يكتمون ، كغيب ما فوق السماوات وما تحت الأرضين ، وفى قوله { إنى أعلم ما لا تعلمون } وقوله { إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ والأَرْض } دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل أن تكون . لأن مما لا يعلمون ، ومن غيب السماوات والأرض . ما سيكون . ومن ذلك علمه بأسماء المسميات قبل أن تكون . وإن قلت بم خاطب الله الملائكة ؟ يعنى قلت خلق لهم كلاما فى الهواء أو فى خلق من مخلوقاته فسمعوه ، أو خلق لهم كتابة خاطبهم بها … والله أعلم . فكلامه - تعالى - على هذه المعانى مخلوق صفة فعل ولا شك ، وأما وصفه - تعالى - بالكلام ، على معنى نفى الوصف بالخرس ، فصفة ذات ، ثم إنه لا يشك أحد أنه - تعالى - عالم فى الأزل بلا أول ، بكل كلام سيخلقه فى الهواء ، أو حيث شاء أو يكتبه وهذا عام لسائر خطابه للملائكة والثقلين وغيرهم بأمر أو نهى وغيرهما . وهذا ظهر لى بعد استفراغ الوسع والنظر ، وهو الحق إن شاء الله من كون كلامه تعالى قسمين الأول صفة فعل ودخل فيه خطابه لمن ذكر كله ، قبل أن يخلق الخلق والهواء إن شاء بحكمته ، كلاماً خلقه مستقلا عن كل شىء حتى الهواء لعدمه ، والثانى صفة ذات وهو معنى نفى الخرس ، مع التنزه عن الجوارح وصفات المخلوقات ، وذاته تعالى كافية فى علم كل شىء بلا أول ، ولا إثبات للكلام النفسى ، كما زعم قومنا أنه ثابت كما يثبت كلام الإنسان فى نفسه ، ثم يتكلم بألفاظ تدل عليه ، وجعلوا القرآن وكتب الله تعالى كلها ، وخطابه كله لخلقه ، وكلامه كله قديماً بهذا المعنى ، وهو أنه ثابت فى النفس الواجب الوجود بلا أول ، كما يجئ وقته فيعبر عنه بألفاظ مخلوقة ، حيث شاء . فألفاظ القرآن مثلا عندهم مخلوقة كما عندنا ، والعلم بها أنها ستكون وبمعانيها عندنا قديم كما عندهم ، غير أنهم أثبتوا الكلام النفسى ونفيناه ، والحق نفيه لأنه إثباته يستلزم كون الله - جل وعلا - عن كل نقص ظرفاً ومحدودا ومركبا ، ويعود بالنقص على ما زعموا من قدم ، وانفراد القديم لتباين الظرف والمظروف ، سبحانك ربنا عن كل ما لا يليق .