Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 39-39)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } بنا . { وَكَذَّبُوا بِأَيَاتِنَآ } آيات الكتب التى تنزل من القرآن وغيره ، أو كل ما نصبه الله دليلا على وجوده ، وكمال قدرته من جميع المخلوقات ، كالقرآن وجميع كتب الله ، والسماء والأرض ، وغير ذلك ، ويجوز أن يكون المعنى كفروا بالآيات فى قلوبهم ، وكذبوا بها فى ألسنتهم ، فيتنازع على هذا الوجه قوله { كَفَرُواْ } وقوله { كَذَّبُوا } فى قوله { بِأَيَاتِنَآ } . والآية فى الأصل العلامة الظاهرة ، فكل مخلوق آية ، لأنه علامة على وجود الخالق - سبحانه وتعالى - وعلمه وقدرته ، وكذا كل طائفة من القرآن من حيث إنها مخلوقة ، ومن حيث معانيها ، وأفصحيتها وأبلغيتها ، ودلالتها على الغيب . قال ابن هشام إن كانت الواو أو الياء ، متلوة بحرف يستحق القلب ألفاً ، صححت الأولى وأعلت الثانية ، نحو الحياء والهواء . والحوى مصدر محوى إذا اسود ، وربما عكسوا فأعملوا الأولى وصححوا الثانية . نحو آية فى أسهل الأقوال . قال الشيخ خالد يعنى الستة . أحدها أن أصلها أيية ، بفتح الياء الأولى كقصبة ، فالقياس فى إعلالها إياه ، فتصح العين وتعل اللام ، لكن عكسوا شذوذا ، فأعلوا الياء الأولى لتحركها وانفتاح ما قبلها دون الثانية . هذا قول الخليل . الثانى أن أصلها أيية بسكون العين كحية فأعلت بقلب الياء الأولى ألفاً ، اكتفاء بشطر العلة ، وهو فتح ما قبلها فقط ، دون تحريكها ، قاله الفراء ، وعزى لسيبوية . واختاره ابن مالك ، وقال فى التسهيل إنه أسهل الوجوه ، لكنه ليس فيه إلا الاجتزاء بشطر العلة ، وإذا كانوا قد عولوا عليه فيما لم يجتمع فيه ياءان ، نحو طائى . وسمع اللهم تقبل تابتى وصامتى ففيما اجتمع فيه ياءان أولى لأنه أثقل . الثالث أن أصلها أبيه كضارية ، حذفت العين استقلالا لتوالى ياءين أولهما مكسورة . ولذلك أولى كانت بالحذف من الثانية ونظير فى الحذف يالة ، الأصل ، يا آية ، قاله الكسائى ، ورد بأنه كان يلزم قلب الياء همزة ، لوقوعها بعد ألف زائدة فى قولهم أياى . أى بوزن أفعال جميع آية على هذا القول . فالهمزة الأولى همزة أفعال ، والألف بعدها همزة آية فاء الكلمة ، والياء بعدها عين الكلمة ، وهى ياء يا آية والألف بعد ألف أفعال بعد العين والياء لام الكلمة آخرا هى التى تقلب همزة لتطرفها بعد ألف زائدة . ولو كان عينها واوا ولامها ، لقيل أواو ، لأن الجميع يرد للأصل . الرابع أن أصلها أيية بضم الياء الأولى كسمرة فقلبت العين ألفاً ، ورد بأنه كان يلزم قلب الضمة كسرة . انتهى . ولا نسلم أنه يلزم قلبها كسرة . الخامس أن أصلها أيية بكسر الياء الأولى كنبقة ، فقلبت الياء الأولى ألفا ، ورد بأن ما كان كذلك يجوز فيه الفك والإدغام كحيى وحى . السادس أن أصله أيية ، كقصبة كالأول ، إلا أنه أعلت الثانية على القياس ، فصار أياة كحياة ونواة ، ثم قدمت اللام إلى موطن العين فوزنها فعلة . قال ابن هشام فإن قلت قد ادعيت أن القول الأول أسهل الأقوال ، ولنا أسهل منه ، وهو قول بعضهم إنها فعلة كنبقة فإن الإعلال فى الأول بقلبها ألفا ، وهو حينئذ على القياس ، لأنها محركة ، وقبلها مفتوح ، وإعلال الثانية ممتنع ، لعدم انفتاح ما قبلها ، وأما إذا قيل إن أصلها أيية بفتح الياء الأولى أو أيية بسكونها أو آيية على وزن فاعلة ، فإنه يلزم على كل قول من هذه الأقوال الثلاثة محذورا ما على القول بأن أصلها أيية بفتح الياء الأولى ، فإنه يلزم إعلال الحرف الأول دون الثانى ، وهو شاذ كما يقدم . وأما على القول بأن أصلها أيية بسكون الياء الأولى فإنه يلزم إعلال الحرف الساكن وهى الياء الأولى بقلبها ألفاً والقاعدة أن علة القلب مركبة من شيئين تحركها وانتفاح ما قبلها ، ولم يوجد إلا أحدهما ، وأما على القول بأن أصلها آيية على وزن فاعلة ، فإنه يلزم حذف العين وهى الياء الأولى لغير موجب لحذفها . والقول الأول وهو أن أصلها أيية كنبقة سالم من ذلك . قلت يلزم على هذا القول الأول شىء آخر وهو تقديم الإعلال ، وهو قلب الياء الأولى ألفاً على الإدغام ، وهو إدغام الياء فى الياء ، وذلك أنه لما اجتمع فيه موجب الإعلال ، وهو تحرك الياء الأولى وانفتاح ما قبلها ، وموجب الإدغام وهو اجتماع المثلين الساكن أولهما ، قدم فيه الإعلال على الإدغام ، والمعروف العكس وهو تقديم الإدغام على الإعلال ، بدليل إبدال همزة أيمة ياء فتأمله . انتهى . يبحث بأن الأول مكسور لإسكان إلا أن يقال ينبغى أن يكون ساكناً ليدغم ، وهو بعيد وجه الدلالة ، من ذلك أن إبدال الهمزة ياء إنما هو لأجل الإدغام ، لأنه لما نقل لأجله حركت الميم الأولى للساكن قبلها ، أعنى الهمزة الثانية قلبت ياء ، مراعاة لحفظ حركة الحرف المدغم ، وإنما قلبت ياء لأنها من جنس الكسرة . فلو بدئ بالإعلال لأبدلت الهمزة الثانية ألفاً لوجود شرطه ، فلما أبدلوها ياء بعد النقل ولم يبدلوها ألفا قبل ذلك ، علم أن عنايتهم بموجب الإدغام أهل من عنايتهم بموجب الإعلال ، لأنهم إذا كانوا يقدمون ما هو من متعلقات الإدغام على الإعلال ، فلأن يقدموا الإدغام على الإعلال من باب أولى ، وفى شرح الشافية للجار بردى وإنما لم يجىء الإدغام فى باب قوى من أن أصله قوو لأن الإعلال مقدم على الإدغام . وإنما قلنا الإعلال مقدم ، لأن سبب الإعلال موجب للإعلال ، وسبب الإدغام مجوز للإدغام ، ويدل عليه امتناع التصحيح فى رضى وجواز الفك فى حيى … انتهى كلام شرح الشافية ، وفصل بعضهم فقالإذا اجتمع موجب الإعلال والإدغام فلا يخلو إما أن يكون فى العين أو فى اللام ، فإن كان فى العين قدم موجب الإدغام ، وإن كان فى اللام قدم موجب الإعلال . والعلة فى ذلك أن الطرف محل التغيير فلم يغتفر فى ذلك كما اغتفر فى العين … انتهى كلام ابن هشام والشيخ خالد . وأقول يقوى إعلال الثانية أن الطرف محل التغيير ويقوى إعلال الأولى سبقها ، فموجب الإعلال موجود فيها قبل الثانية ، فماذا يبطله حتى ينطق بالثانية ؟ وهذا عند متعين مع تعين أن أصله فعله بفتح الفاء والعين ، عند دليل تحرك العين قبلها ، ودليل كون حركتها فتحة الخفة ، فان الضمة والكسرة ثقيلتان على الياء ، فلا تصح دعواهما إلا بدليل . وما ذكره ابن مالك فى التسهيل من أن الثانى أسهل الأوجه ، لكونه ليس فيه إلا الاجتزاء بشطر العلة لا يتم له إلا ببقية الأقوال ، كذلك لا يلزم عيها إلا أمر واحد مخاف للقاعدة ، وإن قلت فى القول الثالث مخالفتان عدم قلب الياء همزة وعدم ذكرها ، قلت بل مخالفة واحدة وهى الحذف ، مع أن وجهه التخفيف فإنه قاعدة . والقلب همزة قاعدة فعمل بالأولى ، وما ذكره من وجه الدلالة بأيمة ذكر مثله اللقانى ، وعبارته أن الأصل كما مر أيمة بهمزة متحركة فساكنة ، فدار الأمر بين إبدال الساكنة ألفاً ، من جنس حركة ما قبلها وهو الإعلال ، وبين إدغام الميم الأولى فى الثانية ، بعد نقل كسرتها إلى الهمزة الثانية قبلها ، المستلزم لقلبها ياء ، فقدم الإدغام المؤدى إلى ما ذكر على الإعلال . فإن قيل يتأتى مع الإعلال بالقلب ألف الإدغام ، فيقال أيمة قلت المراد الإدغام مع بقاء حركة المدغم ، وذلك لا يتأتى مع حركة الإعلال ، انتهى مع عبارته وهى أظهر من العبارة السابقة عن الشيخ خالد لجعل اللقانى التقديم بين الإعلال والإدغام نفسه ، لا بين الإعلال وما هو من متعلقات الإدغام ، لكن يبحث فى قوله يأتى الإعلال بالقلب ألفاً بأن الهمزة الثانية متحركة بالكسر ، والهمزة المكسورة تقلب بعد الهمزة المتحركة ياء مطلقا ، غير أن ابن الحاجب جوز فيها التسهيل والتحقيق وقال ابن صاحب الألفية لم يجب إعلال أيمة لعروض الحركة للهمزة الثانية من الميم الأولى ، نقلت منها لتدغم . وقال بعضهم أظنه ابن خالويه ، إنما لم يعل ذلك لأنه لو أعل فقيل أيمة آمة التشبيه بآمة الرأس . انتهى . واشتقاق آية من أى بالتشديد نسبة إلى أى التفسيرية ، الساكن الياء ، لأنها تبين بعضها من بعض ، أو مأخوذة من أوى إليه . وقيل أصله أوية بفتح الهمزة وسكون الواو ، أبدلت ألفا تخفيفاً ، اكتفاء بشطر العلة أيضا . وقيل أوية بفتح الواو فقلبت ألفا لوجود شطر العلة جميعاً ، وهو تحرك حرف العلة وانفتاح ما قبله ، ولو كان عينها واوا كما فى القولين لقيل فى الجمع أواء . { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } هذه الجملة خبر الذين ، والمجموع معطوف على قوله { فمن تبع هداى فلا خوف … } إلخ وهو نقيضه فى المعنى ، كأنه قيل ومن لم يتبعه بل كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك أصحاب النار يصحبونها يوم القيامة ، وهم أهلها من الآن . فالمراد بالصحبة الاقتران بها يوم القيامة ، أو التأهل لها من الآن ، والصحة فى الأصل الاقتران بالشىء ، فى حالة ما زمانا طويلا دائماً أو غير دائم أو قصيرا أو المراد هنا الدوام . { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ماكثون مكثاً طويلا ، ودلت الآيات المصرح فيها بالأبدية والأحاديث ، على أنه مكث دائم ، وكذلك فساق الموحدين ، لأن المكلف إما شاكر وإما كفور ، لقوله تعالى { إما شاكرا وإما كفورا } والفاسق ليس شاكرا فهو كفور . وقد قال جل وعلا { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } وقال { والكافرون هم الظالمون } ولا يدل قوله { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } على أن الفاسق لا يدوم فيها ، لأن الخلود ليس نصاً فى الدوام ، لأنه لم يقل هم فيها الخالدون ، أو هم الخالدون فيها . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، واعلم أن الله - جل وعلا - عدد النعم العامة فى هذه الآيات ليقرر بها دلائل التوحيد والنبوة والمعاد المذكورة ، قيل ويؤكدها بها . أما تقرير التوحيد بها وتأكيده فمن حيث إن تلك النعم صنع حادثة محكمة تدل على صانع لها حكيم لا يشارك وأما تقرير النبوة بها وتأكيدها فمن حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بها على وفق ما فى الكتب السابقة ، مع أنه لا يقرأ كتابه ولا يجالس من يعلم الكتب السابقة ، فذلك معجزة ، وأما تقرير الميعاد بها وتأكيده ، فمن حيث إنها مشتملة على خلق الإنسان وأصله ، وما هو أعظم ، فدلت على أنه قادر على البعث كما هو قادر على الإبداء ، ولما خاطب بذلك كله الناس كلهم ، العرب وهم أشرف ، وغير العرب ، خاطب أهل الكتاب بأن يذكروا ما أنعم الله - عز وجل - عليهم به ، فيروا أن فيهم نعما فلا يحسد سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على ما له من النعم ، فلا يحملهم الحسد على الكفر به - صلى الله عليه وسلم - لأن الإنسان مطبوع على الحسد والغيرة . فإذا استشعر ما عنده من النعم ، لم يسخط بما عند غيره منها ، وبأن يوفوا بما عاهدهم الله - عز وجل - من اتباع الحق والحجج البينة فيؤمنوا به - صلى الله عليه وسلم - لما معه من الحق والحجج البينة ، فيكونوا أول من به وبكتابه ووحيه ، لما معهم من العهد والعلم بذلك ، فقال { يا بنى إسرائيل } .