Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 51-51)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } وعدناه ووعدنا ، ولذلك قال واعدنا بالألف ، وذلك أن الله وعده الوحى والتوراة والمناجاة ، وموسى وعد الله المجئ للميقات إلى الطور ، وقرأ أبو عمرو وعدنا بدون ألف ، وقرأ باقى السبعة وخلف بالألف ، وكذلك فى قوله { واعدناكم } وقد مر ، وقيل لم يعيدوا إليها . وعلا كل حال فى تفسير له لم يكمل لم يصرح أحد من المؤرخين إياها ولم يردهم إليها ، وجعل مساكنهم الشام وذلك وعده الله أن يعطيه التوراه ، وجعل له أجلا هو أربعون يوماً ذو القعدة من العام الآخر ، وعشرة أيام من ذى الحجة ، وعبر بالليالى عن الأيام ، لأن الليلة هى أول الشهر العربى ، وهو بحساب سير القمر ، ولأن الظلمة أسبق من الضوء ، ولأن الليل سابق للنهار ، وأربعين ظرف على حذف مضاف ، أى تمام أربعين ، أى ضمنا له أن نوقع الموعود فى تمامها . ويأتى كلام فى الأعراف إن شاء الله فبتضمين المواعدة معنى الإيقاع صح كون أربعين ظرفاً لواعدنا ، وإلا فالمواعدة وقعت قبل الأربعين لا فى الأربعين ، فلا يصح التعليق به إلا بذلك التضمين ، وليس مفعولا به لواعدنا ، لأن الموعود به ليس نفس الأربعين ، بل مفعول محذوف أى واعدنا موسى الوحى والتوراة والمناجاة ، والمجئ للميقات وبعض ذلك من موسى وأقرب من ذلك جعله ظرفاً لمفعول محذوف ، أى واعدناه الملاقاة تمام الأربعين ، أو واعدناه الوحى ، وإنزال التوراة تمام الأربعين ، وفى ذكر الليلة إلى أنه وصل الليل بالنهار فى الصوم ، روى أنهُ صام أربعين يوماً بلياليها . { ثُمّ اتَّخَذْتُمُ } افتعلتم من الأخذ أصله اتخذتم بهمزة وصل مكسورة ، فهمزة قطع ساكنة هى فاء الكلمة بعدها تاء الافتعال ، أبدلت الهمزة الثانية تاء وأدغمت فى تاء الافتعال والإبدال القياسى أن تبدل الهمزة واواً ، ثم الواو تاء فيكون الإدغام ، وقيل أصله أو اتخذ أبدلت الواو تاء وأدغمت وذلك على لغة من يقول وخذ ، استغنى بها فى الافتعال من يقول أخذ ، وقال الفارسى التاء الأولى أصل على لغة من يقول اتخذ قرأ { التخذت عليه أجراً } بالتخفيف استغنى بهذه اللغة فى الافتعال من يقول أخذ ، ومفعول الثانى محذوف تقديره ثم اتخذتم . { الْعِجْلَ } إلهاً وهو ذكر البقر الصغير . { مِنْ بَعْدِهِ } أى من بعد موسى ، وهو على حذف مضاف ، أى بعد مضيه إلى الطور ، ويجوز عود الضمير إلى مضيه ولو لم يتقدم له ذكر ، لأن ذكر المواعدة تقتضيه ولا يصح تقدير المضاف مواعدة ، أى من بعد مواعدته ، ولا عود الضمير للوعد لأنه لا يزول بذلك تعارض بين مدلول ثم من التراخى عند المواعدة ، ومدلول الابتداء به وهو وقوع البعدية عقب المواعدة ، إذ المهملة واقعة بين المواعدة والاتخاذ ، وبيان الغاية واقع عقب المضى إلى الطور فلم يتواردا على محل واحد . { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } مائلون عن الصواب إذ عبدتم ما ليس أهلا للعبادة ، أو ناقصو الحض لأنفسكم إذ تعرضتم لهلاكها بعبادته لما أنجى الله سبحانه وتعالى موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، ولم يكن لموسى وقومه كتاب ينتهون إليه . وعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة ، فقال لقومه إنى ذاهب إلى ميقات ربى لآتيكم بكتاب فيه ما تأتون وما تذرون . ويروى أنه قال إن الله سينجيكم من آل فرعون وتنفعكم حليهم ، وينزل عليكم كتاباً . فلما أنجز الله وعده بانجائهم وأخذهم الحلى طلبوه بما وعدهم من الكتاب ، فخرج لميقات ربه ووعدهم أربعين ليلة ، واستخلف عليهم أخاه هارون ، وجاء جبريل راكباً فرسا يقال له فرس الحياة ، لا يصيب شيئاً إلا حيى ، فذهب للميقات فرآه السامرى وكان صائغاً اسمه ميخا ، وقال ابن عباس موسى بن ظفر ، وكان من أهل كرمان ، ولميل من بنى إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة ، وكان مشركاً فى الباطن وأظهر الإسلام وهو الصحيح . وقد قيل إنه ابن خال موسى ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان يعجبه ذلك ، وقيل لما مر بعد مجاورة البحر على قوم يعبدون البقر كما قال الله تعالى { يعكفون على أصنام لهم } وكانت على صور البقر ، فقال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فاغتنم السامرى مقالتهم ليفتنهم بعبادة العجل ، فلما رأى موضع حافر الفرس يخضر فى الحال قال إن لهذا شأناً ، فأخذ من تحت حافره تراباً ، وذلك حين جاء جبريل ليذهب بموسى للميقات ، وقيل حين دخل البحر خلف قوم موسى ، وقيل أنكر هيئته فعرف أنه ملك حين دخل البحر ، وقيل عرفه من حيث ولدته أمه عام الذَّبح فأطبقت عليه أمه فى غار فوكله الله أن يغذوه بأصبع نفسه ، أعنى بأصبع السامرى ، فيجد فى أصبع لبناً وفى أصبع عسلا وفى أصبع سمناً ، وألقى فى روعه أنه لا يلقى ذلك التراب فى شىء ، وما قال له كن كذا إلا كان ، ولا يلقيه على ميت إلا حيى ، ولما مضى موسى للميقات وقد وعدهم أربعين ليلة حسبوا عشرين يوماً وعشرين ليلة ، فقالوا هذه أربعون من الدهر وقد أخلفنا موسى الوعد ، وبدأ تعنتهم وخلافهم ، فقال لهم السامرى إنما بأيديكم من حلى القبط غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفيرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى ويرى فيها رأيه ، وقيل أمرهم هارون بذلك ، وقيل قال السامرى أحضروه لتأكله النار التى كانت تأكل القرابين ، وقيل أوقد ناراً وأمرهم بطرح ذلك فيها فطرحوا . وعلى كل قول لما اجتمع ألقى فيه التراب الذى أخذه وقال كن عجلا ، وصححه بعض ونسبه للأكثر وقيل إنهُ صاغه عجلا فى ثلاثة أيام ، ورصعه بالجوهر ، وألقى فيه التراب وخاره خوره . والصحيح تعدد الخوار منهُ كما يتبادر من قوله عز وعلا { له خوار } قيل كان يخور ويمشى وجسمه باق ذهباً وجوهراً ، ونسبه بعض للجمهور وصححه ، وقيل صار لحماً ودماً ، وبه قال الحسن بن أبى الحسين ، وكل ذلك بقدرة الله سبحانهُ وتعالى ، وعبدت طائفة ذلك العجل واعتزلهم هارون بمن معه ، وقال لهم السامرى هذا إلهكم وإله موسى ، فنسى أى تركه هنا غفلة عنه وخرج يطلبه . وروى أنهُ لما مضى عشرون يوماً عدوا أربعين بالليالى ، ولم يرجع موسى فوقعوا فى الفتنة ، وقيل وعدهم موسى ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم فى تلك العشرة لما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى ، ظنوا أنه قد مات ، ورأوا العجل فسمعوا قول السامرى وعكف عليه ثمانية آلاف رجل يعبدونهُ ، وقيل عبدوه كلهم إلا هارون مع اثنى عشر ألف رجل قيل ، وهذا أصح . ويروى أنهم لما جاوزوا البحر قالوا يا موسى آتنا بكتاب من عند ربنا كما وعدتنا ، وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر ، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا معه ، فلما تجهزوا قال الله لموسى أخبر قومك أنك لن تأتيهم إلى أربعين ليلة قد أتممناها بعشر ، وقال الحسن كانت أربعين وأول يقول واعدنا موسى ثلاثين ليلة وبعدها عشر ، وهذا معنى قوله { وأتممناها بعشر } كقوله { فصِيَامُ ثلاثةِ أيَّامٍ فى الحجِّ وسبعةٍ إذا رجَعْتُم تلْكَ عَشَرَة كَامِلَةٌ } قال الكلبى لما خرج بالسبعين أمرهم أن ينتظروه فى أسفل الجبل ، وصعد موسى الجبل فكلمهُ ربهُ وكتب له فى الألواح ، ثم إن بنى إسرائيل عدوا عشرين يوماً وعشرين ليلة ، وقالوا قد أخلفنا موسى الوعد ، وجعل لهم الوعد وجعل لهم السامرى العجل فقال هذا إلهكم وإلهُ موسى فعبدوه . قال الكلبى بلغنى والله أعلم أن الله قال عند ذلك يا موسى إن قومك قد عبدوا من بعدك عجلا جسداً لهُ خوار ، فرجع موسى إلى قومه ومعهُ السبعون ولم يخبرهم موسى بما أحدث بنو إسرائيل ، فلما غشى موسى محلة القوم سمعوا اللغط حول العجل ، فقال السبعون هذا قتال فى الحلة ، فقال موسى ليس بقتال ولكنه صوت الفتنة ، فدخل موسى فنظر ما يصنع بنو إسرائل حول العجل ، فغضب فألقى الألواح فانكسرت وارتفع ما فيها إلا سبعة { فأخذ برأس أخيه يجره إليه فقال لهُ يا ابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى } فأرسله موسى وأقبل على السامرى فقال ما خطبك يا سامرى ؟ ولم صنعت ما أرى ؟ قال بصرت بما لم تبصروا به ، يعنى بنى إسرائيل . قال وما الذى بصرت به ؟ قال رأيت جبريل على فرس وألقى فى نفسى أن أقبض من أثره قبضة ، فلما ألقيت عليه منها شيئاً كان له روح ودم ، وهذا الكلام من عدو الله يقوى قول من قال إن العجل صار لحماً ودماً ، فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلهاً ، فكذلك سولت لى نفسى أن أصنع إلهاً ، ثم ألقى عليه القبضة فيصير ربا لبنى إسرائيل فيعبدوه بين ظهرانيهم ، فغضب موسى فأمره أن يخرج من محلة بنى إسرائيل ولا يخالطهم فى شيء ، فأمر بالعجل فذبح ثم أحرقه بالنار ، فمن قرأها لنحرقنه باسكان الحاء يريد بالنار ، ومن قرأ بالفتح والتشديد فبالنار أو بالمبرد والأول أحسن فيما قيل ، لأن الحريق للذهب الذى لا تأكله النار آية عجيبة لموسى ، لكن لا تناسب ما مر من صيرورته دماً ولحماً ، ولعله برد لحمه وعظمه بالمبرد . قيل لما أحرق أو برد ذراه موسى فى البحر وأتاهم موسى بالحلال والحرام والحدود والفرائض ، ولما نظروا إليه قالوا لا حاجة لنا فيما أتيتنا به ، فإن العجل الذى أحرقته كان أحب إلينا مما أتيتنا به ، فلسنا قابليه ولا آخذين ما فيه ، فقال موسى يا رب إن عبادك بنى إسرائيل ردوا كتابك ، وكذبوا نبيك ، وعصوا أمرك ، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل فغشوا بنى إسرائيل حتى أظلوا به فحال بينهم وبين السماء ، فقال موسى إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه ، وإما أن يلقى عليكم الجبل فيشدخكم ، فقالوا سمعنا وعصينا أى سمعنا الذى تخوفنا به ، وعصينا الذى أمرتنا به ثم أخذوا الكتاب ، ولم يجدوا بدا من أخذه ورفع عنهم الجبل ، ونظروا فى الكتاب فبين راض وكاره ومؤمن وكافر .