Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-54)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } الذين عبدوا العجل . { يَا قَوْمِ إِنَّكُم ظَلَمْتُم أَنْفُسَكُم باتِّخَاذِكُم العِجْلَ } إلهاً . { فَتُوبُوا إِلى بَارِئِكُم } الفاء للسببية فإنهم أمروا بالتوبة بسبب ظلمهم أنفسهم ، وجاز كونها عاطفة أنكم ظلمتم أنفسكم ، ولو كان أحدهما أمراً والآخر إخباراً فى الأصل ، لأن ذلك محكى لأن الجملة تصير بالحكاية مفرداً ، والمعنى . ارجعوا رجوعاً صحيحاً وثيقاً بقلوبكم وجوارحكم عن عبادته إلى الله الذى برأكم ، أى خلقكم براء من التفاوت ، وميز بعضكم من بعض بصور وهيئات وأصوات مختلفات ، وأصل مادة برئ الخروج من الشئ كبرئ المريض أى خرج من مرضه ، وبرئ المديون أى خرج من دينه ، والتخريج كبرأ الله آدم من الطين ، أى أنشأه منه ، وإنما لم يقل إلى خالقكم أو إلى منشئكم لما يصرح به لفظ بارئكم من التبرئة من التفاوت ، وتمييز بعض من بعض الدالين على غاية اللطف والصنعة والحكمة ، كأنه قيل تتركون عبادة الصانع الحكيم الذى خلقكم عقلاء مميزون ، وتعبدون البقرة التى هى مَثَلٌ فى الغباوة ، تقول العرب فلان أبلد من الثور ، وقرئ باريكم بالياء ساكنة مشبعة بها الراء ، وهى قراءة حكيت عن السبع ، وقرأ أبو عمرو بالهمزة مختلساً بحركتها ، كأنه يميل إلى الياء ، رواه البغداديون عنه وهو اختيار سيبويه ، وروى عنه البرقيون إسكان الهمزة وهو قراءة أبى عمرو الدانى على الفارسى عن أبى طاهر ، وقرأ نافع وباقى السبعة بهمزة مكسورة كسراً صحيحاً خالصاً ، وكذا فى بارئكم فى الآية بعد ويأمركم ويأمرهم وينصركم ويشعركم فى تمكين حركة الراء فى الأربعة واختلاسها وإسكانها ، واعلم أن من لم يعرف حق المنعم حقيقاً بأن تسترد منه نعمته ، فلما لم يعرفوا نعمة الله تعالى فى خلقهم عقلاء براءَ من التفاوت متميزين ، استرد الله منهم نعمته التى هى خلقه إياهم وتركيبه إياهم بإيجاب القتل الذى هو هدم البنية المركبة ، إذ عبدوا ما لا يقدر على تركيب ولا حل ، وبلغوا غاية الجهالة والغباوة بذلك ، كما قال الله جل وعلا { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُم } هذه الفاء للتعقيب المجرد عن التسبب والعطف على توبوا . والقتل تمام التوبة أو على محذوف ، أى اعزموا على التوبة فاقتلوا ، وأجيز كونها للتعبير ، والمعنى اقتلوا بعضكم بعضاً من عبد العجل ، ومن لم يعبده ولم يعتزل عمن عبده ، وقيل ليقتل من لم يعبده واعتزل من عبده ، ومن لم يعبده ولم يعتزل . وقيل لم يؤمر إلا بقتل من عبده ، وإنما استحق من لم يعبده القتل على القولين الأولين ، لأنهم لم يغيروا المنكر ، وقيل أمر كل واحد أن يقتل نفسه قتلاً خالصاً بنحو خنجر لا قتلا بالهم ، لأن الهم ضرورى لا حسى ، فليس كما قيل إنهم أمروا أن يقتلوا أنفسهم بالهم ، وقيل المراد بالقتل قطع الشهوات كما تقول العامة مت تحى ، وكما قيل من لم يعذب نفسه لم ينعمها ، ومن لم يقتلها لم يحيها ، والمشهور أنه القتل الحقيقى . روى عن ابن عباس وغيره أن الرجل كان يبصر ولده ووالده وجاره وقريبه فلم يمكنهم المضى لأمر الله ، فأرسل الله سبحانه وتعالى ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها ، وأمروا أن يحتبوا بأفنية بيوتهم ويأخذ الذين لم يعبدوا العجل سيوفهم ، وقيل لهم اصبروا فلعن الله من مد طرفه أو حل حبوته أو اتقى بيد أو رجل ، وتوبة من فعل ذلك من مردودة فيقولون آمين فتقبلوهم إلى المساء حتى كثر القتل ، فدعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية ، فكشف السحابة ونزلت التوبة فسقطت الشفار من أيديهم وأمروا بالكف عن القتل . قال على بن أبى طالب وكان القتلى سبعين ألفاً والاحتباء ضم الساق إلى البطن بثوب أو عمامة أو غيرهما ، والحبوة ما تحصل من تلك الكيفية ، والبقية منصوب بمحذوف وكرر توكدا ، أى اللهم هب لنا البقية البقية أو سلم البقية البقية أو اترك البقية البقية أو أبق البقية البقية أو نحو ذلك . وذلك القتل كفارة لذنبهم بعد ما تابوا كما يفعل الإنسان ذنباً كبيراً فيتوب ، وتلزمه الكفارة كالقتل فذلك تمام للتوبة ، أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن توبة المرتد لا تتم إلا بقتله مطلقاً أو ذلك فى توبة المرتدين بعبادة ذلك العجل خاصة ، وليس ذلك فى شرعنا بل إن تاب المرتد لم يقتل . وتحملوا شدة القتل لأنهُ أهون من غضب الله ونار جهنم ، ولأن الموت لا بد منهُ ، فلما أمرهم موسى عليه السلام قالوا نصبر لأمر الله فجلسوا محتبين ، وسلط عليهم القوم الخناجز والسيوف على حد ما مر ، وروى أنه اشتد ذلك على موسى ، فأوحى الله إليه أما يرضيك أن أدخل المقتول الجنة ، ويكون شهيداً ومن بقى أكفر عنهُ ذنوبه ؟ وروى أن الذين عبدوا العجل والذين لم يعبدوا ولم يعتزلوا لبسوا كلهم السلاح أمروا بقتل بعضهم بعضاً ، وألقى الله عليهم الظلام ففعلوا حتى بلغوا سبعين ألفاً ، وقيل وقف الذين عبدوه صفاً ، ودخل من لم يعبدوه عليهم بالسلاح ، فقتلوهم ، وذكرت طائفة أن الذين عبدوه جلسوا بالأفنية ، وخرج يوشع بن النون ينادى ملعون من حل حبوته ، وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم ، وموسى صلى الله عليه وسلم فى خلال ذلك يدعو ويرغب فى العفو عنهم . روى أن موسى قال لهم توبوا . فقالوا كيف التوبة يا موسى ؟ قال اقتلوا أنفسكم . قالوا نفعل يا موسى ، فأخذ عليهم العهد والميثاق ليصبرن للقتل وليرضون بالقضاء . قالوا نعم . قال أصبحوا فى أفنية بيوتكم كل بنى أب على حدتهم ، ففعلوا . فأمر السبعين الذين مضى بهم إلى الميقات فمشوا فيهم بالسيوف فقتلوا من لقوا . قال الشيخ هود فبلغنا والله أعلم أن الرجل من بنى إسرائيل يأتى قومه فى أفنية بيوتهم جلوساً ، فيقول إن هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حل حبوته أو قام من مجلسه أوحد إليهم طرفاً أو اتقى بيد أو رجل فيقولون آمين . قال ابن عباس رضى الله عنهما إن الله تعالى أبى أن يقبل توبتهم إلا بالحال التى كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل ، وقال قتادة جعل الله تعالى توبة عبادة العجل يعنى تمامها أو كفارتها القتل ، لأنهم ارتدوا والكفر يبيح الدم . { ذَلِكُمْ } أى قتلكم أنفسكم . { خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُم } من الحياة لأنه طهارة عن الشرك ووصلة إلى رضا مالك الملك ، وسكون الجنة الدائمة . { فَتَابَ عَلَيْكُم } عطف على محذوف ، أى ففعلتم فتاب عليكم التفاتاً من الغيبة فى قومه ، لأن القوم اسم ظاهر ، والظاهر من قبيل الغيبة إلى الخطاب على أن ذلك خطاب من الله تعالى لهم أو رابطة لجواب شرط محذوف ، أى إن فعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم ، وقرن بالفاء مع صلوحه شرطاً لتقدير قد أو مبتدأ ، أى فقد تاب أو فهو تاب ، أو لحذف الشرط فهى دليل عليه وذلك على أنه خطاب من موسى ، وعلى كل حال هى الفاء الفصيحة وهى التى يكون ما بعدها مسبباً لمحذوف قبلها ، سواء كان المحذوف شرطاً أو لم يكن شرطاً لأنها تدل عليه . { إِنَّهُ هُوّ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } الذى كثر توفيقه المذنبين للتوبة ، أو الذى كثر قبوله إياها أو الذى يكثر الإنعام عليهم .