Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-8)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمْنَا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر } ذكر الله سبحانه وتعالى أولا من آمن بظاهره وباطنه ، وذكر ثانياً من كفر بظاهره وباطنه ، وذكر ثالثاً فى هذه الآية من آمن بظاهره وكفر بباطنه ، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى ، لأنهم كفروا بما كفر به من كفر بظاهره وباطنه من إنكار القرآن والرسالة ، وإثبات الشريك والصاحبة والولد ، وزادوا بسيمة الكذب والاستهزاء والخداع ، وإفشاء سر المؤمنين ، وعظم ضررهم فى الدين ، لأنهم عدو مخالط متلبس بالصديق لا متميز معروف يحذر منه ، ولذلك أطال وصفهم وذمهم ، وضرب لهم الأمثال ، وقال { إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار } ذكروا أن الحجاج الظالم قال لجابر بن زيد رحمه الله يا أبا الشعثاء أخبرنى فيمن نزلت الآية الأولى من البقرة ؟ قال فى المؤمنين . قال والثانية قال فى المشركين . قال والثالثة ؟ قال فيك وفى أصحابك ، يعنى المنافقين ، وأشار رحمه الله إلى أن فساق الموحدين يسمون منافقين كما يسمى هؤلاء المشركون الذين آمنوا بألسنتهم فقط منافقين ، وأنهم مثلهم فى المعنى ودخول النار . ومن للتبعيض ، وأل فى الناس للعهد الذكرى ، وهم الذين كفروا المذكورون فى قوله عز وجل { إن الذين كفروا } أى ومن الذين كفروا من لا يكفر إلا بباطنه ، وأما لسانه فيقول به آمنا بالله واليوم الآخر ، ويجوز أن تكون أل للحقيقة ، وأصل ناس أناس ، حذفت الهمزة وهى فاء الكلمة ، فوزن ناس عال ، ووزن أناس فعال بضم أوله ، ولما حذفت عوض عنها أل ولا مانع من كونها للتعويض والتعريف جميعاً ، وقد تحذف أل بعد ما عوضت عن الهمزة ، أو يقال تعويضها غالب لا لازم ، ويدل على تعويضها أنه لا يقال الإناس بالجمع بين أل والهمزة إلا شاذ كقوله @ إن المنايا يطلعن على الإناس الآمنينا فتذرهم شتى وقد كانوا جميعاً وافرينا @@ وهما بيتان من مجزوء الوافر ، وأناس اسم جمع كرخال بضم الراء وكسرها والواحد إنسان وإنسانة ، والرخيل الأنثى من ولد الضأن ، وقيل هو جمع إنسان أو إنسانة ، وكل ذلك من الأنس ضد الوحشة ، لأن الناس يأنسون ويؤنسون ، أو من أنس بمعنى ظهر ، لأن الناس ظاهرون مبصرون ، كما سموا بشراً لظهروهم ضد تسمية الجن جناً لاجتنانهم ، أى استتارهم أو سموا بشراً لظهور بشرتهم ، أى جلدتهم ، بخلاف سائر الحيوان فإن جلدتها مغطاة بصوف أو شعر أو وبر أو ريش ، وقيل الناس بوزن فلع بفتح الفاء واللام وتأخير العين مأخوذ من النسيان ، لأنهم عهد إليهم فنسوا ولأنهم خلقوا على أن ينسوا ، وعلى هذا فلا حذف ، وأصله نسى بفتح النون والسين المنونة كفتى قدمت الألف على السين ، وأصل تلك الألف ياء متحركة فى الأصل ، وبعد التقديم قلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ولكن حركتها فى الأصل بحسب الإعراب ، وبعد التقديم فتحه ، وقيل الناس بوزن فعل بفتح الفاء والعين وتأخير اللام ، وأصله نوس بفتح النون والواو ، وتحركت الواو وانتفح ما قبلها فقلبت ألفاً وهو من ناس ينوس إذا تحرك ، ومن نكرة موصوفة إذ لا عهد تكون به اسماً موصولا كأنه قيل ، ومن الناس ناس قائلون آمنا بالله وباليوم الآخر ، لأنا لو جعلنا أل فى الناس للعهد فى قوله عز وجل { إن الذين كفروا } ولكن القائلون المذكورون لم يتميزوا فيهم بتعيين ولا بصفة من الصفات تميزهم عن سائر من كفر ، هذا ما قلته ، وقال القاضى إنه إذا قلنا أل فى الناس للعهد كانت موصولة أريد بها ابن أبى وأصحابه ونظراؤه ، وأنهم من حيث صمموا على النفاق دخلوا فى عداد الكفار المختوم على قلوبهم ، وأن اختصاصهم بزيادة زادوها على الكفر لا يأبى دخولهم تحت هذا الجنس ، فإن الأجناس إنما تتنوع بزيادة تخلتف فيها أبعاضها ، وعلى هذا الوجه تكون الآية تقسيما لقوله { إن الذين كفروا } وعلى الوجه الأول وهو جعل أل فى الناس للحقيقة لا يكون تقسيما ، لكن الأقسام على كل حال ثلاثة مؤمن خالص ، وكافر خالص ، ومنافق مؤمن بلسانه فقط آمنا بالله واليوم الآخر والرسول والقرآن والملائكة وغير ذلك ، وإنما خص الإيمان بالله واليوم الآخر لذكر تخصيصاً لما هو المقصود الأعظم من الإيمان ، وإظهاراً لما ادعوه من أنهم اشتملوا على الإيمان من جانبيه ، وحازوه كله وإعلاماً بأنهم منافقون فيما ظنوا أنهم فيه مخلصون ، فكيف فيما قصدوا فيه النفاق ، لأن المراد بقوله { من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } قوم من اليهود ، كابن أبى وأصحابه ومن شايعهم من غير اليهود ، وهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر إيماناً خالصاً فى زعمهم ، لكنه فى الحقيقة منتف ، لأن الإيمان بشىء على غير صفته ليس إيماناً على الحقيقة ، فإنهم آمنوا بالله وشبهوه بخلقه فى العباء والحلول ، واتخاذ الصاحبة سبحانه عن ذلك وعن كل نقص ، فكأنهم لم يؤمنوا به ، بل بغيره ، فإن من اتصف بذلك لا يكون إلهاً ، وآمنوا باليوم الآخر ، ولكنهم قالوا إن الجنة لا يدخلها غيرهم ، وإن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة ويظنون أن إيمان المؤمنين مثل إيمانهم ، وأيضاً خص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر بياناً لتضاعف خبثهم وإفراطهم فى الكفر ، لأن ما قررنا عنهم فى زيغ إيمانهم بالله واليوم الآخر لا يكون إيماناً ولو صدر عنهم على نيتهم المذكورة الزائغة فقط ، فكيف يكون إيماناً وقد قالوا تمويهاً على المسلمين ، وتهكماً بهم ، وإنما أعاد الباء فى قوله وباليوم الآخر إعلاماً بأنهم ادعوا الإيمان بالله على الأصالة والاستحكام ، وباليوم الآخر على الأصالة والاستحكام كذلك ، والقول اللفظ المفيد ، ويطلق على التلفظ بكل ما وضع وضعاً بلغة عربية ولو غير مفيد ، أو غير مركب أو بلغة غير عربية ، أو بلفظ مهمل ، هذا فى اللغة ، لأنه حكاية لما نطق به اللسان كائناً ما كان ، وأما تخصيصه لغير المهمل فإنما هو عندى فى اصطلاح النحويين ، ويطلق على الكلام النفسى وعلى الرأى مجازا ، واختيار بعض المنطقتين أنه حقيقة ، ويطلق القول بمعنى المقول أيضاً على المعانى المذكورة كلها إطلاقاً للمصدر ، على معنى اسم مفعول ، واليوم الآخر وقت البعث إلى ما لا نهاية له ، وقيل إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، لأنه آخر الأوقات المحدودة . { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } الضمير عائد إلى من باعتبار معناه ، لأنه واقع على جماعة فأتى به ضمير جماعة ، واعتبر لفظه فى يقول فكان فاعل يقول ضمير المفرد وهو مستتر ، والمعنى إن ما ادعوه من الإيمان غير ثابت ، لأن الإيمان بالشىء على غير إيمان به ، وأصل الكلام أن يقال وما آمنوا ، ليطابق قولهم آمنا فى التعريض للتصريح بشأن الفعل الذى هو الإيمان ، وشأنه فى قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمْنَا } إثباته فى قولك وما آمنوا ، نفيه دون التعريض للتصريح بشأن الفاعل ، ولو صرح به لقيد ، ومن الناس من يقول إنا من أهل الإيمان بالله وباليوم الآخر ، أو إنا مؤمنون بالله وباليوم الآخر ، أو نحن من أهل الإيمن بالله وباليوم الآخر ، أو نحن مؤمنون بالله واليوم الآخر ، ونحو ذلك كما صرح بشأن الفاعل فى قوله { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنينَ } ، وإنما لم يأت بالمطابقة المذكورة ، بل صرح بشأن الفاعل فى قوله { وَمَا هُمْ بمُؤْمنِينَ } دون قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ } … إلخ تأكيداً ومبالغة فى التكذيب ، لأن إخراج ذواتهم من جملة المؤمنين ، إذ قال { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنينَ } أبلغ من نفى الإيمان عنهم فى صورة ماضى الزمان بقولك وما آمنوا فلقصد التأكيد والمبالغة أكد النفى بالباء إيضاح المبالغة ، والتأكيد فى تكذيبهم فى ادعاء الإيمان أنه لو قيل وما آمنوا لكان نفياً للملزوم ابتداء ، ولما قال { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنينَ } كان نفياً للملزوم ، وبانتفاء لازمه لا ابتداء وانتفاء اللازم أعدل شاهد على انتفاء ملزومه ، فكونهم مؤمنين لازم ، وكونهم آمنوا إيماناً صادقاً ملزوم ، وقد نفى اللازم ، فانتفى الملزوم ، وإن قلت قولك هم مؤمنون جملة إسمية ، والجملة الاسمية تدل على الثبات ، فاذا أدخلت النفى عليها كان نفياً لمدلولها الذى هو الثبات للنفى ، وتأكيده قلت إنما يكون نفياً لمدلولها الذى هو الثبات ، إذا اعتبر الثبات بطريق التأكيد والدوام ونحوهما ، ثم نفى ، والآية ليست كذلك ، بل اعتبر النفى فيها أولاً ثم أكد بالباء وجعل بحيث يفيد إثبات الدوام كما أن قولك ما أنا سعيت فى حاجتك لاختصاص النفى ، كأنك قلت ما سعيت فيها ، بلى سعى فيها غيرى ، لا نفى الاختصاص ، إذ لم ترد ما سعيت فيها وحدى ، بل مع غيرى ، فالآية من تقييد النفى لا من نفى التقييد . وإن قلت فهل المراد بقوله تعالى { وَمَا هُمْ بِمؤْمِنينَ } نفى ما أثبتوه من الإيمان بالله وباليوم الآخر ، أو نفى الإيمان مطلقاً ؟ قلت أيحتمل أن يكون المراد نفى الإيمان عنهم مطلقاً ، أشاروا إلى ثبوت الإيمان لهم كله بإثباتهم إياه لأنفسهم بقطريه اللذين هما الإيمان بالله واليوم الآخر ، فنفاه الله عز وجل عنهم كله . ويحتمل أن يكون المراد الاقتصاد فى الظاهر على نفى ما أثبتوه فى الظاهر وحده ، فكأنه قيل وما هم بمؤمنين بالله ولا باليوم الآخر ، فحذف لكونه يعلم من كون الكلام رداً لقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر ، ومن نطق بالشهادتين وفرغ قلبه عما يوافقهما وعما ينافيهما ، أو فرغ عما يوافقهما فقط لم يكن مؤمناً بذلك النطق خلافاً للكرامية . والآية تدل على أن من ادعى الإيمان ، وخالف قلبه ادعاءه لم يكن مؤمناً وتقدم الرد على الكرامية ، ولا تكون الآية نصاً فى الرد عليهم ، لأنها فى الادعاء ، وخلافهم فى النطق بالشهادتين دون موافقة القلب ، وظاهر الشيخ هود رحمه الله إن إيمان هؤلاء كان من قلوبهم ، وإنما نفى الله عنهم الإيمان لعدم وفائهم بالأعمال ، إذا قال أقروا الله بألسنتهم وخالفت أعمالهم وما هم بمؤمنين حتى يستكملوا دين الله ، ويوفوا بفرائضه كإبراهيم الذى وفى ، يعنى أكمل الإيمان وأتم الفرائض … انتهى . وسياق الآية يدل على كفرهم بقلوبهم ، إذ وصفهم الله بالتكذيب ، فتقول مراده رحمه الله أنهم أقروا لله بألسنتهم فقط دون قلوبهم ، فاحترز عن ثبوت الإيمان فى قلوبهم ، بقوله بألسنتهم ، وصرح بنفى الأعمال بقوله وخالفت أعمالهم ، أو أراد بقوله خالفت أعمالهم أنه خالفت أعمال قلوبهم ، وأعمال جوارحهم إذ لم يعتقدوا فى قلوبهم ما فى ألسنتهم والعمل الصالح فى القلب اعتقاده الحق .