Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 96-96)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَتَجِدَنَّهُم } تعلمنهم والمضارع هنا للحال المستمرة قبل وبعد أو للاستقبال ، أى تعلم بعد وقتك هذا أنهم أحرص الناس بعد عدم علمك بحرصهم أو بعد علمك بأنهم حريصون ، لأنهم أحرص عن جميع الناس والضمير المنصوب محلا لليهود . { أَحْرَصَ النَّاسِ } أى أحرص من غيرهم من الناس كلهم ، وإنما يضاف اسم التفضيل لما هو بعضه وهم بعض الناس فى الجملة لا فى الآية ، ومرادى أن يضاف إلى لفظ شامل له بحسبه وضع اللغة لا بحسب المراد منه فى المقام ، فإن لفظ الناس بحسب اللغة شامل لليهود ولا يشملهم فى الآية ونحوها ، إذ لا يفضل الشئ على نفسه وغيره ، كما لا يفضل على غيره ، وأجاز الكوفيون أن يضاف إلى ما ليس هو بعضه ، ولما أضيف إلى معرفة جاز إفراده ، ولو وقع على جماعة ولو طابق ما وقع عليهِ لقيل أحرصى الناس بياء الجمع ، ويحذف نونه للإضافة ، قال ابن هشام والغالب ترك المطابقة كما فى الآية ، وابن السراج يوجبه يعنى يوجب تركها ويرده إلى أكابر مجرميها ، وإن جعل أكابر غير مضاف لمجرميها بل مفعولا ثانياً ومجرمى أولا لزمه ثبوت المطابقة مع التجرد من أول الإضافة لمعرفة إذا قيل أكابر الأكبر وذلك لا يجوز . انتهى بصرف وزيادة إيضاح . { عَلَى حَيَاةٍ } نكر الحياة للتعظيم وللدلالة على النوع . والنوع فرد الجنس ، وإن شئت فقل للدلالة على فرد من أفراد الحياة ، والمراد حياة متطاولة ، فالتنكير أبلغ من قراءة أبى ، أحرص الناس على الحياة بالتعريف ، وإقسام الله على أنهم أحرص الناس على حياة ، تذييل وتقرير بقوله { ولن يتمنوه أبداً } . { وَمِنَ الذينَ أُشْرِكُوا } عطف على من التى يتضمنها قوله أحرص الناس وعلى الناس فهو من العطف على المعنى المسمى فى غير القرآن عطف التوهم ، إذ المعنى أحرص من الناس والذين أشركوا العرب والمجوس ونحوهم ممن أنكر البعث للثواب والعقاب ، فإن العرب تنكره والمجوس كذلك ، وتقول المجوس بالنور والظلمة ، وقيل لم يقولوا أيهما ، وقيل المراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون ملوكهم عشر ألف نيروز وألف مهرجان يعنون أعيادهم ، وعن ابن عباس هو قول الأعاجم زه هزار سال ، أى عش ألف سنة ، وقال الحسن المراد مشركو العرب ، وخص المشركين المنكرين للبعث بالذكر مع شمول لفظ الناس لهم ، ومع أن النصارى أيضاً حريصون على الحياة ، وكذا غيرهم للمبالغة ، إذ حرص من ينكر البعث على الحياة شديد لاقتصار همتهم على الحياة الدنيا وعدم اعتقادهم الجنة والنار ، فضلا عن أن يرجو الحياة الآجلة والجنة ، أو خصهم بالذكر لزيادة توبيخ اليهود ، والتقريع عليهم وإيضاح كذبهم ، لأنهم مقرون بالجنة مدعون أنها لهم ، فلو صحت دعواهم لأحبوا الموت ليدخلوها ، ولكانوا غير حراص على الحياة ، فلما كانوا أحرص عليها ممن لا يعتقد الجنة ، علمنا أنهم كرهوا الموت لعلمهم أنهُ لا خير لهم فى الآخرة ، وما لهم فيها إلا النار ، فكرهوا الموت لئلا يدخلوها بخلاف من أنكر البعث ، فإن حرصه على الدنيا إنما هو لزوال لذتها عنه بالموت لا لخوفه من النار ، لعدم اعتقاده إياها فلم يكن حرصه كحرص هؤلاء الأراجس اليهود ، بل دونه ولم يستبعد حرصهم مع دعواهم الجنة مستبعد لأنهم لم يحرصوا ليزيلوا عبادة فكانوا أحقاء بالتوبيخ الشديد ، ويجوز كون المعطوف محذوفاً أى وأحرص من الذين أشركوا دل عليهِ أحراص الناس ، وذكر ابن هشام أنهُ يحذف المعطوف ، ويجب أن يتبعه العاطف . . انتهى ، ويفيد قوله بما إذا لم يبق المعمول وقوله { يَوَدُّ أَحَدُهم } أى أحد اليهود مستأنف لبيان زيادة حرصهم ، ويحتمل أن تجعل قوله { من الذين أشركوا } خبرا لمبتدأ محذوف منعوت بجملة { يود أحدهم } أى ومن الذين أشركوا ناس يود أحدهم أى أحد الناس المحذوفين ، قال ابن هشام يجوز حذف المنعوت إن علم وكان النعت صالحاً لمباشرة العامل أو بعض اسم مقدم مخفوض بمن أو فى ، فلفظ الناس المحذوف أريد به اليهود ، ودخلوا على هذا الوجه فى قوله { الذين أشركوا } إذ هم بعض المشركين لأنهم أنكروا القرآن ومحمداً وعيسى والإنجيل ، وقالوا عزير ابن الله سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وليس كما قال بعض إن المشركين فى هذا الوجه هم اليهود ، لأن من التبعيضية فى هذا الوجه تنافيه إلا إن أراد أنه أشير بلفظ الذين أشركوا إلى اليهود أنهم من المشركين . { لوْ يُعَمِّرُ ألفَ سَنَةٍ } أى لو يحيى فى ألف سنة أو يعطى ألف سنة ، فألف ظرف على الأول ومفعول ثان ليعمر على الثانى لتضمنه معنى يعطى ، ولو مصدرية والمصدر مفعول لم يرد وليس كما قال غيرى إنها حرف تمنى لأن التمنى إنما يفيده قوله { يود } اللهم إلا أن قدر مفعول { يود } والقول أى يود أحدهم التعمير بقول لو يعمر ألف سنة ، أى لو أعمر أنا ألف سنة فالتفت إلى غيبة يقول من تكلم أعمر أو ضمن يود معنى القول بأن ود بلسانه وقلبه ، فجعل لو يعمر ألف سنة مقولا اليهود ، وممن ذكر أن لو هذه مصدرية ، ابن هشام قال تكون لو مصدرية وأكثرها بعد ود ويود ، وأكثرهم لم يثبت مجيئها مصدرية ، والذى أثبته الفراء وأبو البقاء والتبريزى ، وابن مالك ، ويقول المانعون فى نحو { يود أحدهم لو يعمر } أنها شرطية ، ومفعول يود وجواب لو محذوفان ، والتقدير يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة ، فسره ذلك ، ولا يخفى ما فى ذلك من التكلف … إلخ ، ولا التفات فى يعمر إلا أن ضمن يود معنى يقول ، أو قدر القول ، فحينئذ يكون من الالتفات السكاكى ، إذ مقتضى الظاهر أن يقول أعمر بالتكلم ، وكل سنة مذكورة فى القرآن فمعناها اثنى عشر شهراً إلا السنة العجمية ، والمذكورة هنا اثنى عشر شهراً إلا على ما تقدم أن المراد عشر ألف نيروز وألف مهرجان وزه هز إرسال ، فالسنة العجمية وخص الألف لأنها نهاية العقود ، ولأنها تحية المجوس كما رأيت ، وأصل سنة سنوة أو سنهة لقولهم سنوات وسنهات . وسانهت ، عاملته بالسنين أو ماثلته فيها . أو تسنهت النخلة أتت عليها سنون ، ولما حذفت الواو أو الهاء كانت التاء عوضاً عنها ، أو علامة تأنيث بعد أن كانت علامة تأنيث فقط وقوله . { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أن يُعَمَّرَ } مستأنف أو حال من أحدهم وقوله { هو } عائد إلى قوله { أحدهم } اسم وما ومزحزح خبرها أو الباء صلة التأكيد ، وأن يعمر فاعل مزحزح ، ومعنى مزحزح مبعد أى لا يبعده التعمير الطويل من عذاب الآخرة ، أى لا يمنعه بل لا بد يصله ، ويجوز أن يعود لفظ هو إلى التعمير المفهوم من يعمر فى قوله { لو يعمر } ، ويدل لهذا قول ابن جبير عن ابن عباس ما عمره بمنجيه من العذاب ، فإن يعمر بدل منه بدل مطابق أو عطف بيان وإن يعود إلى مبهم مثل شئ مفسر بقوله إن يعمر . مع إبقاء أن يعمر على الفاعلية لمزحزح ، وقيل هو ضمير الشأن ، وأن يعمر مبتدأ ، ومزحزح خبر ، قال ابن هشام ، ولو كان كذلك لم تدخل الباء فى الخبر ، لأنه لا يكون مزحزح خبر ما حينئذ … انتهى بزيادة منى وإيضاح . { وَاللهُ بَصِيرٌ بما يَعْمَلُون } فيجازيهم ، وقرئ بالمثناة الفوقية .