Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 68-69)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُوا حَرِّقُوهُ } أى إبراهيم لما عليهم بالحجة أرادوا إحراقه . وهكذا المبطل ، إذا أدحضت شبهته بالحجة وافتضح ، لم يكن أحد أبغض إليه من المحق ، ولم يبق له مفزع إلا معاداته ، كما فعلت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين أعجزهم ، وقائل ذلك هو نمرود . وقال ابن عمر رجل من الأكراد ، من فارس ، من باديتهم ، وهو عجمى . قال شعيب الجمان اسمه هرز وهو قول ابن عباس . وقيل نمرود بن لوش . وقيل هينون ، وخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ونسب القول إليهم ، إما حكما على المجموع ، وإما لرضاهم قول القائل وأتباعه ، أو لقولهم تبعًا لقوله ، فالكل قال ، لكن بعض قال أصالة ، وبعض تبعا ، واختاروا العقاب بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ولذلك لا يعذب بالنار إلا خالقها كما قال . { وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } أى ناصرين لها نصراً مؤزَّرا ، وإلا كنتم مقصرين فى حقها . قال الثعلبى فى عرائس القرآن لما عزم نمرود وقومه على إحراق إبراهيم ، حبسوه فى بيت ، وبنوا له بنيانا كالحظيرة ، فى قرية تسمى " كوثى " بثاء مثلثة ، من العراق ويقال لها حرة السواد ، وبها وُلد ، ثم جمعوا له الحطب من أصناف الخشب ، حتى إن المرأة تمرض وتقول لئن عوفيتُ لأجمعن حطبا لإبراهيم . وكانت المرأة تنذر إن أدركتْ ما تطلب لتجمعن له حطبا ، وكذلك الرجل ويفعلون ذلك احتسابا ، وتغزل المرأة ، وتشترى الحطب بغزلها . وكانوا يوصون بشراء الحطب ، حتى إن الشيخ الكبير الفانى الذى لم يخرج زمانا يجئ بالحطب ، ويلقيه تقربا إلى آلهتهم . قال ابن إسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا ، وجمعا كثيرا ، فأشعلوا النار فى كل ناحية ، فاشتد التهابها ، حتى إن الطائر يمر بالهواء فيحترق . قيل أوقدت سبعة أيام ، ثم أرادوا إلقاءه فيها ، ولم يتمكنوا منه لشدة الحريق ، فجاء إبليس فى صورة شيخ فقال أنا أدلكم على صنعة آلة يلقى بها ، فعلمهم صنعة المنجنيق ، وهو أول ما صنع ، فوضعوه مقيدا مفعولا فى المنجنيق . وقيل رفع إلى رأس البنيان وقيد ، وصنع المنجنيق ، وأمسكوا المنجنيق ، فقبضت الملائكة على أستاره . فقال لهم إبليس إيتوا بالنساء منكشفات ، ينكشفن للرجال ، ففعلوا . وصاحت السماوات والأرض ، من الملائكة والدواب إلا الإنس والجن صيحة واحدة يا ربنا إبراهيم خليلك ليس فى الأرض أحد يعبدك غيره ، يحرق فيك . فائْذَن لنا فى نصرته . فقال لهم تبارك وتعالى إن استغاث بشئ منكم أو دعاء فلينصره ، فقد أذنت له ، وإن لم يدْع غيرى فأنا أعلم به ، وأنا وليُّه . فخلوا بينى وبينه . فلما أرادوا إلقاء ، أتاه مَلَك المياه فقال إن أردت أخمدت النار ، فإن خزائن المياه والأمطار بيدى . وأتى خازنُ الريح فقال له إن شئت طيَّرت النار فى الهواء فإن خزائن الريح بيدى . فقال لهم إبراهيم لا حاجة لى إليكم ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم أنت الواحد فى الأرض ، ليس فى الأرض أحد يعبدك غيرى . وقيل قال لهم لا حاجة لى إليكم ، حسبى الله ونِعم الوكيل . وعن المعتم عن أُبىّ بن كعب عن أرقم قال إبراهيم - حين أوثقوه ليلقوه فى النار - لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك المُلك ، لا شريك لك . قالوا ثم رموا به فى النار من موضع بعيد . فقال له جبريل فى الهواء يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا . قال له جبريل فاسأل ربك . قال له إبراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى ، حسبى الله ونِعم الوكيل . وفى الخبر أنه نُجِّى بقوله حسبى من سؤال الخ . وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال إبراهيم حسبى الله ونِعم الوكيل حين ألقى فى النار . وقالها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حين قيل له إن الناس قد جمعوا لكم . وجعل كل شئ يطفئ النار بالماء إلا الوزغة ، فإنها كانت تنفخ فى النار ، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها ، وفى قتلها أجر عظيم ، وهو سامّ أبرص بتشديد الميم ، وسمّ أبرص ، إسقاط الألف . وفى القاموس إن سامّ أبرص ، وسمّ أبرص الوزغة الكبيرة الجسم . وأَكثر اجتهاداً فى إطفاء النار الضفادع ، كانت تحوم حولها ما لا يحوم غيرها . قال الشيخ إسماعيل - رحمه الله - عن النبى صلى الله عليه وسلم " لا تقتلوا الضفادع ، فإن الذى تسمعون منها تسبيح وتقديس ، " وإن إبراهيم - عليه السلام - لما أُلقى فى النار استأذنت دواب البر والطير أن تطفئ عن إبراهيم النار ، فأذن الله للضفادع ، مزكأت على النار ، أى رمت بنفسها عليها ، فذهب ثلثاها ، أى ثلثا كل ضفدع ، وبقى الثلث ، فأبدل الله لها بحرارة النار برد الماء . وظاهره ما أذن فى الإطفاء إلا للضفادع وذكر بعضهم خلاف ذلك . وروى أن الدواب التى يحمل عليها امتنعت من حمل الحطب إلا البغل والبغلة ، فأَعقمها الله . وناداها جبريل { يا نار كونى بردا وسلامًا } وهو المراد بقوله { قُلْنَا } أمرنا بالقول فإن القائل جبريل ، أو من قول الشئ ، بمعنى إيجاده . { يَا نَارُ } نكرة مقصودة . { كُونِى بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } أمرها أن تكون نفس البرد والسلامة مبالغة ، أو يقدر مضاف ، أى ذات برد وسلامة ، أو يؤولان بالوصف ، أى باردة وسالمة ، من أن تضره ، أو مصدران لخبر محذوف ، أى كونى باردة برداً وسالمة سلاماً ، والواو عاطفة لمحذوف على قلنا ، أى وسلمنا سلاماً عليه . وفى الكلام مبالغة ، يجعل النار مسخرة بقدرته ، مأمورة مطيعة ، وإقامة كونى بردا مقام أبردى ، ومرها بأَن تكون نفس البرد ، على ما مر . والمراد بردا عظيما لكنه غير ضار . وعن ابن عباس وعلىّ لو لم يقل وسلاما ، لضره البرد فيموت . قيل لو لم يقل على إبراهيم ، لبقيت بردا أبدا ، نزع الله طبعها الذى هو الإحراق . ويجوز أن يكون باقيا فيها ، لكن دفعه الله عن جسم إبراهيم ، وأذاقه عكسه ، كما رفعه عن الخَزَنة - عليهم السلام ، وكما يرى فى السمندل ، وهو طائر ، يرمى نفسه فى النار ولا تؤذيه . قال عمرو بن واصل كنت عند سهل ليلا ، فأخرجت فتيلة السراج ، فنالت من أصبعى شيئا يسيرا ، تألمت منه . فنظر إلىَّ ، ووضع أصبعه على النار ، نحو ساعتين ، لا يجد ألمًا ، ولا أثرا بأصبعه ، وهو يقول أعوذ بالله من النار . ويدل لهذا قوله { على إبراهيم } وما روى أنهم قالوا هذه النار مسحورة لا تحرق ، فرموا فيها شيخا منهم فاحترق ، ولم تحرق من إبراهيم إلا ما ربطوه به ، ولم يبق يومئذ نار إلا طفئت . وعن كعب وقتادة والزهرى ما انتفع يومئذ أحد بنار فى الدنيا . ولما كان فى الهواء أخذت الملائكة بضبعيه ، فأقعدوه على الأرض فإذا عين ماء عذب ، وورد أحمر ، ونرجس أصفر ، وطعام من الجنة وفراش منها . وروى أن العيدان أثمرت له ثمارها هناك ، وأقام فيها سبعة أيام . قال المنهال بن عمر قال إبراهيم الخليل ما كنت قط أياما أنعم عيشا من الأيام التى كنت فيها فى النار . قال ابن إسحاق بعث الله له مَلَك الظل فى صورة إبراهيم ، فقعد إلى جنبه يؤانسه ويحادثه . وأتاه جبريل بقميص من الجنة فقال يا إبراهيم إن الله تعالى يقول لك أما علمت أن النار لا تضر أحبابى . وألبسه القميص . وروى أنه أتاه بقميص حرير وطنفسة منها ، ألبسه القميص ، وأقعده على الطنفسة ، وأشرف عليه نمرود من عِلْية له ، وما يشك أنه غير محترق هالك ، فرآه جالسا على تلك الحال المذكورة كلها ، والحطب يشتعل حوله . فناداه يا إبراهيم إن إلهك الذى بلغت قدرته إلى أن حال بينك وبين النار ، وصرف عنك ضررها الكبير . يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال نعم . ثم قال نخشى إن قُمت فيها أن تضرك . قال لا . قال فقم فاخرج منها . فقام فخرج منها . فقال له يا إبراهيم مَن الرجلُ الذى رأيتُ بجنبك فى مثل صورتك قاعدا ؟ قال ذلك مَلَك الظل ، أرسله ربى إلى ليؤنسنى . قال نمرود يا إبراهيم إنى مقرب إلى إلهك قربانا ، لما رأيت من قدرته بما صنع لك ، حتى أبيْت إلا عبادته وتوحيده . قال إبراهيم هو إلهٌ قادر . قال نمرود إنى أريد أن أذبح له أربعة آلاف بقرة . قال له إبراهيم إذن لا يقبل الله منك ما كنتَ على دينك حتى تفارقه وترجع إلى دينى . قال يا إبراهيم لا أستطيع ترك ملكى ، ولكن سوف أذبحها له ، فذبحها له نمرود ، وصرف الله ضره عنه من يومئذ . وقال له نعم الرب ربك يا إبراهيم . قال شعيب الجُمانى ألقى فى النار وهو ابن ست عشرة سنة ، وذبح إسحاق ، وهو ابن تسع سنين ، وولدت سارة له ، وهى بنت تسعين سنة ، ومرضت يومين ، وماتت فى اليوم الثالث ، وآمن به لذلك رجال من قومه ، على خوف من نمرود . وقيل كان ذلك فى كوثى الشام لا كوثى العراق ، وهو باطل .