Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 105-106)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } قال الحسن والجمهور هم اليهود والنصارى ، تفرقوا عن دين الله الذى كان بأيديهم بأن زَلّوا عنه . واختلفوا فيه بعد ما جاءتهم التوراة والإنجيل ، قالت اليهود الدين الحق اليهودية ، وقالت النصارى النصرانية وقال كل واحد من الفريقين لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا ، وكذب اليهود عيسى ، ومحمداً عليهما الصلاة والسلام ، وقالوا عزير ابن الله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، وكذَّب النصارى محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقالوا المسيح ابن الله ، وأنه تبعث الأرواح دون الأجساد { فاختلفوا } كالتأكيد لـ { تفرقوا } . وقيل تفرقوا بالعداوة ، واتباع اليهود وعدم الألفة ، والاجتماع ، واختلفوا بسبب اختلافهم فى الأديان ، وقد تفرقوا بسبب استخراج التأويلات الفاسدة من نصوص كتابهم ، واختلفوا بأن حاول كل واحد منهم نصرة قوله ، وقيل تفرقوا بأبدانهم ، بأن كان كل واحد منهم من أولئك الأحبار رئيساً فى بلد ، ثم اختلفوا حتى صار كل واحد منهم يدعى أنه على الحق ، وأن صاحبه على الباطل . قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن من قبلكم من أهل الكتاب يعنى النصارى ، افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ، اثنتان وسبعون فى النار ، وواحدة فى الجنة ، وهى الجماعة " هذا لفظ أبى داود فى سننه ، عن معاوية بن أبى سفيان ، ومثله لأبى هريرة ولم يذكر النار ، بل قال على وسبعين واحدة فى الجنة . وعن ابن عباس الذين تفرقوا واختلفوا كل من افترق من الأمم فى الدين فأهلكهم الافتراق . { وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } وهو يوم القيامة وهو متعلق بقوله { لهم } لنيابته عن نحو ثابت أو ثبت أو بالمنوب عنه المحذوف أو مفعول لأذكر محذوفاً ، ولا يخفى أن النهى عن التفرق ، والاختلاف والوعيد عليه ، إنما هما فى الأصول دون الفروع ، لحديث " اختلاف أمتى رحمة " ولقوله صلى الله عليه وسلم " من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن أخطأ فله أجر واحد " وقرىء بكسر تاء { تبيض } وتسود ، وقرىء تبياض وتسواد بفتحهما ، وبألف قبل الضاد والدال ، وتشديدهما ، وابيضاض وجوه ، واسوداد وجوه حقيقتان لا مجاز ولا كناية وذلك أن من كان من أهل الحق ولو يبدل ولو يغير ، كان وجهه يوم القيامة أبيض مسفراً مشرقاً ، وكذا سائر جسده ، وكانت صحيفته بيضاء مشرقة ، وسعى النور بين يديه وبيمينه ، ومن لم يكن من أهل الحق أو بدل وغير كان وجهه يوم القيامة أسود كسفا كمداً وكذا سائر جسده ، واسودت صحيفته وأظلمت ، وأحاطت به الظلمة من كل جانب ، والأصل الحقيقة ، ولا يخرج عنها إلا لدليل صارف ، وقال الزجاج ابيضاضها واسودادها كناية عن فرح المؤمن وسروره وظهور بهجته ، وحزن الكافر وكآبته وغمه ، وحكمة ظهور البياض فى وجه السعيد ، أنهُ يفرح بعلم قومه وعدوه ، أنه سعيد ، وحكمة ظهور السواد فى وجه الشقى أن يغتم بظهوره ، ومثلهما الفرح والحزن ومن المجاز أو الكناية فى ذلك ، قوله تعالى { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا } ومثل هذا كثير ، ثم إن عبارة بعض تبيض وجوه المؤمنين ، وتسود وجوه الكافرين ، وعبارة بعض تبيض وجوه المخلصين ، وتسود وجوه المنافقين ، وعليه فيقاس على وجوه المنافقين ، وجوه المشركين ، أو ذلك من قائله تمثيل ، وعن عطاء تبيض وجوه المهاجرين والأنصار ، وتسود وجوه بنى قريظة والنضير ، وقيل تبيض وجوه من أسلم وبقى على الإسلام ، وتسود وجوه المرتدين ، وقيل تبيض وجوه من كان على السنة ، وتسود وجوه أهل البدع ، والأهواء كالصفرية وسائر الفرق المبطلة ، ولعل التخصيص فى هذه الأقوال ، تمثيل وإن كان تفسير أحمل عليه غيره ولا دليل لأصحاب التخصيص ، فالأولى التعميم للمؤمنين والكفار ، والوعيد إنما هو مخالفة دين الله ، فعليها الأسوداد ، وعلى الموافقة الابيضاض . فمن خالف الجماعة ، أعنى الحق الذى يجب على الناس أن يكونوا فيه جماعة واحدة ، فهو الذى يسود وجهه ، وهو المراد فى حديث أبى ذر من رواية أبى داود قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " وربقة والإسلام عقدة استعارة من ربقة الحبل ، وهو عروة فيه ، والجمع ربق . وذلك أنهُ تجعل عدة عرى فى حبل واحد . وفى حديث عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سره بحبوحة الجنة ، فعليه بالجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ ، وهو من الإثنين أبعد " البحبوحة الوسط ، والفذ الواحد ، والمراد من خرج عن الجماعة المأمور بالكون معها ، ولا تعتبر الكثرة ، فإنهُ لو قيل لك كن مع الجماعة الذين يفعلون كذا ، ورأيت واحداً يفعله ، لفهمت أنك تكون معه فما تجد أحداً على السنة والقرآن تحقيقاً غير أهل الدعوة ، وأنا أدركت ذلك ، إدراكاً تاماً لا تقليداً ، والحمد لله ، ورأيت من قرب إلى ديانتنا من قومنا تارة ، يؤولون ما تأويله تكلف بعيد لبعد أدلتهم ، وتارة يبقون على الظاهر تحقيقاً ما وجب تأويله لتظاهر أدلته ، وقربها جداً ولزومها ، وتارة يبقونه على ظاهره نطقاً ما وجب تأويله ، ويكلون تحقيقه إلى الله مع علمهم باستحالة الجرى على ظاهره ، كالراجع عن علمه ، وربما وجدنا كذباً كذبوه فى كتبهم منه قول بعض منهم الذين تفرقوا واختلفوا هم من خرج عن على ، عند قبوله التحكيم . فإن أمر الحكمين لم يكن حين نزلت الآية ، بل فى إمارة على ، وتفرقوا واختلفوا صيغتان ماضويتان ، ولا دليل على صرفهما للاستقبال ، ولا على التعيين لمن ذكر ، بل دلت الأدلة على خلوصهم من ذلك ، وعلى أنهم المحقون الذين تبيض وجوههم ، فمن خالفهم فهو داخل فى قوله تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } وهو يعم كل من كفر بعد إيمانه واعلم أنه قد خرج عن على حين أذعن للحكومة ، صحابة كثيرون ، رضى الله عنهم وتابعون كثيرون ، فترى المخالفين يذمون ، ويشتمون من خرج عنه ، ويلعنونه غير الصحابة الذين خرجوا عنه ، والخروج واحد ، إما حق فى حق الجميع ، أو باطل فى حق الجميع ، وسيأتيك إن شاء الله أن الخروج فى جنب الصحابة والتابعين معاً ، فإذا كان حقاً فى جنب الكل فكيف يشتمون من خرج من غير الصحابة ؟ وإن كان باطلا فى جنب الكل ، فقد استحق الصحابة الشتم أيضاً - عافاهم الله - وترى المخالفين يروون أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يصح الحديث ويزيدون فيه ، وقد يصح الحديث ويأولونه فينا وليس فينا ، ومن ذلك ما رواه الزمخشرى عن أبى أمامة أن الذين اسودت وجوههم هم الخوارج ، وأنه لما رآهم على درج دمشق دمعت عيناه ، ثم قال كلاب النار هؤلاء شر قتلى تحت أديم السماء ، وخير قتلى تحت أديم السماء ، الذين قتلهم هؤلاء ، فقال له أبو غالب أشىء لقوله برأيك ؟ أم شىء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة . قال فما شأنك دمعت عيناك ؟ قال رحمة لهم كانوا من أهل الإسلام فكفروا . ثم قرأ هذه الآية ثم أخذ بيده ، فقال إن بأرضك منهم كثيراً فأعاذك الله منهم ، فهذا الحديث إنا أن يكون موضوعاً لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما قاله ابو أمامة عنه صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكون قد قاله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيمن خرج عن على فى أمر الحكمين وإلا شمل الصحابة الخارجين عنه رضى الله عنهم ، وقومنا هم لا يقولون بشتمهم ، فكيف يشتم غير الصحابة بفعل فعله الصحابة ، واقتدوا بالصحابة فيه مع أنهم قد اقتدوا بمن قال صلى الله عليه وسلم " اقتدوا بهم وإنهم كالنجوم " والحق مع فريق واحد له أدله تأتى إن شاء الله ، فأخطأ أبو أمامة فى تأويله بمن خرج عن التحكيم ، لأنهُ من أصحاب الدعوى والنزاع فى ذلك فيكون الحديث فى الصفرية وهم المبالغون فى العبادة جداً وهم شر قتيل ، وقاتلهم خير قاتل ، فأخطأ أبو إمامة فى تفسيره الحديث بمن رآهم على درج دمشق ممن نفى التحكيم ، ومن ذلك ما رووه " عن على بن أبى طالب أنه قال حين سار إلى الذين خرجوا عنه ، أيها الناس … إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج قوم من أمتى يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشىء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشىء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم ، لاتجاوز صلاتهم ، أو قال قراءتهم تراقبهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " وفى رواية سويد بن علقمة " يقرءون القرآن ، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم ، فإن فى قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة " ومثل هذا الحديث فى صحيح الربيع بن حبيب رحمه الله ، فترى على بن أبى طالب ، وهو خصم يتأول الحديث فى من خاصموه ، أعنى غلبوه فى الخصومة فخصموه ، والحمد لله رب العالمين ، وهو مدع ويأتيك ما يبطل هذه الدعوى ولا يخفى بطلانها ، فإن عباد قومنا فيما نرى ، من اجتهادهم فى كتب القوم ، أكثر عبادة ، وقراءة ، وهم المعروفون بذلك أكثر ، وليس نافع لهم مع بعضهم المسلمين واعتقادهم الرؤية وغيرها مما يقدح فى توحيدهم وإسلامهم ، فإذا كان الحديث صحيحاً فيمن أنكر التحكيم ، فلم قصروه على غير الصحابة ؟ مع أن ممن أنكره كثيراً من الصحابة ، فلعل الحديث فيمن رضى بالتحكيم بعد زمان على من المخالفين الفائقين فى العبادة المصوبين للتحكيم الذى أخذوا به ، وفى الصفرية ونحوهم ومن ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول " وأهوى بيده إلى العراق يخرج منه قوم يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية " ، هذا نفس الحديث ، فأخطأ سهل بن حنيف فى تأويله هذا الحديث بمن لم يرض الحكومة ، وإنما هو فى الصفرية ومن رضى الحكومة ، أو فى أمر عثمان وهو الفتنة ، التى يشير إليها أنها تأتى من المشرق وحديثها فى صحيح الربيع - رحمه الله - ومنها حديث مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ، ويمسى كافراً ، ويمس مؤمناً ، ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا " ، فهذا الحديث لا يستطيع مخالف أن يكابر عقله ، والأخبار الواصلة إليه أن يأوله فيمن أنكر الحكومة لاشتهار المنكرين لها بالزهد والورع ، ولو عند قومنا ، وإنما يبيع الدين بعرض من الدنيا فى قوم عثمان حين قاتله المسلمون ، وفى قوم معاوية حين قاتل عليا ، وهذا يقربه قومنا ، أو يكادون ، والدليل الأقوى على أن تلك الأحاديث ليست فينا ولا فيمن اقْتَدَيْنَا بهم ، وإن الراضين بالتحكيم هم المبطلون ، ما رواه أبو عمر ، وعثمان بن خليفه " أن رجلا من تلاميذ أبى موسى الأشعرى عبد الله ابن قيس ، لقيه بعد ما وقع من أمر التحكيم ، فقال لهُ قف يا عبد الله بن قيس أستفتيك ، فوقف وكان التلميذ قد حفظ عنهُ أنه حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون فى هذه الأمة حكمان ضالان مضلان يضلان ويضل من اتبعهما ، قال فلا تتبعهما ، وإن كنت أحدهما ، ثم قال لهُ التلميذ إن صدقت ، فعليك لعنة الله ، وإن كذبت فعليك لعنة الله " ، ومعنى ذلك إن كانت الرواية التى رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ، ثم وقع فيها ، فعليه لعنة الله وإن كان كاذباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعليهِ لعنة الله لنقله الكذب عن رسول الله ، لا محيص له عن الأمرين جميعاً ، فهكذا يكون الرجوع عن العلم ، يعنى فى المعنى ، وأما لفظاً فليس أبو موسى راجعاً ، لأنه قد ثبت على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عمرو واسم الذى سأله سفعة . قلت وقيل سماعة . قال فليس هذا برجوع إنما هذا سابق شقاء وضلال ، قاده إليه مخالفة المسلمين ، نعوذ بالله ، واسم أبيه عقيل الحجاب ، فيما حكى أبو يحيى عبد السلام بن الشيخ عبد الكريم - رحمه الله - حدث بذلك أبو يعقوب ، وهو من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قتل يوم اليمامة رحمه الله عليه يعنى والد سفعة أبا عقيل ، وفى كتاب النووى من المخالفين ، وغيره ، وحكاه أبو القاسم البرادى بلغنا أن سماعة لما بلغه ما فعل الحكمان ، تلقى أبا موسى فقال له " يا أبا موسى إن كنت كاذباً ، فعليك لعنة الله ، وإن كنت صادقاً فعليك غضب الله ، ألم أسمعك تقول حكمان ضالان مضلان ، يضلان ويضل من اتبعهما ، وفيهِ أن نبى الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يقول " حكمان يبعثان ضالان مضلان ، يضلان ويضل من اتبعهما " وذكر أبى موسى هذا الحديث لأهل البصرة فقال لهم تتبعوهما ، وإن كنت أحدهما … " وقال عمار بن ياسر رضى الله عنه ، لما ذكر أمر الحكمين ، وأمر أبى موسى يا أبا موسى أذكرك بالله ، هل سمعت نبى الله يقول من كان ذا وجهين ، وذا لسانين فى الدنيا جعل الله له وجهين ولسانين فى النار . فقال أبو موسى اللهم نعم . فقال عمار فإنى سمعت رسول الله يقول تكون فتنة يكون فيها أبو موسى ذا وجهين ، وذا لسانين " ، ولقد ندم على بن أبى طالب على قتاله من خرج عنه ، وبكى طويلا وقال إنهم خيار الأمة وأسود النهار ، ورهبان الليل ، وقبل ذلك أرسل إليهم ابن عمه ابن عباس فخاصموه ، فخصموه ، وأقر ابن عباس أنهم على الحق ، وأتى علياً وقال أن القوم على الحق ، والحق معهم ، وذلك أن الله عز وعلا ، قد حكم فى الفئة الباغية أن تقاتل حتى تفىء إلى أمر الله ، فلا وجه للتحكيم فى أمر قد بين الله فيه الحكم ومعاوية ومن معه باغون ، وإنما يكون التحكيم فى أمر لم يحكم الله فيه ، وكذا أرسل ابنه الحسن ، فرجع إليه ، وقال هم على الحق ، قال ابن عباس رضى الله عنه للحسن بن على إن كنتم لأهل بيت فى العرب أحق أن تتيهوا كما تاهت بنو إسرائيل قمتم بكتاب الله ، وسنة نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، وجاهدتم عدوكم ، وجعلتم حكماً على كتاب الله ، وقد استبان لكم حكم الله فى عدوكم ، ثم عمدتم إلى فقهاء المسلمين وخيارهم ، وقد أفنوا اللحم والمخ ، وأجهدوا الجلد والعظم فى العبادة لله ، وبذلوا بعد ذلك أموالهم وأنفسهم لله ، والله لو كان الحكمان من المسلمين ، ما حل لكم أن تقتلوا المسلمين ، إن لم يرضوا برأيهما ، فكيف وهما أعداؤكما وقد قتلا أولياءكم ، ولما قدم على الكوفة بعد قتله من خرج عن الحكومة ، قال له ابنه الحسن يا أبت . . قل قتلت القوم ؟ فقال نعم . قال لا جرم لا يرى قاتلهم الجنة ، قال أبيت أن أدخلها ولو حبوا ، وقالت عائشة ، رضى الله ، عنها لمسعود ابن عبد الله بن شداد لما أخبرها بقتاله أباهم ، أنهُ قد ظلمهم إنا لله وإنا إليه راجعون ، هل تسمى لى أحداً ممن قتل ؟ قال نعم … حرقوص بن زهير السعدى فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ، أشهد أن محمداً رسول الله فى بيتى ، فقال يا عائشة أول رجل يدخل من هذا الباب من أهل الجنة ، فقلت فى نفسى أبو بكر ، عمر ، فلان ، فلان … فبينما أنا كذلك إذ أقبل حرقوص ابن زهير ، وقد توضأ ، وإن لحيته لتقطر ماءً ، ثم قال ذلك فى اليوم الثانى ، فدخل حرقوص ، ثم قال ذلك فى اليوم الثالث ، فدخل حرقوص ، ثم قالت تسمى لى أحداً ممن قتل هنالك ؟ قال زيد بن حصن الطائى ، قالت إنا لله وإنا إليه راجعون ، قالت وكيف قتل ؟ قال حمل فشد عليه رجل فوجأه فمشى إليه زيد وهو يقول يا آل حم الحديث ، فبكت عائشة حتى كادت نفسها تخرج . وفى كتاب سالم الهلالى ، أن أبا موسى الأشعرى سأل عن حرقوص بن زهير ، فقيل له قد قتل يوم النهر ، فقال والذى نفسى بيده لو اجتمع أهل المشرق وأهل المغرب على الرمح الذى طعن به حرقوص لدَخَلوا النارَ جَمِيِعاً ، وإذا كان الأمر على ما ذكرته من الأحاديث والآثار فكيف يجوز حمل أحاديث الذم على هؤلاء الممدوحين فى الأحاديث والآثار ، فالأقرب حملها على خُصمائهم ، وكذا الآية إنما هى فى الكفار كلهم ، لأن كل أحد قد آمن بالله يوم آخذ الميثاق إذ خرجوا من آدم كالذر ، وقال لهم الله جل وعلا { ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ } قال أبى كعب أراد الإيمان يوم أخذ المثاق وحين قال { ألست بربكم قالوا بلَى } فآمن الكل ، فكل من كفر فى الدنيا فقد كفر بعد الإيمان . وقال الحسن أراد المنافقين الذين تكلموا بالإيمان بألسنتهم ، وأنكروه بقلوبهم . وقال عكرمة أراد أهل الكتاب ، وذلك أنهم آمنوا بمحمد ، صلى الله عليه وسلم ، قبل مبعثه ، فلما بعث أنكروه وكفروا به ، وقال قتادة هم الذين ارتدوا فى زمان أبى بكر الصديق ، رضى الله عنه ، قال ابن مسعود ، رضى الله عنه قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا هويت إليهم لأناولهم ، اختلجوا دونى ، فأقول أى ربى أصحابى ، فيقول إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ! " وعن أنس أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال " ليردن على الحوض رجال من أصحابى حتى إذا رفعوا لى اختلجوا دونى ، فلأقولن أى ربى … أصحابى . فيقال لا تدرى ما أحدثوا بعدك ؟ فاقول سحقاً سحقاً " ويروى " فأقول سحقاً لمن بدل بعدى " ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليهِ وسلم قال " يرد على يوم القيامة رهط من أصحابى " أو قال " من أمتى فيميلون عن الحوض ، فأقول يا رب أصحابى ، فيقول إنهُ لا علم لك بما أحدثوا بعدك ! إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى … " وقال الحارث الأعور سمعت على بن أبى طالب يقول على المنبر إن الرجل يخرج من أهله ما يؤوب حتى يعمل عملا يستوحب الجنة ، وإن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار ، ثم قرأ { يَوْمَ تبيضُّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ } الآية ، ثم نادى هم الذين كفروا بعد الإيمان ، ورب الكعبة ويجوز أن يراد بالذين كفروا بعد إيمانهم كل كافر ، وأن إيمان من لم يؤمن من الكفار ، هو تمكنهم من الإيمان بالنظر فى الدلائل ، والآيات ، وقوله { أكّفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } مفعول لقول محذوف ، والقول المحذوف جواب إما يقدر مع القلة ، أى فيقال لهم أكفرتم ! هذا قول الجمهور ، وهو مشهور وقيل إن حذف الفاء مع القول ، كحذفها بدونه فى القلة ، أو الضرورة ، فالأولى أن يقدر القول فى قوله تعالى { فَذُوقُوا الْعَذَاب } أى فيقال لهم ذوقوا العذاب ، فيكون المحذوف القول وحده ، دون الفاء ، فيكون جواب { إما } هو جملة القول المقدرة بين الفاء و { ذوقوا } وجملة { أكفرتم بعد إيمانكم } مع قول مقدر معترضة ، أو يقدر قول ناصب لها على أنه حال ، أى قائلا لهم ملائكتى أكفرتم ، أو الأفعال ، أى مقولا لهم أكفرتم . وعلى الوجه الأول يكون { فذوقوا } جواب محذوف ، أى إن كفرتم بعدما تبين لكم الحق ، فذوقوا ، ووجهه أنه لما حذف القول تبعته الفاء ، ورب شىء يصح تبعاً لا استقلالا ، والهمزة للتوبيخ والتعجيب . { فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُم تَكْفُرُون } أمر إهانة والباء للسببية ، أى بسبب كفركم أو للمقابلة أى جزاء كفركم ، وما مصدرية .