Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 119-119)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } ها حرف تنبيه دخلت على المبتدأ كما تدخل على اسم الإشارة ، لأنه ضمير خبره اسم إشارة ، فهذا دليل على أن الخبر أولا ، وإلا لم تدخل { ها } التنبيه على المبتدأ الذى هو ضمير قبله ، وقيل { ها } التنبيه مقدمة من اسم الإشارة ، بعد ويعترض بقوله تعالى فى الآية الأخرى { ها أنتم هؤلاء } ، و { تُحِبُّونَهُمْ } خبر ثان ، والإشارة للمؤمنين المخاطبين ، ويجوز أن يكون { أولاء } مبتدأ ثانياً و { تحبونهم } خبره ، والجملة خبر الأول ، والإشارة فى هذا الوجه للمشركين أو المنافقين ، ويجوز أن يكون أولاء اسما موصولا بمعنى الذين ، وتحبونهم صلته فأولاء على هذا للمؤمنين المخاطبين ، وكذا إن جعلنا أولاء منادى بحرف محذوف على القول بجواز حذفه ، مع اسم الإشارة ، وتحبونهم خبر أنتم ، ويشكل على الوجهين دخول { ها } التنبيه على الضمير ، بخلاف الوجه الذى قبلهما ، فإن اسم الإشارة ولو لم يكن خبراً ، لكنه من جملة هى خبر ، وكذا لو جعلنا أولاء منصوب على الاشتغال ، والإشارة به للمشركين والمنافقين فإنه من جملة محذوفة هى الخبر ، وإذا جعلنا أولاء خبراً ، وجعلناه اسم إشارة جاز أن يكون يحبونهم حالا ، من أولاء ، كما هو أيضاً خبر ثان ، والمعنى أنتم أولاء الخاطئون فى اتخاذ البطانة من المشركين أو المنافقين ، إذ تحبونهم ولا يحبونكم ، وجملة { لاَ يُحِبُّونَكُم } معطوفة على { تُحِبُّونَهُمْ } أو حال من { تُحِبُّونَهُمْ } . { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ } جنس كتب الله ، أو بالتوراة كلها لا تؤمنوا ببعضها وتكفروا ببعضها ، وهذه الجملة معطوفة على تحبونهم ، أو حال من واو { لاَ يُحِبُّونَكُم } على القول لجواز مجىء جملة الحال مضارعية مثبتة غير مقرونه بقد ، أو خبر لمحذوف ، أى وأنتم تؤمنون بالكتاب كله ، والجملة حال ، ومعنى ذلك كله أنكم تحبون اليهود أوالمنافقين لسبب قرابة ، أو رضاع ، أو حلف ، أو نحو ذلك ، ولا يحبونكم للمخالفة فى الدين ، وقيل يحبونهم بإرادة الإسلام لهم ، وهو خير الأشياء ، وفيه الفوز الدائم ، ولا يحبونكم حين أرادوا لكم الكفر ، وهو شر الأشياء وفيه الهلاك الدائم ، وقيل تحبونهم بافشاء أسراركم إليهم ، ولا يحبونكم حين كتموا عنكم . وقيل تحبون المنافقين لما ظهر لكم من الإيمان منهم ، ولا يحبونكم لأنهم مشركون فى الباطن ، وهذا على قول قومنا إن المنافقين فى زمان النبى مشركون فى الباطن ، ولا بأس به ، ولو شدد أصحابنا فى القول به … والأظهر أن المنافق يطلق على من أسر الشرك تارة ، وعلى من فعل كبيرة دون الشرك ، كقول عمر غلبنى المنافقون خيانة ، ولولا نفاقهم ما وليت غيرهم . وجملة { تؤمنون بالكتاب كله } تدل على أن المراد اليهود مبادرة أن المعنى تؤمنوا بكتابهم كله ، أو كتب الله كلِها ، وهم يؤمنون بكتابكم ، ولا بشىء منه ، وعلى كل حال فالمعنى أن الكفار فى باطلهم أصلب منكم فى حق الله عز وجل ، ويدل على أن المراد المنافقون قوله تعالى { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } اللهم إلا أن يقال اليهود أيضاً قد يظهرون الإسلام كما صرح بعض العلماء بأن المراد فى قوله تعالى { وإذا لقوكم قالوا آمنا } اليهود ، ومعنى ذلك أن المنافقين أو اليهود ، أو جميعهم يقولون إذا حضر المؤمنون { آمنا } مكراً وخداعاً وخوفاً ، وإذا لم يحضر المؤمنون أظهروا أشد العداوة ، ونهاية التحسر والغيظ على ائتلاف المؤمنين ، وصلاح ذات بينهم ، واجتماع كلمتهم ، وعض الأنامل كناية عن شدة إظهار الشر عليكم ، لأجل شدة غيظهم ، فشدة غيظهم هى شدة سخطهم ، وعدم رضاهم بصلاح ذات البين المؤمنين ، فبحصول هذه الشدة ، أحبوا وأظهروا فيما بينهم أن لو أصابوا المؤمنين لقتلوهم بمرة ، فهذا الشر المكنى عنه بعض الأنامل ، ولو جعلنا عض الأنامل كناية عن شدة الغيظ هنا ، لكان المعنى اشتد غيظهم لأجل الغيظ ، وهو معنى لا يصح إلا بتكلف ، وإنما تحصلوا على الغيظ وإضمار السوء ، إذ لم يستطيعوا التشفى . و { عليكم } متعلق بـ { عضوا } ، أى اضمروا عليكم ، و { من } للتعليل متعلق به أيضاً ، ولا يتعلق { عليكم } بالغيظ ، لأنه لا يتقدم ما تعلق بمجرور حرف الجر غير الزائد ، على ذلك الحرف ، وقول الواحدى عضوا الأنامل من الغيظ عليكم ، محتمل لأن يكون أراد بتقديم من الغيظ بيان تعلق من يعضوا لا تعلق على الغيظ ، والله أعلم . وقوله { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُم } تلويح من الله جل وعلا ، أنهم يموتون مع غيظهم ، أى يدوم غيظهم إلى أن يموتوا لبقاء الإسلام وقوته ، فهو أمر إهانة ، أعنى قوله { موتوا } . وقيل دعاء بدوام الغيظ لزيادة قوة الإسلام حتى يموتوا ، والباء على القولين للمصاحبة ، وقد اختلف العلماء فى الدعاء للكافر بشرك أو نفاق ، وعندى المنع ، وليس ما هنا دعاء ، وهب أنه دعاء لكن المراد منه بقاء الإسلام ، ولو كان اللفظ بقاء الغيظ ، فإنه بقاءه مسبب عن بقاء قوة الإسلام ، ويجوز أن تكون الباء سببية ، أو موتوا بسبب غيظكم فهو أيضاً أمر إهانة ، أو لا قول هناك ، بل تطيب نفسه بأنهم يموتون غيظاً ، أو مع غيظهم . ومعنى { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أنه لا يخفى عليه كلمات الصدور قبل النطق بها ، وهو من جملة المقول ، كأنهُ قيل وقل لهم إن الله عليم بذات الصدور ، أى إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه عنا من إظهار الشر فيما بينكم عنا ، أو كلام من الله مستأنف ، أى قل لهم موتوا بغيظكم ، ولا تتعجب من إطلاعى على أسرارهم ، فإنى عليم بما فى قلوبهم ، وهو وما تكلموا به سواء .