Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-146)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَاتَلَ } كأن مبتدأ لمعنى كم الخبرية التكثرية و { مِّن نَّبِىٍّ } نعته ، وهو تمييز فىالمعنى جر بمن ، ولا يضاف ، كأين إلى تمييزها ، لأن النون فى آخرها تنوين ، كتبت فى خط المصحف ، شذوذاً وذلك أنها مركبة من كاف التشبيه ، وأى الاستفهامية المنونة ، وبنيت فى التركيب ، ولمعنى الحرف التكثيرى ، كرب ومنها كتب التنوين التركيب ، وقيل مع ضميره المستتر العائد إلى كأين ، جر كأين وزال معنى التشبيه والاستفهام بالتركيب ، ولعله اختيرت أى الاستفهامية ، وكاف التشبيه تلويحاً إلى أنه يتعجب من كثرة ما استعملت فيه ، حتى أن يبلغ يقال فيه كأى شىء هذا الشىء ، فى الكثرة ، والجمهور يقفون عليها بالنون ، لرسم المصحف ، وغيرهم ، يقف بإسقاطها فيبقى حرف مشدد قبلها ولا يوقف على المحرك ، فيسكن الياء فيلتقى ساكنان ، لأن المدغم ساكن فيحذف أحدهما فقيل الأول ، وقيل الآخر ، فبقى الكاف والهمزة وياء ساكنة ، وقرأ ابن كثير بألف بعد الكاف ، وهمزة بعد الألف بوزن قائل وبائع لكن نونه ساكن . قال جرير @ وكائن بالأباطح من صديق يرانى لو أصبت هو المصابا @@ والأولى لغة قريش ، وقيل أصل هذه لغة قريش ، لكن دخلها القلب المكانى ، والحذف وصورة ذلك القلب كان بكسر الياء وتشديدها ، حذفت الياء المكسورة تخفيفاً لثقلها بالكسر والتشديد ، وقلبت الياء مدغمة ألفاً ، وكسرت الهمزة ، لأنها فى موضع فيه الياء المكسورة ، قبل القلب ، وليكون بوزن فاعل ، بكسر العين ، فإنه فى الأسماء أكثر من فاعل فى فتحها . { مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } معه خبر مقدم ، وربيون مبتدأ مؤخر ، والجملة حال من المستتر فى قتل ويجوز أن يكون ربيون نائب فاعل قتل فلا يكون فى قتل ضمير ، ومعه على هذا متعلق بقتل ، وهذه قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبى عمرو ، ويعقوب ، وقرأ غيرهم قاتل بفتح التاء أى قاتل جنس ، أمثلة العدد الكثير ، وما وهنت أصحابه ، أو قاتلوا مع أنبيائهم العدد الكثير وما وهنوا ، وجملة قاتل على أن فيه ضمير { كأين } خبر كأين ، و { ربيون } مبتدأ ومعه خبره ، والجملة حال من المستتر فى قاتل ، أو ربيون فاعل قاتل ، والجملة خبر كأين ، والرابط " هاء " معه ، وقرأ غيرهم أيضاً قتل بالبناء للمفعول ، وتشديد التاء وهى قراءة صالحة لجعل مرفوع قتل بالتخفيف ضمير " كأين " ولجعله ربيون ولا يتعين بما أن يكون مرفوع الفعل ربيون ، ولا يترجح بها لأن التشديد ، ولو كان للمبالغة ، ولا مبالغة فى قتل الواحد ، لكن معنى { كَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ } الكثرة ، لا الواحدة . ثم ظهر لى أن هذه القراءة ترجح كون المرفوع الفعل ، هو ربيون ، لأن الحكم فى { كَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ } إلخ على كل فرد فرد على حدة ، فيناسب أن مرفوعه ربيون لجمعيته ، ويرجحه أيضاً ما روى عن الحسن ، وسعيد بن جبير أنه لم يقتل نبى فى حرب ، لكن يرجح كون مرفوع الفعل ، ضمير كأين إن مساق الآية فى تعنيف من انهزم بسماعه ، أن النبى قتل ، يقول الله إن كثيراً من الأنبياء قتلوا ولهم أصحاب فى الدين ، لم يضعفوا بموت أنبيائهم ، وأنه إذا كان ربيون مقتولين فكيف يوصفون بأنهم ما وهنوا ، وما ضعفوا ، وما استكانوا ، فيحتاج إلى التأويل ، بأنه ما وهن أصحابهم الباقون ، وما ضعفوا ، أو بأنهم قتلوا فى حال عدم الوهن ، وعدم الضعف ، وعدم الاستكانة ، والربيون ، منسوب إلى الرب سبحانه وتعالى ، وفسر الراء من شذوذ تغيير النسب ، كما قرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء والحسن وعكرمة بضم الراء شذوذاً فى تغيير النسب وهو لغة تميم ، ومعنى النسبة إلى الرب أنهم يراعون حدود الله تعالى ، فعلا وتركاً ، يطلبون رضاه بعبادتهم ، كما روى عن ابن عباس والحسن أن المعنى علماء أتقياء ، وقيل ذلك نسب إلى الربة بكسر الراء ، وهى الجماعة فلا تغيير ، والربى الجماعة المتكثرة ، أفاد النسب فيه المبالغة كأحمرى ، إذا أريد أحمر . وقيل الربى الواحد لا الجماعة وهو أظهر لكن روى عن ابن عباس أن الربى جموع كثيرة ، وكذا عن مجاهد ، وقتادة ، ولا إشكال فى أن الربة الجماعة ، قال الضحاك ، الربة الواحدة ألف ، وقال الكلبى الربة الواحدة عشرة آلاف ، وعن ابن مسعود الربيون الألوف قيل الربيون اثنا عشر ألفاً . وقيل الإربيون الولاة ، والربيون الرعية . { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } ما تركوا حضور الحرب لبقاء حدتهم ، أن نبيهم مات أو مات بعضهم معه ، أو معهم دونه والوهن هنا الفتور عن حضور الحرب جبناً وخوفاً ، وقرئ بكسر " هاء " وهنوا . { وَمَا ضَعُفُواْ } إذ حضر الحرب ، بل حضروها وهم أقوياء قلباً ، مع ما نالهم من جرح وقتل أصحابهم ، أو ما ضعفوا فى الدين ، بل تصلبوا لا يتركون بعضه ، وقاموا بالأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، ولم يضعف إيمانهم ولم يشكو حين أصيب نبيهم أو بعضهم . { وَمَا اسْتَكَانُواْ } خَضَعوا لعدوهم ، أو رجعوا إلى دين عدوهم وهو " افتعل " من السكون ، فالسين أصل والألف إشباع ، كقول الشاعر @ أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب @@ وذلك أن الخاضع يسكن لصاحبه ، لا يمنعه عما يريد ، ويجوز أن يكون استفعل من الكون ، فالسين زائدة ، والألف بدل من الواو الأصلية ، وهو للطلب أى ما طلبوا من أنفسهم أن يكونوا لأعدائهم ، أو ما كانوا كالكون فى الهوان ، وهو لحمة فى الفرج ، وذلك تعريض بالمؤمنين بما أصابهم من الوهن والضعف والاستكانة حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرادوا أن يطلبوا عبد الله بن أبى المنافق ، أن يأخذ لهم الأمان من أبى سفيان ، وهو يومئذ مشرك وسبب غلبة المشركين ، ركون الموحدين إلى الحياة وجمع المال والراحة والتلذذ ، قال ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " توشك الأمم أن تتداعىعليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها " فقال قائل ومن قلة يومئذ نحن ؟ قال " بلى وأنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن فى قلوبكم الوهن " . فقال قائل يا رسول الله وما الوهن ؟ قال " حب الدنيا وكراهة الموت " . { واللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين } فى الجهاد وغيره من أعمال الطاعات ، وعلى ترك المعاصى ، وحب الله تعالى ، لم هو لازم الحب فى الخلق ، فهو أن ينصرهم وينعم عليهم دنياً وأخرى .