Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-161)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ } أى أن ينسب إلى الغلول ، أى أن يفعل ما ينسب به الغلول ، أو أن يوجد غالا ، فهو مبنى للمفعول من أغل بالهمزة التى هى لنسبة الشىء إلى فعل ، يقال أفسقت فلاناً أى نسبته إلى الفسق ، أو التى لإلفاء الشىء على ما هو عليه ، كأحمدته إذ وجدته محموداً فانظر فى شرحى على اللامية ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء ، وضم الغين وعلى القراءتين جميعاً الغلول أخذ شىء من الغنيمة خفية ، قال مقاتل والكلبى والنقاش " نزلت الآية فى غنائم أحد ، حين ترك الرماة المركز للغنيمة ، وقالوا نخشى أن يقول النبى ، صلى الله عليه وسلم ، من أخذ شيئاً فهو له ، وألا تقسم الغنائم كما لم تقسم يوم بدر ، وذلك أنه أنفلها يوم بدر ، ولم يقسم وقيد قسمها يوم بدر بالسوية ، بعد أن جعلت له فتركوا المركز ، ووقعوا فى الغنائم ، فقال لهم النبى ، صلى الله عليه وسلم " ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى ؟ " قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفاً . فقال صلى الله عليه وسلم " بل ظننتم أن نغل فلا نقسم " فنزلت الآية . و { نغل } فى الحديث بمعنى أن لا نعدل فى الغنيمة بأنا نعطى بلا قسم ، ومثل ذلك ما روى عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، أن المعنى ما كان لنبى أن يعطى طائفة من الغنيمة ، ويمنع أخرى ، أو يعطى بلا قسم وعدل ، بل يعطيهم كلهم بعدل ، فاقتدوا به يا معشر المسلمين ، ومثل ذلك ما روى أنه ألح عليه قوم من الأقوياء يسألونه من الغنم ، فنزلت الآية منعاً له أن يعطى أحداً فوق سهمه ، أو يعطى من لا سهم له ، وغلظ عليه بأن سمى ذلك غلولا ، وفى رواية عن ابن عباس نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من الغنائم يوم بدر ، فقال بعض المؤمنين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ، يعنون أنه لعله أخذها بأن يكون أجاز الله له أخذها ، وقيل قال بعض المنافقين لعله أخذها ، وذلك جهل منهم أو طعن ، وقيل المفقود المقول فيه المقالان هو السيف . وروى عن الضحاك أنه بعث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، طلائع تطلع على حقيقة أمر العدو فى بعض غزواته فغنم صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثهم ، فقسم لمن حضر ولم يعط الطلائع ، فزجره الله على ذلك ، وغلط عليه بأن سمى ذلك غلولا ، ونزلت الآية فى ذلك . وقيل الغلول هنا إخفاء الوحى أو بعضه رغبة أو رهبة أو مداهنة ، أى ما كان لنبى أن يكتم شيئاً مما أوحى إليه ونفى الغلول بهذا المعنى . والغلول على معنى أن يأخذ الشىء لنفسه ، أو يعطيه غيره ، وظاهر العموم ، وأما إذا جعلنا الغلول فى قسم الغنيمة فالعموم يظهر ، لأن الإبقاء لا تحل لهم ولأممهم الغنائم إلا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإما أن يراد ما كان لنبى عظيم القدر ، هو محمد أن يغل فالتنكير للتعظيم لا للتعميم ، ولا مفهوم له أن يغل غيره للعلم ، بأن الغنائم لا يحل لغيره ، كأنه قيل لا يصح له أن يغل فكيف ينسب للغلول ؟ أو كيف فعلت يا محمد فعلا بعد غلولا وليس به ، وإما أن تراد أمه على هذا النحو أيضاً أو على أنه جاء لإمكان غلول الأمم قد وقع ، وإما على معنى أنه ما غل نبى قط ، فنفى اللازم بنفى الملزوم ، فيصح العموم فبعض لم يغل ، لأنه لم يصح له ولأمته أكل الغنائم مع العصمة ، وبعض للعصمة فقط ، وهو سيدنا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وإما على معنى أنه يستحيل الغلول فى حقهم كما تقول يستحيل الكذب فى حقهم ، أعنى أنه ينفى الشىء ولو لم يمكن ، وذكر الغلول مناسب لذكر الجهاد كقبله . { وَمَنْ يَغْلُلْ } يخف شيئاً من الغنيمة أخذاً لنفسه أو لغيره ، أو إتلافاً له . { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } يحمله على عنقه أو ظهره ، أو يأتى بما احتمل من إثمه ، قل أبو هريرة " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذات يوم فعظم أمر الغلول ، حتى قال " لا ألْقينَّ أحَدكُم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة ، على رقبته فرس لها حمحمة فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بقرة لها صياح " - وروى خوار - " فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة ، على رقبته رقاع تخفق ، فيقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته صامت يقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك " ، وتلك الألفاظ أسماء لأصوات تلك الحيوانات ، والصامت الذهب والفضة . قال ابن عمر " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سعد بن عبادة ، على صدقة أرض فقال " أنظر لأثاث يوم القيامة ببعير تحمله على عنقك " ، قال وإن ذلك كاتن ؟ قال " نعم " قال لا جرم لا أكون لك على عمل أبداً ، فرجع إلى أهله " وإنما قال ذلك لأنه ، صلى الله عليه وسلم ، لم يجزم عليه فى الذهاب ، وسرق جاف من الأعراب نافجه مسك ، فتليت عليه الآية فقال إذن احملها طيبة الرائحة ، خفيف المحمل ، وحمل الغال ما غل عذاب له وفضيحة ويروع أيضاً بصوته ، وقيل بمثل له ذلك الشىء المغلول فى النار ، ثم يجبر أن ينزل إليه ، فيأخذه فيفعل ، فإذا بلغ موضعه وقع منه ذلك الشىء فى النار ، فيكلف أن ينزل إليه ليخرجه يفعل به ذلك ما شاء الله . { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } تعطى جزاؤها من خير أو شر على الغلول ، أو غيره من المعاصى إذا عوقبت على مطلق المعصية ، فأحرى بالغلول . { وَهُمْ } أى كل نفس ، جمع للمعنى . { لاَ يُظْلَمُونَ } لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد علة ذنوبهم ، أو الضمير لمن غل ، قال صلى الله عليه وسلم " أدوا الخائط والمخيط ، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة " قال محدث الأندلس أبو عمر ابن عبد البر الشنار شين ونار ، وروى قومنا عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غل فأحرقوا متاعه ، واضربوه " وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال ، وضربوه ومنعوه سهمه ، وروى زيد بن خالد " أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفى فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " صلوا على صاحبكم " ، فتغيرت وجوه الناس ، لذلك ، فقال " ابن صاحبكم غل فى سبيل الله " ، ففتشنا متاعه ، فوجدنا خرزاً من خرز اليهود ، لا يساوى درهمين ، قال عبد الله بن عمرو بن العاص " كان على غنيمة صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركره ، فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو فى النار " ، فذهبوا ينظرون إليه ، فوجدوا عباءة قد غلها " ، قال الحسن " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله استشهد فلا ، قال " كلا إنى رأيته يجر إلى النار بعباءة ، غلها " قال أبو هريرة " خرجنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى خيبر ففتح الله علينا ، فلم نغنم ذهباً ولا فضة ، غنمنا المتاع والطعام والثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادى ، وادى القرى ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من خدام يدعى رفاعة بن زيد ، وقيل مدعم وهو من بنى الظباب ، فلما نزل الوادى ، قام فرمى بسهم عابر ، أى لا يدرى راميه ، فمات . فقلنا هنيئاً له الشهادة يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلا ، والذى نفسى بيده ، إن الشملة لتلتهب عليه ناراً أخذها من غنائم خيبر لم تصبها المقاسم " ، ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو بشراكين ، من يوم خيبر فقال شراك أو شراكان من نار ، وهو سير النعل الذي يربط على ظاهر القدم .