Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 166-167)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } جمع المؤمنين ، وجمع المشركين يوم أحد . { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } أى بقضائه وحكمه ، هكذا فسره ابن عباس ، رضى الله عنهما ، وقيل بتخليته بين المؤمنين والمشركين ، إذ لم يكفهم عن المؤمنين ، سمى التخلية إذناً لأنها من لوازم الإذن ، فإنك إذا أمرت بشىء لم تمنع مأمورك ، مع بقائك على مقتضى أمرك ، وقيل بعلمه ، كقوله { وأذان من الله } أى وإعلام من الله ، وتسلية المؤمنين عما أصابهم باقية فى هذا التفسير ، كما وجدت فى الأولين ، لأن معنى كون ذلك أصابكم بعلمه ، أن عالم به ، وقاض له بحكمه لم يغفل عنكم ، وأنه سيعاقب الكفار مع ذلك ، أو يلتزم قائله ، إن ذلك غير تسلية بل أخبرهم الله أنه عالم بذلك قضاه عليكم عقاباً لكم على مخالفتكم . { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } ليظهر إيمان من آمن ورسخ فى إيمانه ، ونفاق من نافق ، فيعلم ذلك منهما ظاهراً خارجاً فى الوجود ، كما قد علمه فى الأزل ، وذكر العلم وأراد ملزومه ، فإنه يلزم من وجود المؤمن والمنافق ، بعلم الله ، بوجودهما والعطف على بإذن الله ، فهو علة للإصابة والنفاق عندنا مخالفة العمل ، أو القول ، للقول وعند غيرنا إضمار الشرك وإظهار التوحيد ، والذى عندى مجيد تارة كما تقول ، وتارة كما يقولون ، وهو من النفق وهو السرب فى الأرض ، أو من نافق اليربوع ، باب من أبواب حجره ، إذا قصد خرج منه ، كذلك المخالف بين قوله وعمله ، يقصد من جانب قوله فيوحد مسلماً باعتباره ، وقد خرج إلى الفسق أو الشرك ، بعلمه ، أو قوله المضمر ، وعندنا ولو ظهر ، لأن ظهوره نتيجة عما فى قلبه مضمراً ، ولأنه يظهر لك الإسلام فما يخرج به عنه إلى الفسق لو الشرك غير ظاهر ولا بأس بذلك التفسير إذا حققته وهو المشهور ، وقال الشيخ أبو عمر وعثمان بن خليفة إن النفاق عندنا مأخوذ من نفقت الدابة ، إذا هلكت ، وهو وجه حسن شامل للفسق الظاهر والخفى ، ولعلهم اختاروه لذلك ، فلا يحتاجون إلى التأويل الذى ذكرته فيما عمل من فسق ظاهر . { وَقِيلَ } أى وقال المؤمنون أو قال أبو جابر . { لَهُمْ تَعَالَوْاْ } ائتوا . { قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } أعداءه وجملة قاتلوا بدل من تعالوا بد اشتمال ، لأن الإتيان إلى محل القتال حال القتال سببى للقتال ، ويجوز كونه بد إضراب ، ذلك بحسب الأصل والمعنى وأما فى اللفظ فيحكى القول مفرد ، ولو كان جملا كثيرة ، والواو فى { وقيل لهم تعالوا } ، إما للعطف على نافقوا ، أى ليعلم الذين اتصفوا بأن نافقوا ، وبأن قيل لهم تعالوا قاتلوا فى سبيل الله ، أى فروا عن القتال وأعرضوا عنه ، حتى احتاج المؤمنون أن يقولوا لهم ارجعوا إلينا تقاتلوا معنا ، وإما لعطف قصة على الأخرى ، فيعبر عنها بواو الاستئناف ، والجواب بقوله تعالى { قالوا لو نعلم } أنسب بهذا الوجه ، ولو صلح للأول أيضاً . { أَوِ ادْفَعُواْ } أعداء الله عن أنفس المؤمنين ، وأموالهم وذلك أن حاضر القتال ، إما يشرع فى القتال ، وإما يتوقف حتى يجىء العدو فيدفعه عن المال والنفس ، والمؤمنون أمروهم أن يفعلوا ذلك على قصد الثواب ، وقيل أو ادفعوا أعداء الله بتكثير سواد المؤمنين عن أنفسهم ، وأموالهم لو لم تتواقعوا الثواب ، فإن كثرة السواد مما يروع العدو ، ويكسر شوكته ، بل يجوز أن يأمروهم بتكثير السواد ، وقصد الثواب ، وهو أتم فائدة وأعظم شرعاً ، وبه قال ابن جريح قال سهل بن سعد الساعدى ، وقد كف بصره لو أمكننى لبعت دارى ولحقت بثغر من ثغور المسلمين ، فكنت بينهم ، وبين عدوهم . فقيل وقد ذهب بصرك ، قال لقوله أو ادفعوا ، أراد أكثروا سوادهم ، ويجوز أن يكون أو ادفعوا تهييجاً لهم على حفظ الحريم ، أى إن لم تكن لكم رغبة فى سبيل الله فادفعوا عن أموالكم وأهليكم كما قال قزمان فى ذلك اليوم والله ما قاتلت إلى على حساب قومى ، وقال رجل من الأنصار لما أرسلت قريش رواتهم فى الزرع لترعى زروع بنى قيلة ، ولما تضارب بنو قيله الأوس والخزرج ، وذلك أن عبد الله بن أبى رأس المنافقين ، خرج إلى المدينة مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى أحد فرجع بثلثمائة من المنافقين ، وعبارة بعض ، بثلث الناس ، وقال ما ندرى علام نقتل أنفسنا ، وتبعهم أبو جابر عبد الله بن عمر بن حزام الأنصارى أخو بنى سلمة ، وهو يقول يا قوم ، أذكركم الله أن تخلوا نبيكم عند حضور عدوه ، وقال أنشدكم الله فى بنيكم وذراريكم ودينكم ، وهذا قول يرضاه المؤمنون أو أمروا به ، فقاله وهو مؤمن مخلص . { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } كأنه قيل فما قول المنافقون حين قيل لهم تَعَالوا قَاتِلوا فى سَبِيلِ الله أو ادفعوا ، فأجاب بأنهم قالوا لو نعلم قتالا يقع لاتبعناكم ، فحذف المفعول الثانى ، وهو جملة يقع ، قيل قالوا لأبى جابر والله لا يكون اليوم قتال ، أو المعنى لو نعرف قتالا أى لو نعرف كيفية القتال لاتبعناكم ، ولكنا لا نحسن القتال ، وقالوا ذلك غشا واستهزاءً ومكراً للمؤمنين ، أو المعنى لو نعلم قتالا يقصده ذوو الرأى لاتبعناكم ، ولكن الذى خرجتم إليه إلقاء للنفس فى التهلكة وقد حرض أن لا يخرج المؤمنون إلى المشركين ، كما مر ، ولما قال لهم أبو جابر ما مر عنه آنفاً ولم يرجعوا أيس منهم ، وقال اذهبوا أعداء الله فقد استغنى الله ورسوله عنكم ، ومضى مع النبى صلى الله عليه وسلم ، ومات شهيداً ، رواه قومنا . { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ } أى هؤلاء المنافقون أقرب إلى الشرك يومئذ ، قالوا ذلك من قربهم إلى الإيمان ، وقيل يومئذ لأنهم قبل ذلك اليوم لم يظهروا ما أظهروه يومئذ من العناد ، والخذلان ، واللامان بمعنى " إلى " الأولى تتعلق بأقرب ، والثانية بقرب المقدر مضافاً إلى الهاء ، واعلم أن أفعل التفضيل كغيره ، فى أنه لا يتعلق به حرفاً جر بمعنى واحد إلا على طريق العطف ، أو البدلية أو التوكيد اللفظى فليست اللامان متعلقتين بأقرب ، بل الأولى به والثانية بمضاف محذوف كما رأيت ، ولكن يتم المعنى بزيادة تقدير هكذا ، أى قرب حالهم أقرب يومئذ للكفر ، من قرب حالهم الأخرى للإيمان ، يومئذ ومنهم متعلقان بأقرب أو يعلق اللام الثانية بمحذوف حال من الهاء ، أى أقرب منه متوجهين بحال ما إلى الإيمان ، وقيل المعنى هم لأهل الكفر يومئذ أقرب منهم نصرة لأهل الإيمان ، لأن عنادهم وخذلانهم تقوية للمشركين ، وتضعيف للمؤمنين . { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } يقولون قبل ذلك وبعده بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ، من الإيمان والطاعة والنصرة لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن القول لا يكون حقيقة إلا باللسان ، وإذا استعمل فى القلب كان مجازاً على الصحيح ، وقيل حقيقة فيهما ، وهو ضعيف ، وزعم بعض المناطقة أنه حقيقة فيما فى القلب أكثر من حقيقيته فى اللسان ، وهو ضعيف ، وليس كما قيل أن هذا الخلاف فى الكلام ، لا فى القول ، وأن القول مختص باللسان ، وعلى كل حال فإن قوله ما ليس فى قلوبهم ، تصريح بأن القول هنا ليس من فعل القلب ، فإنما ذكر الأفواه فيما ظهر لى ، ليصرح بأنهم لا يكتفون على التكلم باللسان الحقيق بلسان حال يظهرونها ، يغرون بها المؤمنين ، ويوهمونهم أنهم مسلمون مخلصون ، بل يقولون بأفواههم أنهم مخلصون ، وليشير إلى أن قولهم لا يجاوز أفواههم ، مجاوزة ما ، وليشير إلى أنهم بالغوا فى قول يخادعون به المؤمنين حتى كأنهم قالوه ملء أفواههم ، وفى ذلك كله تأكيد ، وأما أن يقال إنه تصوير لحقيقة القول بصورة فرده الصادر عن آلته التى هى الفم فقليل الفائدة . { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق المضاد ، لما يظهرون لكم ومن سائر مكائدهم وما يخلوا به بعضهم إلى بعض عليكم ، الله أعلم بذلك منكم لأنه يعلمه كله مفصلا ، وأنتم تعلمون بعضه مفصلا ، وتستدلون بأمارات عليه مجملا .