Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا } أى قبل الله الأنثى المذكورة المسماة مريم ، من أمها حنة ، مكان الذكر ، دعت الله أن يقبلها ، إذ قالت { فتقبل مِنّى } فأجاب الله دعاءها فقبلها ، فتقبل لموافقة المجرد ، بمعنى قبل ورضى ، ويجوز أن يكون المعنى أخذها منها حين ولدت ، كما تأخذ القابلة الولد حين يولد وذلك بأن قدر لها من أخذها وتكفلها للعبادة ، وخدمة البيت وحين ولدت ، ولم يتركها حتى تكبر وتصلح للخدمة ، فيناسب هذا الوجه أن يكون كقولك استقبلها كقولهم تعجل بمعنى استعجله ومعنى استقبل الأمر أخذ بأوله … قال القطامى @ وخير الأمر ما اسْتَقْبَلْتَ منه وليس بأن تتبعه اتباعا @@ ومنه المثل خذ الأمر بقوابله ، ولك أن تقول التقبل للمبالغة . { بِقَبُولٍ حَسَنٍ } القبول مصدر ولم يقل بتقبل حسن ، مع أنهُ أنسب لتقبلها وأدل على التوكيد بالمبالغة ، لأن القبول يفيد معنى القبول على وفق طبع البشر ، والتقبل من الصيغ التى تدل على التكلف فى الشىء ، فذكر القبول ألا بصيغة تدل على التكلف فى وصف البشر بشدة الاعتناء ، ليفيد المبالغة ، وذكره ثانياً بلفظ يدل على أنه على وفق الطبع ، والباء زائدة فى المفعول المطلق الواقع اسم مصدر ، أى قبولا حسناً ، أو للدلالة ، وعليه فالقبول اسم لما يقبل عليه الشىء كأنه قال بوجه حسن يقبل به النذر أو بأمر ذى قبول حسن ، وهو إقامتها مقام الذكر أو أخذها من حين ولدت ، بأن لم تترك حتى تصلح للخدمة . { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } بأن كانت تنبت فى اليوم ما ينبت غيرها من الأولاد فى العام فى كبر الجسم والعقل ، وكلما يصلح له قال ابن عباس انبتها نبات السعادة . { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } فام بمصالحها من طعام وشراب ولباس ودهن ، وغير ذلك ، لما ولدت حنة امرأة عمران مريم لفتها فى خرقة ، وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار وهم فى بيت المقدس ، محبة وخدمة لبيت المقدس فقالت لهم دونكم هذه النذيرة ، أى خذوها فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم ، وقيل لأنها حررت لخدمة بيت الله والعبادة وكان أبوها قد مات فتنازع فى كفالتها رءوس بنى إسرائيل وأحبارهم وملوكهم قال مجاهد فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندى خالتها ، فقال له الأحبار لو تركت لأحق الناس بها ، لتركت لأمها التى ولدتها ، ولكن نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه بها ، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين رجلا ، إلى نهر الأردن فألقوا فى الماء أقلامهم ، على أن من رسب قلمه فى الماء فليست له ، ومن صعد على الماء قلمه ، فهو أولى بها ، فكان اسم كل واحد مكتوب على قلمه ، والقلم هو ما يتساهم به فى مثل هذا المحل ، وقيل أقلامهم التى يكتبون بها التوراة ، كما قال الشيخ هود أقلامهم التى يكتبون بها الوحى قيل كانوا يكتبون التوراة ، فألقوا أقلامهم فى الماء ، كانت بأيديهم يكتبون بها ، فارتفع قلم زكريا على الماء ، وكان زكريا رأس الأحبار ونبتهم ، وإنما كان إيشاع أخت مريم وخالتها أيضاً ، لأن عمران تزوج أم حنة ، فولد إيشاع ، وكانت حنة بنتاً لغير عمران ، ثم تزوج عمران حنة ، وهى ربيبته على أن ذلك جائز فى شريعتهم ، فولدت مريم فتكون إيشاع أخت مريم من الأب ، وخالتها أيضاً كذا قيل . قال السدى وغيره أن زكريا كان زوج أختها . قال صلى الله عليه وسلم فى يحيى وزكريا أنهما أبناء الخالة . وشدد الفاء حمزة والكسائى وعاصم ، وقصروا { زكريا } ، فزكريا على هذه القراءة إما فاعل والتشديد للمبالغة ، وإما مفعول ثان والتشديد للتعدية ، وروى حفص عن عاصم أنه مد { زكريا } ونصبه على أنه مفعول ثان وهو دال على الوجه الثانى وكذا يدل عليه قراءة أبى وأكفلها زكريا ، بالهمزة قبل الكاف ، وهى للتعدية ، ونصب زكريا ، أى أكفلها الله زكريا وعلى التشديد والنصب ، ففاعل { كفلها } ضمير يعود إلى الله تعالى ، ولما أخذها زكريا اتخذ لها مراضع ، وقيل أرضعتها زوجته أم يحيى ، حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً فى المسجد ، وجعل بابه فى وسطه ، ولا يرقى إليه إلا بسلم ، ولا يصعد إليها غيره ، ولا يأمن عليها غيره ، وإذا خرج غلق عليها سبعة أبواب ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها كل يوم ، وقال الحسن لم يسترضع لها ، ولم تلقم ثدياً قط ، أنبتها الله بغير رضاع . وقرأ مجاهد فتقبلها ربها بقبول حسن ، وأنبتها نباتاً حسنا ، وكفلها زكريا ، بإسكان لام تقبل ، وكفل ، وتاء ابنتها وكسر باء أنبت ، وفاء كفل بصورة الأمر تدعو الله بذلك ، ونصب ربها ، على النداء وزكريا على المفعول الثانى ، أى واجعلها كافلها ، وهذا دليل أيضاً على الوجه الثانى المذكور آنفاً وحفص وحمزة والكسائى يقصرون { زكريا } فى القرآن كله . { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً } فاكهة الشتاء فى الصيف ، وفاكهة الصيف فى الشتاء ، وكان هو يأتيها بطعام الشتاء فى الشتاء ، وطعام الصيف فى الصيف ، قال الأصمعى المحراب الغرفة وقيل المحراب أيضاً أشرف المجالس ومقدمها . فقيل وضعت فى أشرف موضع من بيت المقدس ، وكذا قال الزجاج وكذلك المحراب من المسجد تفضل جهته ، ولو قيل إنهُ ليس من المسجد ، وقيل المحراب إما يرقى إليهِ بدرج ، وقيل كانت مساجدهم تسمى المحاريب . واستدل الأصمعى على أنه الغرفة بقوله تعالى { إذ تَسَوَّرُوا المحراب } قيل سمى محراب الصلاة والعباد محراباً لأنه آلة يُحَارَب الشيطان بها ، أو موضع يحارب فيه الشيطان ، وكل ظرف متعلق بوجد ، وما مصدرية ، والمصدر من الفعل بعدها نائب فى المعنى عن ظرف الزمان ، مضاف إليه كل . { قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا ؟ } أى من أين لك هذا ؟ . أو كيف لك هذا ؟ والإشارة للرزق كيف كان هذا الرزق لك ، وقد أغلقت عليك باباً أو سبعة أبواب ، وليس هذا الوقت بأوانهّ ، لم يشبه طعام الدنيا . و { أنى } ظرف بمعنى من أين ؟ أو من أى جهة ؟ بنى لتضمنه معنى من الابتدائية وتتضمنه معنى همزة الاستفهام وللجمود على حال واحد ، وهو متعلق بمحذوف خبر ، وهذا مبتدأ ، ولك متعلق بما تعلق به أنى ، أو معنى كيف خبر لهذا ، ولك حال من المبتدأ على الجواز ولا يسمى أنه اسم إشارة ، أو لك خبر لها ، وأنى حال . { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } وذلك بعد ما شبت ، وقيل ذلك كله من حين أخذها ، وأنها تأكل من حينئذ من رزق الجنة ، وأن كلامها من ذلك الوقت كتكلم عيسى فى الصغر ، وكانت تكلم فتكلم لها ، أو تكلم لها تعجباً ، وتفكهاً بالصبى ، ولم يدر أنها تجيبه فأجابته . { إنًّ اللًّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَاب } هذا من جملة كلامها ويحتمل أن يكون من الله تعالى مستأنفاً ، واختاره الطبرى ، ومعنى بغير حساب بغير تقدير لكثرته ، فهو كناية عن الكثرة ، والله لا يخفى عليهِ شىء ، وإنما يخفى الحصر على المخلوق ، أو معناه تفضل بغير محاسبة ، ومن كلام فيه . والآية دليل على جواز كرامات الأولياء إذ رزقها الله من الجنة ، أو رزقاً لا يوجد فى ذلك الوقت ، قيل وهو أيضاً معجزة لزكريا عليه السلام واعتّرض بأنه لم يعلم بدليل قوله { أَنَّى لَكِ هَـذَا } أو بأنه لم يعلم بأخبارها إياه أن ذلك خرق عادة ، سال خرقها بأن تلد له امرأته ولداً ، وهما شيخان عاقران ، وأجيب بأنه عالم أن ذلك الرزق من الله ، وأنه سألهم تعجباً ، واختباراً لها ، وتقريراً . ألا ترى أنه يكرر لها القول ، وتذكر بذلك أن يطلب الولد ودليل النبوة ، لا يوجد مع غير النبى ، بل فى النبى ، لكنها لما كانت صغيرة ، والمرأة لا تصلح للنبوة وكانت فى حجره ، صح لها ذلك معجزة . وروى " أن فاطمة رضى الله عنها ، أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رغيفين وبضعة لحم ، وقد جاع فى زمان القحط أثرته بتلك الهدية ، فرجع بها إلى فاطمة رضى الله عنها ، وقال " هلمى يا بنيتى " فكشفت عن الطبق ، فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً ، فبهتت وعلمت أنها نزلت من عند الله ، فقال لها صلى الله عليه وسلم " أنى لك هذا ؟ فقالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال صلى الله عليه وسلم " الحمد لله الذى جعلك شبيهة بسيدة بنى إسرائيل " . ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب ، والحسن والحسين ، وجمع أهل بيته عليه ، حتى شبعوا وبقى الطعام كما هو ، فأوسعت فاطمة على جيرانها " ، وذكر محمد بن إسحاق أصابت بنى إسرائيل فاقة حتى ضعف زكريا ، عن القيام بمريم ، فخرج عليهم فقال يا بنى إسرائيل تعلمون والله لقد كبرت سنا ، وضعفت عن حمل مريم بنت عمران ، فأيكم يكفلها بعدى ؟ فقالوا والله لقد جهدنا وأصابنا من السفه ما ترى . فتدافعوا بينهم ، ثم لم يجدوا من حملها بدا ، فتقارعوا عليها الأقلام ، فخرج سهم لرجل نجار ، يقال له يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم لمريم فعرفت مريم فى وجهه شدة ذلك عليه فقالت له يا يوسف أحسن بالله ظناً ، فإن الله سيرزقنا . فصار يوسف يرزق لمكانها منه ، فكان يأنها كل يوم من كسبه بما يصلحها ، فإذا دخل عليها فى المحراب به أنماه الله فيدخل زكريا عليها فيقول يا مريم أنَّى لكِ هذا ؟ فتقول هو من عند الله .