Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-55)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيك } مميتك بدون أن يقتلك هؤلاء الذين قصدوا قتلك ، فإنهم لا يصلون إليك . { وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } بجسدك وروحك بعد أن أحييك فى الأرض ، أرسل الله سبحانهُ سحابة ، فرفعتهُ وتعلقت به أمه تبكى ، فقال لها إن القيامة تجمعنا ، ومعنى رفعه إلى الله رفعه إلى سماواته وملائكته كحاله فى الدنيا ، إلا أنه لا يأكل ولا يشرب ، وألبس نوراً ، وكذلك فسر ابن عباس ومالك فى العتيبة المتوفى بالإماتة . قال وهب بن منبه إن الله تعالى توفى عيسى ، ثم أحياه ورفعهُ إليه ، وبه قال النصارى ، ولكن لعنهم الله يقولون إن المرفوع روحه دون الجسد . فرد الله عليهم بأنه يتوفى جسده ويرفعه وقال الفراء معنى متوفيك مميتك بعد إنزالك إلى الأرض آخر الزمان . فالواو عطفت فى هذا القول سابقاً ، وأصل الكلام يا عيسى إنى رافعك إلىَّ . { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ومميتك ، ومعنى تطهيره من الذين كفروا تنجيتهُ من سوء جوارهم وقتلهم ، وإبعاده إياه عنهم ، وعلى قول الفراء رفع بلا موت ، وكذا أكثر القول ، إنه لم يمت . فقيل متوفيك معناه قابضك بلا موت ، تقول توفيت الشىء ، أى أخذته وقبضته تاماً ، لم يصله أعداؤه بقتل ولا بما دونه ، وقيل المراد بالتوفى " الإنامة " كما قال الله جل وعلا { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها } نام عيسى فرفعه الله وهو نائم لئلا يلحقه خوف ، أى سأنيمك وأرفعك إلى ، وقال أبو بكر الواسطى معناه إنى متوفيك عن شهواتك ، أى فليكون كملائكة الله بلا شهوة لأن الشهوات عائقة عن العروج إلى عالم الملكوت ، وقيل معنى متوفيك مكمل أجلك ، لا أسلط عليك من يقتلك ، واختاره الكشافى . { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ } هم المسلمون من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن ما جاء بهِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد وغيره ، مما لم ينسخ ، هو ما جاء به عيسى وزيادة ، فمتبع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، متبع لعيسى عليهِ السلام فى ذلك . { فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } هم ملل النصارى كلهم ، واليهود وغيرهم من ملل الشرك ، لأن من آمنوا بعيسى ، ولم يدخلوا الشرك فى إيمانهم ، قد انقرضوا ، ومن بقى منهم إلى بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد كفروا بجحوده ، صلى الله عليه وسلم أو جحود بعثه إليهم ، والعيان أقوى دليلا ، فإنك لا تجد اليوم ، ولا قبل اليوم ، نصرانيا إلا وقد أشرك بصليب ، أو قوله إن عيسى إله ، وإنهُ هو الله أو ابنه أو بإنكار بعث الأجساد وكل ذلك زائد على إنكاره خاتم النبيين ، أو إنكار بعثه إليه ، ولا تجد أن تقول الذين اتبعوه هم مَنْ آمن به من النصارى ، مع هذا الكفر البين ، وأيضاً شاهدنا وسمعنا ، ورأينا فى الكتب ، أن النصارى الغالبين فى الجزائر ، وبارز ، والأندلس وغيرهن ، ليسوا متبعين لعيسى ، ولا تجد أيضاً أن تقول كما قال بعضهم الحواريون رضى الله عنهم ، لأنهُ لم يملكوا فضلا عن بقاء ملكهم إلى يوم القيامة ، ولهذه الحجج المضيقة قيل الذين اتبعوك النصارى والذين كفروا اليهود إذ كفروا به ، فلم تسمع لهم دولة من زمان عيسى إلى الآن ، ويرده أنه لا يصح أن يقال لمن فى تلك المنزلة من الكفر الذى ذكرت عن النصارى أنه اتبع عيسى ، فأوضح تفسير أن المتبعين هذه الأمة ، والذين كفروا النصارى واليهود وسائر المشركين فلا غلبة مستمرة بالحجة فى الدين ، ولا بالسيف إلا لهذه الأمة ، ومهما رأيت من شىء فلقرب الساعة والنصارى إلى الآن ترتعد من العرب والبربر المتعرية والخالصة . قال الشيخ هود قال بعضهم بعث الله هذا الحى من العرب فهم منه فى ذل إلى يوم القيامة ، أى إما بأنفسهم ، أو باتباع العرب الأوائل الصحابة . وعن قتادة { الذَيِنَ اتّبَعُوكَ } ، هذه الأمة ومن اتبعه قبلها ، وجعل الغلبة بالحجة دائماً ، وبالسيف غالباً ، وهو مشكل إذ ليس الغالب قبل هذه الأمة ولا بعدها ، من اتبع عيسى من النصارى حق الاتباع ، إلا أن يدعى أن المراد باتباعه الإيمان بنبوته ، والأولى ما ذكرته ، حتى عيسى عليه السلام يكون لنا عوناً إذا نزل ، كما بشر النصارى بنبينا - صلى الله عليه وسلم - وبنا . قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والّذِى نَفْسىِ بيدهِ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها " قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم { وَإِن مِّنْ أهْلِ الْكِتَاب إلاَّ لَيُؤمنُنّ بهِ قبل موته } وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بينى وبينه - يعنى عيسى - نبى وأنهُ نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، ينزل بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ويهلك الله فى زمانه الملوك كلها إلا الإسلام ، ويهلك المسيخ الدجال ، ثم إنه يمكث فى الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون " . وذكر بعضهم أنه يدفن فى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقوم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ، بين نبيين عليهما الصلاة والسلام محمد وعيسى . وقيل يبقى فى الأرض أربعاً وعشرين سنة ، وهو بعد نزوله يحج البيت ويعمر ، واجتمعت الأمة أنه حى فى السماء ، وأنه ينزل آخر الزمان ، وعنه صلى الله عليه وسلم " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ؟ وإمامكم منكم ؟ وهذا فضل عظيم ، يكون الإمام من هذه الأمة وعيسى يصلى وراءه " وفى رواية " فأمكم منكم " . قال ابن أبى ذؤيب لرجل أتدرى ما أمكم منكم ؟ قال الرجل تخبرنى . قال فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، يعنى تبعكم فى ذلك . واشتهر فى الحديث أنه ينزل عند المنازه البيضاء شر فى دمشق . { ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ } رجوعكم يكون إلىَّ لا إلى غيرى ، رجوع عيسى ومتبعيه ، ورجوع الذين كفروا ، غلب خطاب عيسى على غيبة غيره . { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } مِنْ أمر الدين وعيسى ، وبين الحكم بقوله