Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 73-73)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } ففى هذا الإخبار بالغيب معجزة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإبطال حيلتهم ، وإبطال تأثيرهم فى قلوب المؤمنين الضعفاء ، وردعاً لليهود عن مثل هذا الاحتيال ، إذ كانوا يفضحهم الوحى . وقيل المراد طائفة منهم كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وقيل المراد هما قالوا لأصحابهم لما حولت القبلة بالمدينة عن بيت المقدس إلى الكعبة ، آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة أول النهار ، وصلوا لها الفجر ، واكفروا آخره فصلوا إلى آخره إلى الصخرة صخرة بيت المقدس لعلهم يقولون هم أعلم فيرجعون عن قبلة محمد إلى قبلتنا ، وذلك أنه شق على اليهود التحول إلى الكعبة ، وبهذا فسر مجاهد . وأخبر الله تعالى نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، بذلك . ووجه النهار أوله ، ووجه الشىء أوله لأن أوله أول ما يواجهك منه ، ومن شدة جهلهم وتسامحهم فى ديانتهم ، أنه تصور عندهم إمكان أن يؤمنوا بدين من اتبع دينهم ، وهو مستحيل إذا كان على التحقيق ، لأنهم إذا آمنوا لمن تبع دينهم ، فليسوا باقين على دينهم ، وكيف يدخلون ديناً تركه صاحبه لبطلانه وهو أيضاً عندهم باطل ؟ ويجوز أن يكون المعنى لا تظهروا أنكم تظهرون الإيمان ، أول النها ، إلا لمن كان على دينكم لأنه أسهل رجوعاً وأهم ، فإنكم إذا أخبرتم المؤمنين أنكم تظهرون إيماناً ليس بكم لم ينخدعوا لكم ، وعدى الإيمان باللام لتضمنه معنى الإقرار ، وقيل اللام للتأكيد فى المفعول به ، أى لا تصدقوا إلا من تبع دينكم . { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } إن السيرة التى تعد هدى هى ما سماها الله هدى وهى ما عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وغير ذلك ضلال . { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } هو على تقدير الباء وتعلق بتؤمنوا ، وما أوتيتم هو التوراة ، ومثله هو القرآن ، أى لا تظهروا أنكم آمنتم بأن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم ، إلا لمن تبع دينكم ، وذلك أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أوتوا القرآن ينزل عليهم ، كما أوتى موسى عليه السلام وأمته التوراة ، وأرادوا أن يظهروا وجه النهار أن محمداً وأصحابه أتوا القرآن كما أوتى موسى وأمته التوراة ، وهو قوله { آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } وقالوا لا تظهروا ذلك إلا لمن تبع دينكم فجملة { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } معترضة تفيد أم كيدهم لا يؤثر شيئاً ، وذلك لأنهم أخبروا بإيمانهم الذى فى قلوبهم ، وجحدوه ظلماً وعلوا ، من ليس على دينهم من المشركين أسلم المشركون وإن أخبروا المؤمنين زادوا ثباتاً ، وفى ذلك تسمية ما فى قلوبهم من العلم ، برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إيماناً وليس بأفعالهم ، لأنهم يعلمون فى مناقضته وينكرونه بألسنتهم ويصدون عنه ، وذلك من كلام الطائفة غير قوله { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } . . ويجوز أن يكون كلام الله كقوله { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } على أن يقدر لام التعليل ، وتعلق بمحذوف ، أى قلتم ذلك ، أو دبرتم ذلك لأجل أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أى حملكم الحسد على ذلك ، وبه فسر قتادة والربيع ابن أنس ، وقوله { يؤتى } على الوجهين ، للحال ويدل على هذا الوجه الأخير أن يؤتى بعد الهمزة للاستفهام ، أى لأجل أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم دبرتم أو قلتم ذلك ، والاستفهام للتوبيخ ، يجوز أن يكون هدى الله بدلا من الهدى ، وأن يؤتى فى تأويل مصدر خبر إن فيكون من كلام الله ، وقرأ الحسن والأعمش إن يؤتى - بكسر الهمزة - على النفى فيكون من كلام الطائفة ، وقدر بعضهم فيه القول على هذه القراءة ، أى قوله لمحمد وأصحابه مما يؤتى أحد مثل ما أوتينا . { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ } عطف على يؤتى ، فإذا علقنا يؤتى لمحذوف فالمعنى أن الحسد حملكم على الحيلة مع أن الإيتاء والمحاجة المذكورين الموثرين للغيظ والحسد كائنان البتة ، وأوثروا على الواو لأن كلا من الأمرين يكون سبب الغيظ والحسد ، وإذا علقنا يؤتى بلا تؤمنوا ، فالمعنى لا تظهروا أنكم آمنتم من قلوبكم ، بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، وبأن يحاجوكم أى يغلبوكم بالحجة ، إلا لأشياعكم الذين على دينكم ، وإخبار أو ليفيد المعموم ، كقوله تعالى { ولا تطع منهم آثماً أو كفرواً } وإذا جعلنا أن يوتى خبر إن فأو بمعنى حتى ، والمعنى قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أهل الكتاب حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم عند الله تعالى ، وهذا الذى يحاجهم ويغلبهم ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، وهو وهم المراد بأحد فإن أحداً بمعنى الجمع هنا ، ولذا عاد إليه واو الجماعة . { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } الفضل عام لكل ما يتفضل الله به على عباده ، ومنه إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن عليه ، ويجوز أن يراد به الإرسال والإنزال ، وقيل الفضل دين الإسلام ، ومعنى كون الفضل بيد الله ، أنهُ فى ملكه وقدرته ، ويؤتيه من يشاءُ لا منازع له فى ذلك ، ولا راد لفضله ، فقد آتاه محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته . { وَاللَّهُ وَاسِعٌ } كثير الفضل ، لا يضيق عليه إيتاؤه . { عَلِيمٌ } بمن هو أهل للفضل فيؤتيه ، ويجوز أن يكون معنى هذا واسع كامل القدرة ، فلكمال قدرته صح أن يتفضل على أى عبد يشاء ، بأى تفضل يشاء ، ومعنى عليم العلم فلكمال علمه لا يكون شىء من أفعاله إلا على وجه الحكمة .