Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 96-96)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ } وجملة وضع نعت لبيت ، واللام فى { للذى } لا التأكيد ، والذى خبر إن وهو من الإخبار بالمعرفة عن النكرة ، لأن أول بيت نكرة ، والمعنى أن أول بيت وضعهُ الله للناس للعبادة والحج والاستقبال ، لهو البيت الذى فى مكة وهو الكعبة ، ويدل أن الواضع هو الله تعالى ، قراءة بعض ، وضع بالبناء للفاعل وهو ضمير عائد إلى الله جل وعلا ، ومعنى وضع الله إياه جعلهُ موضع عبادة ، وأما بناؤه ، فقيل خلق الله بيتاً من ياقوت أحمر وجعله فى موضع الكعبة ، ثم أمر الملائكة فبنوا فى موضعها بيتاً ، ثم بناه آدم ، ثم إبراهيم ، ثم قوم جرهم ، ثم العمالقة ، ثم قريش ، وبكة تعنى مكة ، قلبت الميم ياء ، كلزم ولزب ، كما قلبت الباء ميماً فى راتب ، وراتم ، والباء بمعنى فى أى فى مكة ، وقال ابن القاسم عن مالك بكة ، بالباء ، موضع المسجد ، فإن الكعبة فى المسجد ، ومكة بالميم ، القرية من مكة ، أو بكة إذا زاحمهُ وتباك القوم ازدحموا ، وبَكَّ الفصيلُ أمه إذا مص جميع لبنها لقلته وكذلك مكة ماؤها قليل ، وكذلك تمك الذنوب تزيلها ، ومن بكة إذا دقهُ فإنها تدق أعناق الجبابرة ، إذا قصدوها بسوء ، وعلى الأول محمد بن على الباقر . قال قتادة رأيت محمد بن على الباقر يصلى فمرت امرأة بين يديه ، فذهبت أدفعها فقال دعها فإنها سميت بكه ، لأن الناس يبك بعضهم بعضاً تمر المرأة بين يدى الرجل وهو يصلى ، والرجل بين يدى المرأة وهى تصلى لا بأس بذلك ، وروى عنه وعن عبد الله بن الزبير لأنهم يتباكون فيها فى الطواف ، وقيد فى معنى كونه أول بيت وضع للناس ، أنه أول بيت بناه آدم عليه السلام فى الأرض ، أى أول بيت بنى للناس يعبدون الله فيه ، وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه قبل الأرض بألفى عام ، وكان زبدة بيضاء على الماء ، فدحيت الأرض تحته وقال رجل لعلى أهو أول بيت ؟ فقال لا … قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركاً فيه الهدى والرحمة ، قيل هو أول بالشرف لا بالزمان ، وهو ضعيف . والصحيح أنه أول بالشرف والزمان ، " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع للناس ، فقال المسجد الحرام ، ثم بيت المقدس . وسئل كم بينهما ؟ قال أربعون عاماً " ولفظ الحديث عن أبى ذر " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع فى الأرض . قال " المسجد الحرام " قلت ثم أى ؟ . قال " المسجد الأقصى " . قلت كم بينهما ؟ قال " أربعون عاماً " ثم جعلت الأرض مسجداً فحيثما أردت الصلاة فصل " وعن مجاهد خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفى عام . وفى رواية عنه أن الله خلق موضع البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفى عام . وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء خلقه قبل الأرض بألفى عام درة بيضاء فدحيت الأرض من تحتها ، وهذا قول ابن عمر ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدى وقيل أول بيت بنى على الأرض . وروى على بن الحسين بن على أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتاً ، وهو البيت المعمور ، وأمر الملائكة أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور ، وروى أن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفى عام ، وكانوا يحجونه ، فلما حجه آدم قالت الملائكة بر حجك يا آدم ، وكأنه خطر فى قلبه عظم الحج الذى حج ، فقالوا له لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام . وقيل لما هبط آدم إلى الأرض استوحش ، وشكا الوحشة ، فأمره الله تعالى ببناء الكعبة ، فبناها وطاف بها ولما جاء الطوفان رفع الله البيت إلىالسماء ، وبقى موضع البيت أكمة بيضاء إلى أن أمر الله إبراهيم ببنائه ، وقد أودع الحجر الأسود فى جبل أبى قبيس فأخرج له منه ، وقيل كان فى موضع البيت قبل آدم بيت يقال له الضراح تطوف به الملائكة ، فلما أهبط آدم ، أمر بأن يحجه ويطوف حوله ، ورفع فى الطوفان إلى السماء الرابعة ، يطوف به ملائكة السماء ، ويرد أن الآية فى تعظيم الكعبة على بيت المقدس فلا وجه لحمل الآية على تعظيم الضراح . { مُبَارَكاً } من الضمير المستتر فى قوله { ببكة } ، لأن الأصل ثبت ببكة ، أو من الذى بناء على الحال من الخبر ، ولو لم يكن مبتدأ إشارة لأمن الضمير فى { وضع } لرجوعه إلى البيوت الموضوعة للناس ، فإنه يفسد دعوى رجوعه إليه بقوله { فيه آيات بينات مقام إبراهيم … } إلخ ، فصح عود { مباركاً } إلى ما هو الكعبة ، لأنها التى عندها مقام إبراهيم وغيره مما قصد بالآيات البينات ، ومعنى كونها بيتاً مباركاً ، أن الله جل وعلا فيها زيادة الخير الكثير والنفع لمن حجها واعتمرها ، واعتكف عندها ، وطاف حولها ، فهو أول بيت خص بزيادة الخير ، ومن ذلك تضاعف الثواب ، قال صلى الله عليه وسلم " صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام " ، ومن ذلك زيادة تكفير الذنوب ، لكن من لازم ذلك عظم الأجر فيه على الذنب فى غيره ، كما عدت على الأنبياء أشياء ذنوباً ، ليست ذنوباً على لعظم شأنهم . { وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } عطف على { مباركاً } مبالغة ، إذ ليس هاديا الهدى ، أو يقدر ذا هدى ، أو هادياً ، ومعنى كونه هادياً أنه يرشد الله العالمين إلى صلاحهم الدينى ، باستقبالهم له إذ يدخلون الجنة باستقباله فى الصلاة مع إقامة الفروض بالطواف والعبادة عنده ، وبالآيات البينات التى عنده ومقام إبراهيم كما ذكر بعد ، تدل على وجود الله سبحانه وتعالى ، إذ لا يقدر عليها غيره .