Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 125-125)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَن أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ } أخلص قصده لله فى قوله وعمله واعتقاده ، وأخلص نفسه أعنى ذاته لله لا يعرف لها ربا سواه أو أخلص وجهه فى سجوده لله ، والسجود على الوجه أقصى ما يعمله الانسان فى طاقته ، من خضوع الظاهر ، فاذا صح بمواطأة القلب والجوارح له فلا أعظم منه بعد التوحيد ، بل هو من حيث استحضاره أنه لا مستحق له الا الله ، توحيد وقيل أسلم وجهه فوض أمره لله . { وَهُوَ مُحْسِنٌ } عامل للحسنات ، تارك للسيئات ، لأن فاعلها مسىء لا محسن ، وقيل وهو محسن بمعنى وهو موحد ، وقيل المحسن بالله كأنه يراه . { وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أى دينه ، وهو دين رسول الله صلى الله عليه وسلم فان دينه هو دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع زيادات حسنات من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وقيل جميع ما فى دينه صلى الله عليه وسلم هو دين ابراهيم صلى الله عليه وسلم ، وعلى القولين من اتبع ملة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد اتبع ملة ابراهيم ، لدخول ملة ابراهيم فى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكونها عينها ، ولم يقل واتبع ملة محمد ، لأن دين ابراهيم مقبول عند الناس كلهم ، أهل الكتاب والمجوس والعرب ، ولو أخطأوا كلهم فى بيانه . وأعظم ما تنتسب اليه العرب فى الدين والنسب ابراهيم ، وكذا أهل الكتاب رغبهم الله كلهم فى دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالتعبير عنه بدين ابراهيم عليه الصلاة والسلام ، فالملة المذكورة المنسوبة لابراهيم عليه الصلاة والسلام ، ودين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداخل فى عموم { وَمَن أَحْسَنُ } المقصود فيه هو بالذات ، أى ومن أحسن دينا من محمد وأمته المسلمين وجوههم لله ، وهم محسنون المتبعون لدين ابراهيم باتباع دينهم ، فالدين والملة شر واحد الا أنه باعتباره أملا له على الرسولين ملة ، وباعتبار الانقياد اليه أو الجزاء به ونحو ذلك دين ، والمعنى لا أحسن منه . { حَنِيفاً } حال من ضمير اتبع ، أو من ابراهيم ولو مضافا اليه ، لأنه يغنى عن ذكر ما أضيف اليه ، ويفهم المعنى أو من ملة وذكر لأن وزن فعيل أساغ التذكير ، وذلك سماع وهذا مرجوح ، ومعنى حنيفا مائلا عن الشرك وسائر الأديان الى التوحيد ، وهذا الدين المحمدى ، وزاد الله الترغيب فى ملته صلى الله عليه وسلم ، والايذان بأنها نهاية الحسن والكمال بقوله { وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } ضيفا مكرما اكراما شبيها باكرام الخليل خليله ، وأعاد اسمه تفخيما له ، وزيادة ايضاح ، والخلة الود الذى تخلل النفس وخالطها ، فخليلا من الخلال ، فحب الله اياه كامل ، والحبيب أعظم من الخليل ، لأن الحب فى الخلق اصابة حبة القلب وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حبيب ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " انما كان ابراهيم خليلا من وراء ورائى " أى بعد ما هو أعظم من الخلة ، وهو حب الله اياى ، وتصييره اياى حبيبا له . قال الترمذى ، عن ابن عباس ، عن النبى صلى الله عليه وسلم " أنا حبيب الله " بل هو أيضا خليل الله وزاده المحبة ، قال صلى الله عليه وسلم " اتخذنى الله خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا " وعنه صلى الله عليه وسلم " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخى وصاحبى وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " فيجوز أن يكون معنى قوله انما كان ابراهيم خليلا من وراء ورائى كان خليلا من وراء خلتى التى هى وراء محبتى ، وقيل سمى خليلا وكذا كل خليل من الخلل ، لأن كلا من الخليلين يسد خلل الآخر ، فالله جل جلاله سامحه ، أو من الخل وهو الطريق فى الرمل ، فان الخليلين يترافعان فى الطريقة ، وابراهيم يخالف الله عز وجل فى شىء ، أو من الخلة بمعنى الخصلة ، وابراهيم كل خصلة أحبها الله جل وعلا ، والخليل منا يتوافقان فى الخصال ، وقيل معنى خليل الله فقير الله ، والخلة الفقر والحاجة . شعر @ وان أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالى ولا حرم @@ وابراهيم عليه السلام ملق فقره الى الله تعالى وحاجته ، ومنقطع اليه ، وخلة الله لعبده تمكينه من طاعته وعصمته والثناء عليه ، وقيل سمى خليلا لأنه والى فى الله ، وعادى فى الله ، فقد بالغ فى الخلوص اليه تعالى . واختلفوا فى السبب الذى اتخذ الله به ابراهيم خليلا فقيل انه بعث الى خليل له بمصر فى شدة أصابت الناس ، يمتار منه الطعام ، فقال خليله لو كان ابراهيم يريد لنفسه لفعلت ، ولكن يريد للأضياف ، وقد أصابنا ما أصاب الناس ، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملئوا منها الغرائر حياء من الناس ، فلما أخبروا ابراهيم شاءه الخبر فغلبته عيناه فنام ، وقامت زوجته سارة الى غرارة منها ، فأخرجت حوارى واختبزت ، فاستيقظ ابراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز فقال من أين لكم هذا ؟ فقال من خليلك المصرى ، فقال بل هو من عند خليلى الله عز وجل ، فسماه الله خليلا ، هذا لفظ الزمخشرى . وذكر الخازن القصة عن ابن عباس بأبسط من هذا ، وهو أن ابراهيم صلى الله عليه وسلم يكنى بأبى الضيفيان ، وكان منزله على ظهر الطريق ، ويضيف من مر به من الناس ، فأصاب الناس شدة قحط ، فقصد الناس باب ابراهيم يطلبون منه الطعام وكانت الميرة تأتيه من صديق له بمصر ، فبعث ابراهيم غلمانه الى خليله بمصر ، فقال خليله لغلمان ابراهيم لو كان ابراهيم يريد الطعام لنفسه احتملنا له ذلك ، وقد دخل علينا مثل ما دخل على الناس ، فرجع غلمان ابراهيم بغير طعام ، فمروا ببطحاء من الرمل ، فقالوا لو حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فانا نستحى أن نمر بهم وابلنا فارغة ، فملئوا من الرمل الغرائر التى معهم ، ثم أتوا الى ابراهيم عليه السلام ، فأعلموه وسارة نائمة ، فاهتم لذلك ولمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه ونام ، واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار ، فقال سبحان الله ما جاء الغلمان ؟ قالوا بلى . قالت فجاءوا بشىء ؟ قالوا نعم . فقامت الى الغرائر ففتحتها فاذا هى مملوءة بأجود دقيق حوارى ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ ابراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام ، فقال يا سارة من أين لكم هذا ؟ فقالت من عند خليلك المصرى ، فقال هذا من عند خليلى الله ، قال فيومئذ اتخذه الله خليلا . وقيل لما رأى ملكوت السماوات والأرض ، وحاجه قومه فى الله ، ودعاهم الى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان ، وبذل نفسه للالقاء فى النيران ، وبذل ولده للقربان وما له للضيفان ، اتخذه الله خليلا ، وجعله اماما للناس يقتدى به ، وجعلوا النبوة فيه وفى ذريته ، وقيل لما كسر الأصنام وعادى قومه فى الله عز وجل ، اتخذه الله خليلا . وقيل لما دخل عليه الملائكة فظنهم ضيفا فقرب اليهم عجلا مشويا وقال كلوا على شرط أن تسموا الله فى أوله ، وتحمدوه فى آخره ، فقال جبريل أنت خليل الله ، فمن يومئذ تسمى خليل الله . " وجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه سلم فقال يا خير البرية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذلك ابراهيم خليل الله " وهذا قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم . وقيل هبط عليه ملك فى صورة رجل ، وذكر اسم الله بصوت رخيم شجى ، فقال ابراهيم عليه الصلاة والسلام اذكره مرة أخرى ، فقال لا أذكره مجانا ، فقال لك مالى كله ، فذكره الملك أشجى من الأول فقال اذكره مرة ثالثة ولك أولادى . فقال له الملك أبشر فانى ملك لا أحتاج الى مالك وولدك ، وانما كان المقصود امتحانك ، فلما بذل المال والأولاد على ذكر سماع ذكر الله تعالى لا جرم اتخذه الله خليلا . قال بعض النصارى اذا جاز تسمية خليل الله ، فلم لا يجوز تسمية عيسى ابن الله ، وكلتا التسميتين تشريف ؟ الجواب ان الخلة لا تقتضى الجنسية ، بخلاف النبوة فان الابن من جنس أبيه تعالى الله ، فان كان هذا اللعين يقر بالقرآن ، ويزعم أنه الى العرب خاصة كفى منع القرآن ذلك ، وانما اتخذه الله خليلا لمحض الفضل لا لاحتياجه كاحتياج الأب الى ابنه كما قال الله جل وعلا { وَللهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ }