Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 157-157)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَوْلِهِمْ } ذمهم الله بهذا الافتخار والفرح بقتل رسول مؤيد بالمعجزات . { إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ } قالوا هذا افتخارا بقتله فى زعمهم أنهم قتلوه ، وانما سموه رسول الله على طريق الكذب ، أو على الشك فى رسالته ، أو أرادوا أنه رسول الله فى زعمه ، أو قالوه استهزاء كقول فرعون فى موسى ان رسولكم الذى ارسل اليكم لمجنون ، وكنت قبل أقول ان هذه التسمية من الله تعالى لا منهم ، لكن أدخلها فى كلامهم لظهور أنهم كفروا به ، ولتقدم الكلام على كفرهم كما تقول جاء زيد ، فيقول سامعك العاقل ، نطق بالعاقل نعتا لزيد فى كلامك ، أو يحيى بعطف البيان أو البدل من لفظه يضمه الى كلامك ، فهو عطف بيان أو نعت لعيسى أو منصوب بمحذوف ، أى يعنون رسول الله ، أى يعنون من هو عند الله رسول . وقال القاضى أو هو من كلام الله وضع للذكر الحسن ، موضع الذكر القبيح ، وعيسى بدل المسيح أو بيانه ، وابن نعت عيسى أو بدله أو بيانه ورسول الله نعت ثان له أو نعت له أو بدل وابن أو نعته بيانه ، وقد قيل بجواز تعدد البدل أو مفعول لمحذوف . { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ } المجرور نائب الفاعل لشبه ولا ضمير فى شبه ، أو النائب ضمير فى شبه ، أو عائد الى المقتول المدلول عليه بقولهم قتلنا مع قوله تعالى { وَمَا قَتَلُوهُ } أى لم يكن المقتول اياه ، والمعنى ولكن شبه لهم من قتلوه ، ووجه آخر يكون نائب العامل ضمير مستتر فى شبه عائد الى عيسى ، أى شبه لهم عيسى بغيره فقتلوا غيره وصلبوه ، وذلك على معنى أنه أوقع التشبيه بين عيسى وغيره ، والا فعيسى مشبه به لا مشبه ، أو على المبالغة فى التشبيه كان الأصل فى صورة عيسى هو المصلوب المقتول . قال الكلبى ، عن ابن عباس ان عيسى عليه السلام استقبل رهطا من اليهود ، ولما رآه قالوا له جاء الساحر بن الساحرة ، والفاعل ابن الفاعلة ، فقذفوه وأمه ، ولما سمع ذلك عيسى دعا عليهم فقال اللهم أنت بى وأنا من روحك خرجت ، وبكلمتك خلقتنى ، ولم أتهم من تلقاء نفسى ، اللهم العن من سبنى وسب أمى ، فاستجاب الله دعاءه ، ومسخ الذين سبوه وأمه قردة وخنازير ، ولما رأى ذلك يهوذا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته ، فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى ، فاجتمعوا عليه ذات يوم ، وجعلوا يسألونه فقال يا معشر اليهود ان الله يبغضكم ، فغضبوا من مقالته غضبا شديدا وثاروا اليه ليقتلوه ، فبعث الله عز وجل جبريل عليه السلام اليه ، فأدخله الله خوخة فيها رونقة فى سقفها ، ورفعه الله عز وجل من تلك الرونقة . وأمر يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه يقال له فطيانوس أن يدخل الخوخة ويقتله ، وكان ينافق عيسى ، ولما دخل فطيانوس الخوخة لم ير عيسى عليه السلام ، فأبطأ عليهم ، فظنوا أنه يقاتله فألقى الله عليه شبهه ، ولما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه . قال وهب بن منبه ان عيسى عليه السلام لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا ، ضاق ذلك عليه ، وشق فدعا الحواريين وصنع لهم طعاما وقال لهم أحضرونى الليلة وان اليكم حاجة ، فلما اجتمعوا اليه من الليل أطعمهم وقام يخدمهم ، ولما فرغوا من الطعام أخذوا يغسلون أيديهم وهو يوضئهم ويمسح أيديهم بثيابه ، فتعاظموا ذلك وتكارهوه ، فقال لهم من رد على الليلة شيئا مما أصنع فليس هو منى ولا أنا منه ، ولما فرغوا من الطعام قال ما خدمتكم الليلة الا لتكون فىَّ أسوة ، فانكم ترون أنى خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض ، وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسى لكم ، وأما حاجتى التى استعنتكم عليها ، فأن تدعوا الىَّ وتجتهدوا فى الدعاء أن يؤخر أجلى . فلما نصبوا أنفسهم للدعاء ، وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء ، فجعل يوقظهم ويقول سبحان الله ما تصيبون فى الليلة الواحدة أن تعينونى ، قالوا والله ما ندرى ما لنا ، لقد كنا نسهر فنكثر السهر ، وما نطيق الليلة السهر ، وما نريد دعاء الا حيل بيننا وبينه ، فقال يذهب الراعى وتبقى الغنم ، وجعل يأتى بكلام نحو هذا يعنى نفسه ، ثم قال ليكفرن بى أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعنى أحدكم بدراهم يسيرة ، وليأكلن ثمنى . فخرجوا وتفرقوا ، وكانت اليهود تطلبه ، فأخذوا شمعون أحد الحواريين وقالوا هذا من أصحابه فجحد ، وقال ما أنا من أصحابه فتركوه ، ثم أخذوا آخر فجحد كذلك ، ثم سمعوا صوت الديك فبكى وخوفه ذلك ، وقد أتى أحد الحواريين الى اليهود فقال لهم ما تجعلون لى إن دللتكم على عيسى ؟ فجمعوا له ثلاثين درهما ، فأخذها ودلهم عليه ، وكان شبه عليه قبل ذلك ، فأخذوه واستوثقوا منه ، وربطوه بالحبل ، وجعلوا يوقدونه ويقولون له أنت كنت تحيى الموتى ، وتبرىء المجنون ، أفلا تفتح يمينك عن هذا الحبل ، ويبصقون عليه ، ويلقون عليه الشوك ، ونصبوا له خشبة ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبين عيسى ، وألقى شبه عيسى على الذى دلهم عليه ، فقال أنا الذى دللتكم عليه فلم يلتفتوا الى قوله فقتلوه وصلبوه ، وهم يظنون أنه عيسى ، وتوفى الله عيسى عليه السلام ثلاث ساعات ، ثم رفعه الى السماء ، فجاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فبرئت باذن الله من الجنون تبكيان عند المصلوب ، فجاءهما عيسى فقال على م تبكيان ؟ قالتا عليك . قال ان الله رفعنى ولم يصبنى الا خير ، وأن هذا شبه لهم . وقال مقاتل ان اليهود وكلوا بعيسى عليه السلام رجلا يكون رقيبا عليه ، يدور معه حيث دار ، فصعد عيسى على الجبل ، فجاء الملك وأخذ بضبعيه ورفعه الى السماء ، وألقى الله عز وجل على الرقيب شبه عيسى ، فلما رأته اليهود ظنوا أنه عيسى فأخذوه ، وكان يقول لهم لست بعيسى أنا فلان بن فلان فلم يصدقوه وقتلوه وصلبوه . وقال قتادة ذكر لنا أن نبى الله عيسى عليه السلام قال لأصحابه أيكم يقذف عليه شبهى فقتل ، فيكون معى فى الجنة ، فقال رجل قيل اسمه سرجس أنا يا نبى الله ، فقتل ذلك الرجل وسلم عيسى ، ورفعه الله ، وقيل الذى شبه بعيسى وصلب مكانه رجل من بنى اسرائيل يسمى أشيوع بن قندير ، ذكر ذلك الثعلبى ، وقيل أخذوه وجعلوه فى بيت ، وجعلوا عليه رقيبا ، فألقى الله الشبه على الرقيب فقتلوه . وعن السدى أن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين فى بيت ، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه فيقتله ، فألقى الله عليه الشبه فقتلوه . قال الخازن واختار الطبرى ما رواه بسنده عن وهب بن منبه أنه قال أتى اليهود عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين ، ولما دخلوا عليهم صورهم الله تعالى على صورة عيسى عليه السلام ، فقال لهم سحرتمونا لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ، فقال عيسى لأصحابه من يشترى نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم أنا فخرج اليهم فقال أنا عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه ، فمن ثم ظنوا أنهم قتلوا عيسى ، وظنت النصارى والعياذ بالله أنه المقتول ، ورفعه الله تعالى من يومه . وروى أن بنى اسرائيل وملكهم يطلبون عيسى للقتل ، ويجعلون عليه الجعائل ، فرآهم رجل رقيب ، فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين دخلوا بيتا بمروى من بنى اسرائيل ، فروى أنهم عدوهم ثلاثة عشر ، وروى ثمانية عشر ، وحضروا ليلا ففرق عيسى الحواريين تلك الليلة الى الآفاق ، وبقى هو ورجل معه ، فألقى الله الشبه على الرجل فقتل وصلب ، وقيل على الذى دل عليه ، ورفع الله تعالى عيسى . وروى أنه شبه عيسى ألقى على الجماعة كلها ، فلما أخرجهم بنو اسرائيل نقصوا واحدا من العدة ، فأخذوا واحدا ممن عليه الشبه فقتلوه ، وروى أن رجلا كان ينافق عيسى عليه السلام ، ولما أرادوا قتله قال أنا أدلكم عليه ، فدخل بيت عيسى ، ورفع عيسى وألقى الله الشبه على المنافق ، فدخلوا عليه فقتلوه ، وهم يظنون أنه عيسى ، ثم اختلفوا فقال بعضهم انه إله لا يصح قتله ، وقال بعضهم انه قد قتل وصلب ، وقال بعضهم ان كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وان كان هذا صاحبنا فأين عيسى ، وقال بعضهم رفع الى السماء ، وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ، ولم يكن الشبه ألقى عليه كله ، بل على وجهه . وقيل لم يقتلوا عيسى ولا غيره ، فمعنى ولكن شبه الله عليهم الأمر ، وخلطه عليهم فأرجف الناس بقتله ، وشاع قتله ، لأنهم ذهبوا الى قتله وحصروه فى بيت . ولا يلزم من كون الكلام فى قتل المسيح أنه وقع قتل ما ، ولا أن يكون التشبيه تشبيه مقتول بسالم ، ولا يتعين حمل قول القاضى ، أو وقع التشبيه فى الأمر على قول من قال بقتل أحد00الخ ، على ما ذكر الفخر عن كثير من المتكلمين أن اليهود قصدوا قتله ، فرفعه الله الى السماء ، فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة بين عوامهم ، فأخذوا انسانا وقتلوه وصلبوه ، ولبسوا على الناس أنه المسيح ، والناس ما كانوا يعرفون المسيح الا بالاسم ، لأنه قليل المخالطة مع الناس ، فبهذا اندفع ما يقال . اذا جاز أن يقال ان الله تعالى ألقى شبه زيد على عمرو ، وعند ذلك لا يبقى الطلاق والنكاح والملك موثوقا بها ، انتهى . قلت بل يوثق بها بحسب الظاهر ، والى الله السر ، وكم تلبيس يقع بغير ذلك ، وجزت أحكام الشرع بظاهره وتواتر النصارى بوقوع قتل لا يوثق به لا مكان انتهائه الى ما دون عدد التواتر على خلاف فيه ، وأما كون عيسى مقتولا فلا يقول به الا اخوان القردة والخنازير . { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } فى عيسى أى فى شأنه ، بان قال بعض كما مر ان كان هذا صاحبنا ، فأين عيسى أو ان كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وبعض أن الوجه وجه عيسى والبدن بدن غيره ، وقال من سمعه منهم يقول ان الله يرفعنى الى السماء أنه رفع الى السماء ، وقال بعض انه كذاب فقتلناه ، وأكثر فرق النصارى قالوا بقتله . فقالت النصطورية انه قتل وصلب ناسوته أى جسمه ، لا لاهوته أى نفسه وروحه كما زعمت الحكماء أن الانسان جسم لطيف فى هذا البدن الآدمى ، أو جوهر روحانى مجرد فى ذاته مدبر فى البدن ، يحصل لمظلمة ما فى البدن ، وأصله سماوى نورى كروح الملك ، فهذا لم يقتل ولم يصلب بل البدن . وقالت الملكانية وصل القتل والصلب الى اللاهوت بالاحساس والشعور لا بالمباشرة . وقالت اليعقوبية القتل والصلب وقعا بالمسيح الذى هو جوهر متولد من جوهر . { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } أى لفى غير يقين ، بل بعض فى تردد كالذين يقولون ان كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وان كان هذا صاحبنا فأين عيسى ، وبعض فى أمر لا يرجح أحد طرفيه ، فان الشك يطلق على التردد بلا ترجيح طرف وعلى تردد ، مع ترجيح طرف ، وهذا الأخير مقابل العلم الذى لا يقبل التشكيك ، ويجوز أن يراد بالشك الجهل ، ويطلق أيضا على الاعتقاد الذى تسكن اليه النفس وتعده علما لا ظنا ولو كان خطأ . { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ } الاستثناء منفصل ، ولذلك نصب ولم يختر الابدال ، وذلك أن الظن ليس علما ، أى تعينا بل ترجيح ، وان فسرنا العلم بالاعتقاد الذى تسكن اليه النفس سواء كان جزما أو ترجيحا ، كان الاستثناء متصلا فيما قيل ، قلت بل يكون منفصلا أيضا لا متصلا ، لأن اتباع الظن غير نفس الظن فاتباعه ليس من العلم الجزمى لا الترجيحى الا أن جعلت اضافة اتباع للبيان ، أى اتباعا هو الظن . { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أكد قوله { لَفِى شَكٍّ } بقوله { ما لهم به من علم الا اتباع الظن } وبقوله { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } والهاء لعيسى عليه السلام يقينا نعت لمصدر محذوف ، أى قتلا يقينا أو مفعول مطلق مضاف لمصدر محذوف ، أى قتل يقين وذلك أن اليقين يطلق بمعنى التيقن ، وبمعنى الشىء المتيقن به ، أو حال من الواو أى ذوى يقين أو متيقنين به ، وانما صح تقسيم القتيل الى واقع يقينا وغيره باعتبار الاخبار به ، والا فالفعل من حيث هو لا بد واقع ، وانما كذبهم الله فى قولهم انا قتلنا المسيح . وقال ابن عباس الهاء للظن ، أى ما قتلوا ظنهم بازالته والانتقال عنه الى اليقين أو ما أحكموا أمر عيسى ، فيكون بمعنى ما علموا قتل عيسى علما يقينا ، أو علم يقين يقال قتلت الشىء أو نحرته علما ، أى بالغت فى علمه ، ويجوز فى هذا الوجه أن يكون تمييزا عن الفاعل ، أى ما قبله علمهم ، قال الشاعر @ كذاك يخبر عنها العالمات بها وقد قتلت بعلمى ذلكم يقنا @@ ولا يجوز أن يكون يقينا عائد الى قوله { بَلْ رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ }