Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 94-94)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ } سافرتم للجهاد . { فِى سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا } لا تعجلوا فى القتل والغنم اذا رأيتم أمرا مشتبها حتى يتبين الكافر من المؤمن ، وقرأ حمزة والكسائى فتثبتوا فى المؤمنين والحجرات ، والمعنى واحد والتفعل فى القراءتين للطلب . { وَلا تَقُولُوا لِمَن أَلقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ } وقرىء السلم باسكان اللام بعد فتح السين ، وبعد كسرها ، وقرىء السلام بألف بعد اللام ، والمراد بذلك كله الانقياد للايمان ، بأن نطق بكلمة الشهادة ، وقال محمد رسول الله ، يجوز أن يكون السلام بمعنى السلام عليكم اذ كانت هذه تحية المؤمنين دون المشركين ، فاذا قيلت فلا تعجلوا على قائلها بالقتل . { لَسْتَ مُؤمِنًا } انما ألقيت ذلك الينا نفاقا لتنجى نفسك ومالك ، وقرأ عاصم بفتح الميم الثانية ، أى لا نؤمنك ولست فى الأمان منا ، بل احملوه على ظاهر كلامه ، فاذا رأوا فى بلد أو فى حى من أحياء العرب شعار الاسلام وجب أن يكفوا عنهم ، ولا يغيروا عليهم ، كما روى عن عصام المزنى ، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم " اذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا " وان قال يهودى أو نصرانى أنا مؤمن لم يحكم بايمانه بل يقال له ما ايمانك ؟ فان جاء به تاما خلى ، وان قال محمد رسول الله لم يحكم بايمانه لعله أراد رسول الله الى العرب خاصة ، فان قال الى الناس كلهم ، وان دين اليهودية والنصرانية باطل فهو مؤمن . { تَبتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا } تطلبون حطام الدنيا السريع الزوال ، والجملة حال من واو تقولوا ، والعجلة بالقتل والغنم حيث الشبهة حرام ، أريد حطام الدنيا أو لم يرد ، لكن الغالب فى حال المستعجل بالقتل والغنم ارادة حال الدنيا ، والقيد الجارى مجرى الغالب لا مفهوم له ان أردتم عرض الحياة الدنيا . { فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرةٌ } وعدها لكم تغنيكم عن قتل المؤمن ، وأخذ ماله ، فاطلبوها بالوجه الحلال ، ولا تحرموها بالتعدى ، أو عند الله ثواب عظيم ، فليكن هو المقصود بجهادكم لكثرته ونفاسته ودوامه ، وعلى هذا سمى ثواب الله غنيمة لمشاكلة لفظ الغنيمة المفهوم مما قبل . { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ } أى كما كان من ألقى اليكم السلام مستخفيا فى قومه بايمانه ، مقهورا فيهم ، غير مشتهر بايمانه حتى يقتل لعدم العلم بتحقق ايمانه ، أو بايمانه ، كذلك كنتم بعد اسلامكم ، وقبل عزة الاسلام . قال سعيد بن جبير قيل أو كما طلب هذا الأمان بكلمة الاخلاص ، كذلك كنتم تأمنون بها فى قومكم ، فلا تقتلون فكيف تقتلون من أمن اليكم بها أو كما يزعم الزاعم أن مظهر التوحيد ، وانما حد اتقاء كذلك كان ظاهركم التوحيد ، فتركتم له ، أو كما كان مشركا فى زعم الزاعم ، كذلك كنتم مشركين تحقيقا فأسلمتم ، فهلا تبينون اذا رأيتم شعار الايمان ، فلعله قد أسلم لحينه ، قال ابن زيد بهذا الأخير . { فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ } باظهار الاسلام لعزة أهله ، وكثرتهم ، أو منَّ الله عليكم بالهدى الى الاسلام والتوبة . { فَتَبَيَّنُوا } اطلبوا البيان بترك العجلة الى القتل والسلب ، حيث لاحت أمارة الايمان ، كرر للتأكيد ، أى فافعلوا بالداخلين فى الاسلام ما فعل بكم حين دخلتم ، فلأن تخطئوا فى ترك المشرك لشبهة أفضل فى السلامة من أن تخطئوا فى قتل مؤمن ، فاحتاطوا فان ابقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل امرىء مسلم . { إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } لا يخفى عنه قصدكم بالقتال المال ، وتساقط من يتساقط عليه من وجه لا يحل ، فالله يعاقب على ذلك فاحذروا عقابه . قال سعيد بن المسيب " خرج المقداد بن الأسود فى سرية ، فمر برجل فى غنيمة له فقال انى مسلم فقتله المقداد ، وأخذ غنيمته ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فقال قتلته وهو مسلم . فقال له المقداد ود لو أقر بأهله وماله ، فنزل قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ } الى قوله { خَبِيراً } " وروى أنه لما أراد المقداد قتله حين التقيا قال لا اله الا الله ، فترك المقداد قتله ، فقتله أسامة ، وأخذ غنيمته الى آخر ما مر بلفظه . وعن ابن عباس رضى الله عنهما " نزل قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ } الى قوله { خَبِيراً } فى رجل من بنى مرة بن عوف يقال له مرداس بن نهيك ، وكان من أهل فدك ، وهى قرية بخيبر ، لم يسلم من قومه غيره ، فسمعوا بسرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم ، وكان على السرية غالب بن فضالة الليثى ، فهربوا منه ، وأقام ذلك الرجل ، وقد هرب قومه وقال لهم انى لا أتابعكم انى مؤمن ، ولما رأى الخيل خاف أن لا يكونوا مسلمين ، فألجأ غنمه الى عاقول من الجبل ، يعنى الى غار . ويروى ألجأ غنيمته الى سفح الجبل ، ولعل الغار فى سفحه ، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون ، فعرف أنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل ، وهو يقول أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد بسيفه ، واستاق غنمه ، ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أى حزن من ذلك وجدا شديدا ، وكان قد سبقهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقتلتموه ارادة ما معه ؟ " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد هذه الآية ، فقال أسامة قتلت يا رسول الله ، انما قالها خوفا من السلاح ، فقال " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا أم لا ؟ " فقال أسامة استغفر لى يا رسول الله ، فقال " كيف أنت بلا اله الا الله " يقولها ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكررها حتى وددت أنى لم أكن أسلمت الا يومئذ ، ثم استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اعتق رقبة واردد الغنيمة لأهلها " . وعن ابن عباس أيضا " مر رجل من بنى سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم فسلم عليهم فقالوا انما سلم ليتعوذ منكم ، فقاموا اليه فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية " . وفى رواية أن سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيت رجلا له جمل ومتيع ، وقيل غنيمة ، فسلم على القوم وقال لا اله الا الله محمد رسول الله ، فحمل عليه أحدهم فقتله ، والذى عليه الأكثر ، وهو فى سيرة بن اسحاق ومصنف أبى داود وغيره ، أن القاتل محلم بن جثامة ، والمقتول عامر بن الأضبط ، ولا خلاف أن الذى لفظته الأرض حين مات ودفن هو محلم بن جثامة القاتل ظلما . قال ابن أبى حدرد " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أضم فى نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربيعى ، ومحلم بن جثامة ، فخرجنا حتى اذا كنا ببطن أضم ، مر بنا عامر بن الأضبط الأشعرى على بعير له ، معه متيع له ، ووطب من لبن ، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الاسلام ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله ، فأخذ بعيره ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر فنزلت عليه فينا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ } الآية " ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء { لِمَنْ ألقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ } لهذا الحديث . قال عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، ثم عمد الى ظل شجرة ، فجلس تحتها وهو بحنين ، فقام اليه الأقرع بن حابس ، وعيينه بن حصن يختصمان فى عامر بن الأضبط الأشجعى ، وعيينه يطلب دم عامر ، وهو يومئذ رأس غطفان ، والأقرع ابن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نسمع ، وسمعنا عيينه يقول والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة ما أذاق نسائى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " بل تأخذون الدية خمسون فى سفرنا هذا ، وخمسون اذا رجعنا " وهو يأبى ثم قبلوا الدية ، ثم قال أين صاحبكم يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام رجل آدم طويل عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما اسمك ؟ قال أنا محلم بن جثامة ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال " اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا " فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه . قال الحسن فوالله ما مكث محلم بن جثامة الا سبعا حتى مات ، فلفظته والذى نفس الحسن بيده الأرض ، ثم دفن ، فلفظته الأرض ، ولما غلب قومه رضموا عليه بالحجارة حتى واروه ، فبلغ رسول الله شأنه فقال " والله ان الأرض لتنضم على شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم فى جرم ما بينكم بما أراكم منه " " . وفى الآية والأحاديث المذكورة دليل على صحة ايمان المكره فى الحكم ، اذ لم ينصت الى هؤلاء الصحابة ، اذ قالوا ان الذين قتلناه لم يسلم الا خوفا على ماله ونفسه ، وانهم اجتهدوا ، والمجتهد قد يخطىء ولا يغر ما أخطأ فيه اجتهاده ، لأنه لم يقدهم لأولياء المقتول ان كانوا مؤمنين ولم يعطهم الدية .